سد درنة يكشف القادة والحكام

21 سبتمبر 2023
من آثار عاصفة "دانيال" في درنة، الثلاثاء (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

يحاول جميع حكام وقادة ليبيا الاحتماء والاختفاء وراء تقديم الخدمات الإغاثية لمن نجا من كارثة سيول وفيضانات عاصفة "دانيال"، التي ضربت عدداً من مناطق ومدن شرق ليبيا، وادعائهم السعي لتطويق تداعيات الكارثة بإصدار سيل من القرارات المتضاربة في كل اتجاه.

لكن لا هدف لهم إلا التهرب من مسؤولية ما حدث، فحتى وإن لم تعلن الجهات القضائية التي تحقق في أسباب كارثة درنة، أن انهيار سد وادي المدينة كان بسبب تهالكه، فهم في الحقيقة في دائرة الاتهامات المباشرة.

صحيح أن سد الوادي انهار ودفع المواطن فاتورة باهظة، لكنه في الحقيقة انهار ليكشف أمام الرأي العام الدولي ما خلّفه من فساد، فكل محاولات التخفي تلك زادت من انكشاف الوجه الحقيقي للأوضاع المتردية والمهملة في مناطق ومدن البلاد.

فالجسور الجوية التي أقامتها 14 دولة لنقل أطنان من المساعدات، والأرتال الطويلة من سيارات الدعم القادمة من كل المناطق الليبية، فضلاً عما أرسلته الحكومتان الليبيتان، كانت كافية لفضح حقيقة أن مدن البلاد لا تتوفر على أي شيء من سبل الحياة، فعلى الرغم من مرور 10 أيام على الكارثة، لم تكتف المدينة ولا تزال تطلب المزيد.

يدرك الكثير من المراقبين أن الإعلانات التي أطلقها النائب العام والمجلس الأعلى للقضاء بالبدء في تحقيقات واسعة للكشف عن أسباب الكارثة ومحاسبة المسؤولين عنها، لن تجدي نفعاً ولن تصل إلى شيء، فهي ضمن سياسات التمديد وإضاعة الوقت التي بات قادة البلاد وساستها يجيدونها.

وغير تحقيقات السلك القضائي فقد استخدم قادة الحكومتين السياسة ذاتها في الأثناء، فمرة يعلنون عن أزمة تلوث مياه الشرب ويطالبون بضرورة زيادة الدعم في مياه الشرب ونقل كميات إضافية منها، ومرة عن هول محدق بالمدينة جراء تلوث بيئي كارثي سينتجه تحلل الجثث ولا بد من إجلاء ما تبقّى من السكان، وغيرها، قبل أن يصل أحدهم، وهو قائد مليشيات الشرق اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إلى طريق مسدود فلا حل إلا قطع الاتصالات والادعاء بأن كوابل الألياف البصرية الناقلة للإنترنت تعرضت لقطع بطريق الخطأ ويحتاج إصلاحها وقتاً، تزامناً مع مطالبة الصحافيين بمغادرة المدينة بحجة مزاحمتهم لفرق الإنقاذ وعرقلة أعمالها.

في الواقع إن ما يفعله هؤلاء القادة ما هو الا تطويق لتداعيات الكارثة عليهم لا على المواطن، فهم غير موجودين إلا في درنة الأكثر غضباً وحنقاً، لكن آثار الكارثة طاولت قرى ومناطق أخرى على امتداد 350 كيلومتراً شرقي بنغازي.

قد يفلح حفتر في خنق درنة مجدداً، كما فعل قبل سنوات عندما حاصرها لمدة عام، ووأد حالة الاحتقان الكبيرة فيها بالعديد من وسائل الترهيب التي يتوفر له منها الكثير، لكن ماذا لو تكررت العواصف وسد المدينة المنهار على حاله؟

وماذا عن مدن ومناطق الساحل الشمالي التي تقع وراء أغلبها سدود من حال وعمر سد وادي درنة، التي لم يتحدث هؤلاء الحكام القادة حتى الآن بالمطلق عنها وعن أوضاعها أو إصدار قرارات بالبدء في صيانتها لتلافي أي خطر مقبل، لا سيما أن فصل الشتاء لم يبدأ حتى الآن، وسط تحذيرات من سرعة التغيرات في الطقس بسبب فوضى التغيرات المناخية. فهل قدر الليبي انتظار مساعدة الطبيعة ليتمكن من انتشال جثث هؤلاء الحكام المتحللة من طول مدة التصاقها بالكراسي، ودفع فاتورة باهظة من الأرواح والممتلكات؟