سعيد في بروكسل... زيارة اضطرارية لكسر عزلة الرئيس

19 فبراير 2022
تبدو زيارة سعيد اضطرارية لم يتم الإعداد لها بشكل جيد (دورسن إيدمير/الأناضول)
+ الخط -

عاد الرئيس التونسي قيس سعيد من بروكسل، مساء أمس الجمعة، بعد مشاركة في أشغال القمة السادسة للاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، في زيارة أثارت جدلا كبيرا حول مضمونها ونتائجها وحتى حول شكلها وما أثارته من تعليقات بروتوكولية.

وكان من الواضح، بحسب غالب التعليقات، أن سعيد كان في حاجة إلى جرعة أوكسجين دولية تكسر عزلته الدبلوماسية التي طالت كثيرا، وتخفف عنه بعض الضغط المسلط عليه في الأيام الأخيرة، وكان بحاجة أكيدة إلى بذل جهد كبير لمحاولة إقناع شركاء تونس بمشروعه السياسي ورجاحة الإجراءات التي اتخذها، ودحض ما يقول إنها تهم باطلة يروجها معارضوه. 

ومنذ أولى خطواته في العاصمة البلجيكية، كان سعيد في مواجهة أسئلة الصحافيين بخصوص اتهامه من طرف معارضيه بالانحراف بالسلطة نحو الدكتاتورية، وأجاب سعيّد: "أقول مثلما قال الجنرال ديغول ذات يوم، لا يمكنني أن أبدأ مسيرة دكتاتور في هذا العمر"، وأضاف: "هناك محاولات لفتح محادثات، هناك مفاوضات، أنا أستاذ قانون دستوري ولا يمكنني إلا أن  أكون مع دولة القانون والمؤسسات".

وأثار هذا التصريح طبعا اندهاشا في تونس، خصوصا في ما يتعلق بالمفاوضات والمحادثات التي تحدث عنها سعيد والتي لا وجود لها حتى الآن. 

وكان سعيد يكرر في لقاءاته المختلفة، تمسكه بالحريات والقانون، حيث أعلنت  الرئاسة التونسية، أمس الجمعة أن سعيد قدم في لقائه بالمستشار النمساوي، كارل نيهامر، "لمحة عن الأسباب التي أدت إلى اتخاذ إجراءات وتدابير استثنائية، وبيّن مدى حجم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس نتيجة لسوء إدارة المرحلة السابقة وانتشار الفساد فضلا عن تداعيات الأوضاع الأمنية في المنطقة وتأثيرات جائحة كوفيد 19"، وشدد على "التزامه الثابت بضمان حقوق الإنسان والحريات وتمسكه بقيم الديمقراطية والعدالة واستقلالية القضاء".

سعيد كان في حاجة إلى كسر عزلته الدبلوماسية التي طالت كثيراً

وقال سعيد نفس الشيء تقريبا لرئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشاز.

وفي لقائه مع رئيسة البرلمان الأوروبي، روبيرتا ماتسولا، تطرّق سعيد إلى "الوضع في تونس وما يشهده من صعوبات، واستعرض جملة التدابير الاستثنائية التي تمّ اتخاذها والقرارات التي تمّ الإعلان عنها بشأن المواعيد الكبرى خلال السنة الجارية". وأكد مرة أخرى على "احترامه للقانون وتشبثه بقيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان"، وشدّد على "حاجة تونس إلى مؤسسات قوية تضطلع بمهامها على أحسن وجه".

ولكن ما أوردته ماتسولا على حسابها بتويتر مخالف لما ذكرته صفحة الرئاسة التونسية، إذ شددت على "أهمية العودة الي ديمقراطية برلمانية فاعلة". وأكدت على "أهمية استقلالية القضاء والحرب على الفساد لتحقيق نمو اقتصادي واجتماعي".

ولكن المحكمة العسكرية في تونس أصدرت في نفس اليوم حكما بالسجن لمدة عشرة أشهر على النائب ياسين العياري، وقبلها بيوم حكما مؤجل التنفيذ بسنة على النائب سيف الدين مخلوف، ومدد الرئيس حالة الطوارئ في البلاد إلى آخر السنة، ما يزيد الشكوك والمخاوف بشأن الحقوق والحريات، وهو ما يعرفه ويلاحظه طبعا كل المراقبين للوضع التونسي.

والتقى سعيد أيضا برئيس النيجر، محمد بازوم، الذي أكد أن بلاده "تدعم التدابير والقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية وتساندها وتعتبرها مهمة وضرورية لتعزيز مناعة تونس وتدعيم استقرارها".

أما عن لقائه بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، فقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، السفير بسام راضي، إن السيسي "شدد على الدعم المستمر للاجراءات وللجهود المبذولة من قِبَل الرئيس سعيد، لتجاوز كافة تحديات المرحلة الراهنة وتحقيق الاستقرار والأمن في البلاد، من أجل بناء مستقبل أفضل للشعب التونسي الشقيق".

ويؤكد الوزير السابق ورئيس المعهد العربي للديمقراطية، خالد شوكات، في حديث لـ"العربي الجديد، أن "الرئيس سعيد كان تقريبا مضطرا لهذه الزيارة ولم يكن يمكنه التهرب منها كقمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة، وغيرها، وبالتالي إن كانت الغاية كسر العزلة فهو لم يكسرها"، مؤكدا أن "بيانات رئاسة الجمهورية لم تعد لها مصداقية"، وأنه "يشك حتى  في البيان حول اللقاء مع رئيس النيجر، فهذا صنيع دول كبرى لها سياسات خارجية فاعلة في المنطقة وفي العالم، في حين أن النيجر مصنفة في آخر الدول على مستوى التنمية البشرية وهي دولة منشغلة في مشاكلها وشؤونها، وتحاول أن تستفيد من علاقات تاريخية معروفة مع تونس".

شوكات: الرئيس سعيد كان مضطراً لهذه الزيارة ولم يكن بإمكانه التهرب منها وإن كانت الغاية كسر العزلة فهو لم يكسرها

وبّين شوكات أن "تصريح المسؤولة الأوروبية لعودة الديمقراطية البرلمانية مفهوم، لأنها تعبر عن مسؤولية أخلاقية ومصالح أوروبية عليا، تقتضي التأكيد على عودة الحياة الديمقراطية ونظام في تونس لديه مؤسسات يمكن الاعتماد عليها، فلماذا تصر الدول المقرضة على أن تتحول اتفاقيات القروض إلى قوانين يصادق عليها البرلمان؟ لأن البرلمان ممثل للشعب، وهذه المسؤولية تتجاوز الحاكم حتى لو كان رئيسا،  فهي تبحث عن ضمانات لمصالحها وقروضها وأموالها، وهذا الأمر لا تضمنه سوى المؤسسات الديمقراطية ذات المصداقية في تمثيل السيادة الشعبية".

واستدرك شوكات: "طبعا هناك استثناءات تتخفى مثلا وراء الخبث الدبلوماسي كفرنسا، التي تتجاذبها خلفيتها كمستعمر قديم لتونس، ولديها مصالح تقتضي التنازل عن المبدأ الديمقراطي أحيانا، ولكن بقية الدول الأوروبية كألمانيا متشددة في موضوع الديمقراطية في تونس لأنها استثمرت وراهنت على الديمقراطية"، مضيفا أن "الولايات المتحدة الأميركية مع إدارة بايدن، وفوق المصالح الأميركية، هناك التزام واضح وصريح في هذا الاتجاه، بل هناك إحراج كبير لها تبين في مواقف أعضاء الكونغرس ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ والرسائل القاطعة والجازمة في هذا المجال".

وأفاد شوكات بأن "التركيز على تونس منطقي، فهي تجربة رائدة والديمقراطيون يراهنون عليها في دمقرطة المنطقة، وإذا سقطت هذه القلعة الديمقراطية فماذا سيبقى في المنطقة؟"، مشيرا إلى أن "خطاب التبرير لسعيد مرده أن كل حاكم غير ديمقراطي يبدو ضعيفا في مواجهة الخارج وخاصة في قلاع الديمقراطية، لأن أوروبا عانت من الأنظمة النازية والفاشية، ولديها دروس مريرة في هذا المجال، وتبريرات الحاكم غير الديمقراطي دليل على ضعفه"، بحسب رأيه.

يذكر أن جدلا كبيرا رافق بعض اللقاءات التي أجراها سعيد على المستوى البروتوكولي، وخصوصا الصورة التي نشرتها رئيسة البرلمان الأوروبي روبيرتا ميتسولا عن لقائها بسعيد على حسابها بتويتر، لكنها غيرتها بسبب احتجاج تونسي على ما يبدو رأى فيها إهانة للرئيس، وتُظهر الصورة سعيد من الخلف ولا يظهر وجهه بينما تستمع إليه ميتسولا، ويبدو أن هذه الصورة سببت انزعاجا في تونس. 

وانتقد  النائب حاتم المليكي، في مداخلة على قناة حنبعل، زيارة الرئيس، مؤكدا أنه لم يتم الإعداد لها بشكل جيد، وقال المليكي: "اسم قيس سعيد لم يكن موجودا في القمة وقد حضر في اللحظات الأخيرة لذلك لم توفر له لجنة التنظيم حتى قاعة لاستقبال الوفود"، بحسب تأكيده.

المساهمون