سعيد يعلن عن إعداد أحكام انتقالية... هل علّق العمل بالدستور التونسي؟

21 سبتمبر 2021
أثارت قرارات قيس سعيد جدلاً واسعاً بين الناشطين والقانونيين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أكد الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال كلمة مباشرة نقلها التلفزيون الرسمي من مدينة سيدي بوزيد، أمس الإثنين، أنّ "التدابير الاستثنائية ستتواصل"، معلناً أنه "تم وضع أحكام انتقالية تستجيب لمطالب الشعب''.

وتابع أنّ "التدابير الاستثنائية كان يمكن أن تكون أشد"، وانتقد من اتهمه بالانقلاب قائلاً "كيف يكون انقلاباً وهو من داخل الدستور، وعلى هؤلاء العودة للدراسة".

وأضاف سعيد أنه ''سيتم وضع قانون انتخابي جديد حتى يكون النائب مسؤولاً أمام ناخبيه، وأنّ الأحكام المتعلقة بالحقوق والحريات التي نص عليها الدستور ستبقى سارية المفعول، ولن يقدر أحد على افتكاك حريتكم''، وفق تعبيره.

وشدد على أنّ السيادة للشعب يمارسها عبر الاستفتاء والانتخاب، وأنّ القضية ليست قضية حكومة بل هي قضية منظومة كاملة، مبرراً أنه لم يلجأ إلى "التدابير الاستثنائية إلا للحفاظ على الوطن". وقال 'إنّ الحياء والأخلاق تمنعانه من أن يتحدث عن "الخونة الذين باعوا وطنهم''، وفق تعبيره.

وقال سعيد إنّ "هناك من دفع المليارات في الخارج للتشويه وحتى للاغتيال"، وتعهد أنه "سيحافظ على الحقوق والحرّيات وأنه لن يمس أياً كان ولن يرفع أي قضية ضد أي كان".

وتطرح هذه القرارات الجديدة أسئلة كثيرة لعل أبرزها؛ هل قرر سعيد تعليق العمل بدستور 2014 دون الإعلان عن ذلك صراحة؟

أستاذة القانون الدستوري، منى كريم الدريدي، توضح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الرئيس قال في خطابه "الشيء ونقيضه، فمن جهة جدد التزامه بالدستور والبقاء في إطاره، ومن جهة أخرى تحدث عن إجراءات خارج الدستور".

وفسّرت أنّ "إصدار أحكام انتقالية يعني بالضرورة تعليق الدستور، كلياً أو جزئياً، فلو كان القصد البقاء في إطار الدستور فيتم الاعتماد على أحكام استثنائية وليست انتقالية"، مشيرة إلى أنه "يتم إصدار الأحكام الانتقالية في حالة الانتقال من وضع إلى وضع آخر، ومن دستور إلى دستور جديد".

ولفتت الدريدي إلى أنّ "الوضع يزداد غموضاً وإبهاماً"، متسائلة عن "الجهة التي ستضع هذه الأحكام الانتقالية، وبأي صيغة وكيف سيتم إقرارها وكيفية تنفيذها وتطبيقها، وعن محتوى مشروع الدستور الجديد".

وحول تعديل القانون الانتخابي، أكدت أنه "من غير الممكن دستورياً تعديله إلا من قبل السلطة التشريعية التي تتداول فيه وتصادق عليه"، مؤكدة أنّ "الدستور التونسي يستثني تعديل النظام الانتخابي عبر مراسيم (يصدرها الرئيس) وأي آلية أخرى تعتبر مخالفة للدستور الحالي".

الدريدي: قيس سعيّد قال في خطابه الشيء ونقيضه، فمن جهة جدد التزامه بالدستور والبقاء في إطاره، ومن جهة أخرى يتحدث عن إجراءات خارج الدستور

وأثارت قرارات قيس سعيد، جدلاً واسعاً بين الناشطين والقانونيين، حول تأويلها خصوصاً أنها لم تكن مباشرة وواضحة وصريحة.

واعتبر أستاذ القانون وشقيق رئيس الجمهورية، نوفل سعيّد، في تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، أنّ "استمرار الإجراءات الاستثنائية، يتطلب وضع أحكام انتقالية ولكن لا يعني بالضرورة تعليق الدستور''.

وفي المقابل، اعتبر مقرر دستور 2014، الحبيب خضر، أنّ هناك "أحكاماً انتقالية تساوي تعليق الدستور التونسي كلياً أو جزئيّاً، وهي إيغال في الانقلاب".

وأضاف، في تدوينة له على صفحته في "فيسبوك"، أنه "لا يمكن دستورياً تعديل النظام الانتخابي إلا بقانون صادر عن السلطة التشريعية، وهو مستثنى من مجال المراسيم (الفقرة الأخيرة من الفصل 70) وغير ذلك ليس إلا إيغالاً في الانقلاب".

ولكن هناك جانباً آخر في كلمة سعيد، أمس الإثنين، قد يثير موجة من ردود الفعل في تونس، لأنه يحمل نبرة تقسيم بين التونسيين، وقد لمّح سعيد إلى ذلك بشكل مباشر تقريباً عندما قال إنه أخذ كل هذا الوقت منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/تموز الماضي، "للفرز بين الوطنيين الأحرار وغيرهم حتى تسقط على البعض آخر ورقة توت كانوا يحاولون يائسين أن يغطّوا بها عوراتهم''، مضيفاً "صواريخنا القانونية على منصاتها وجاهزة الإطلاق".

وقال سعيد إنه اختار أن يلقي كلمته "من مهد الثورة في سيدي بوزيد لا من مدارج المسرح البلدي"، وفي هذا تشديد على التفريق بين الجهتين والمكانين برمزيتيهما في الثورة التونسية، مضيفاً أنه على العهد الذي قطعه للشعب التونسي وأنه جاء إلى ولاية سيدي بوزيد حاملاً شعار "الشعب يريد''.

وفي تصريح لافت، اعتبر سعيد أنّ "الثورة انطلقت من سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر، لأنّ 14 يناير هو تاريخ إجهاضها''.

الحبيب خضر: لا يمكن دستورياً تعديل النظام الانتخابي إلا بقانون صادر عن السلطة التشريعية، وغير ذلك ليس إلا إيغالاً في الانقلاب

وشدد سعيد على تمسّكه بالتحدي مؤكداً أنه لا مجال للتراجع أو الحيرة أو الارتباك، متهماً البعض بأنّ "ديدنه بث الفوضى والإرباك والهلع وصناعة الأزمات''.

وكال سعيد اتهامات متعددة لمن تظاهر ضد الانقلاب يوم السبت في تونس وباريس، واصفاً بعضهم بـ"المخمورين"، وأنّ منهم "منْ قبض أموالاً للاحتجاج"، على حد قوله.

"ثرثرة"

وردّ النائب عن "التيار الديمقراطي" نعمان العش، على خطاب سعيد، قائلاً إنّ الخطاب "تبريري لفشل 55 يوماً من السلطات المجمعة... ثرثرة وصراخ".

وعلّق أستاذ القانون الدستوري، جوهر مبارك، وهو كان أحد المتظاهرين يوم السبت بالقول "ما أقوى 18"، في إشارة إلى تاريخ التظاهرات "ضد الانقلاب" السبت 18 سبتمبر/أيلول، واستنكر كثيرون من المشاركين هذه الاتهامات.

وفي المحصلة، فإنّ سعيد يبدو متوجهاً إلى الإمام في ما يمكن أن يسمى بالمرور بقوة مع أنه يؤكد كل مرة أنه متمسك بالدستور.

ولكن بالعودة إلى تصريحاته، الثلاثاء الماضي، مع بعض من أساتذة القانون المؤيدين له، تتكشف بعض هذه النوايا. فقد طرح بشكل مستعجل وعرضي عن امتلاكه لقانون منظم للسلطة العمومية (دستور مؤقت لتنظيم السلطات، يعوض الدستور الأصلي في حالة إيقاف العمل به حتى إصدار دستور جديد).

وقال سعيد، في فيديو نشرته صفحة الرئاسة متوجهاً للخبراء "اليوم التنظيم المؤقت موجود، وعندي من النصوص ما لا يعرفون..".

وانتقد الرئيس دستور 2014، قائلاً إنّ "الدستور كله أقفال، وفي خدمة المافيا التي تحكم تونس في السر، ولإضفاء مشروعية وهمية على نص غير مشروع"، متسائلاً "ألا يتغير الدستور؟"، معتبراً أنّ "كاتبي دستور سنة 59 قالوا إنه قابل للتطور بتطور الزمان".

ويتضح أنّ سعيد يكشف عن برنامجه وخريطة طريقه بأسلوب الجرعات على مرات متعددة، يطلقها في شكل اختبارات تستكشف ردود فعل الساحة الوطنية والدولية، حيث توجّه في كلمته، الإثنين، بشكل مباشر إلى الخارج، مشدداً على أنه لن يمس الحقوق والحريات، ويبدو أيضاً أنه يؤكد لبعض المتخوفين في الداخل من أنّ أبواب الحريات في الدستور التونسي لن تتغير ولكنه ينوي تغيير بقية الأبواب المتعلقة بالسلطة والنظام السياسي.

ولا يعترض كثيرون على مراجعة وبحث النظام السياسي والقوانين الانتخابية في تونس، بل إن أغلب الأحزاب والمنظمات دعت إلى ذلك بوضوح على امتداد الأشهر الماضية، ولكن يبقى السؤال بأي طريقة سيتم ذلك، وهل ستكون القرارات تشاركية وتوافقية كما كان في دستور 2014؟