كشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" أن القاهرة تنسّق مع الخرطوم حالياً لرفع شكوى سودانية إلى مجلس الأمن، وليس مجرد خطاب إحاطة بالمستجدات، بشأن تقاعس إثيوبيا عن تقديم المعلومات اللازمة والبيانات الخاصة بعملية الملء الثاني لسد النهضة، والتي أصبح إتمامها قاب قوسين أو أدنى. وأضافت أن التنسيق في هذا الملف بدأ خلال زيارة وزيري الخارجية والري المصريين سامح شكري ومحمد عبد العاطي إلى الخرطوم منذ أسبوعين، واستؤنف خلال زيارة مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، إلى العاصمة السودانية، أول من أمس السبت، ملتقياً رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في زيارة غير معلنة. وتضمنت زيارة كامل لقاء رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك وعدد آخر من القيادات، العسكرية والمدنية، لمدة لم تتجاوز ثماني ساعات، عاد بعدها إلى القاهرة.
تأمل مصر والسودان إحياء حراك كبير لاستئناف المفاوضات
وبحسب المصادر، فإن الرؤية المصرية الرسمية المتحدة مع القرار الغالب على المكون العسكري في السلطة السودانية المؤقتة، تتجه إلى التصعيد الدبلوماسي في مجلس الأمن، بتقديم شكوى رسمية فور حدوث أي تأثير ولو بسيط على منسوب المياه في بحيرة سد الروصيرص، بغض النظر عن وقوع ضرر جسيم من عدمه. وتأمل أن تتبنّى الولايات المتحدة ودول أخرى بمجلس الأمن، مشروع قرار لإلزام إثيوبيا بوقف الملء الثاني، المقرر في يوليو/تموز المقبل. الأمر الذي سيُقابل على الأرجح باعتراض روسي وصيني على الزج بمجلس الأمن في صراعات المياه عبر الحدود.
وأضافت المصادر أن مصر والسودان تأملان أن يؤدي هذا الجدل لدى تجدده في مجلس الأمن، كما حدث في الصيف الماضي، إلى حراك كبير لاستئناف المفاوضات، على أن يكون مصحوباً بضمانات كافية لإلزام إثيوبيا بما يمكن الاتفاق عليه، سواء تم ذلك قبل إتمام الملء الثاني أو في أعقابه.
وفي السياق، قال مصدر فني مصري مطلع إن إثيوبيا لم ترسل للسودان أي معلومات جديدة عن جدول التصرفات خلال فترة الملء الثاني، وما يمكن أن يترتب على عدم الوصول بالتعلية الوسطى إلى المعدلات المأمولة والمخطط لها سلفاً. وهو ما يعتبر مخالفة لاتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015. وأضاف المصدر أن هناك محاولات تجري حالياً لإحياء المبادرة الإماراتية التي تم سحبها الشهر الماضي، بعد اعتراض مصر والسودان عليها، بإعادة دمجها مع المقترح السوداني الأخير الذي طرحه وزير الري ياسر عباس، الأسبوع الماضي، بشأن تجزئة الاتفاق النهائي إلى مرحلتين. في السياق، تلتزم الإمارات بأداء دور الوسيط الفعال بين الأطراف الثلاثة (مصر، السودان، إثيوبيا) والضامن للدخول في المرحلة الجزئية الثانية من الاتفاق، المتمثلة في استئناف المفاوضات بصورة شاملة وملزمة.
وأوضح المصدر أن هذا الدمج سيضفي بعداً فنياً على المبادرة السياسية الإماراتية، ويتم الاتفاق على عناصر محددة في مسألة التبادل المعلوماتي وطي صفحة الخلاف بالنسبة لجميع البنود التي سبق وتم الاتفاق عليها، ووضع أجندة محددة وتوقيتات ضيقة لمناقشة البنود المتبقية. ولفت إلى أنه على الرغم من الخلافات المستترة بين القاهرة وأبوظبي في هذا الملف، بسبب إصرار الأخيرة على تقديمها الدعم بمختلف الصور السياسية والاقتصادية وحتى الدعائية لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بالتزامن مع الخلاف الحالي، إلا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعباس كامل يعتقدان بأن الإمارات مؤهلة أكثر من غيرها لأداء دور إيجابي في الوساطة، ولكن يجب ضبطه بمزيد من المحددات المصرية والسودانية، وبالتوازي مع طرق أبواب أخرى للضغط، خصوصاً الولايات المتحدة.
يعتقد السيسي وشكري أن الإمارات قادرة على أداء دور إيجابي
وأعلن السودان، أول من أمس السبت، بدء عملية الملء الجزئي لبحيرة سد جبل الأولياء، على النيل الأبيض جنوبي الخرطوم، تحسباً لبدء إثيوبيا في الملء الثاني. وأعلنت وزارة الري جدولة جديدة لعمليات الملء والتفريغ لكل الخزانات السودانية، مشيرة إلى أن مناسيب المياه الواردة من النيل الأبيض هذا العام، أعلى من المعدلات المعتادة، الأمر الذي سيسهل تخزين كميات مياه إضافية في خزان جبل الأولياء.
ووجهت مصر منذ عشرة أيام خطاباً إلى مجلس الأمن دعت فيه إلى الضغط لاستئناف المفاوضات قائلة: "يجب التغلب على القصور الحالي في إحراز تقدم في المفاوضات"، مشيرة إلى أن "إثيوبيا خلال الجولات المتعاقبة من المفاوضات رفضت باستمرار مقترحات مصر التي كانت تستند إلى مبادئ القانون الدولي المعمول بها، والتي سعت إلى التوصل إلى اتفاق عادل ومربح للجميع يضمن أن إثيوبيا ستحقق أهدافها الإنمائية، مع تقليل الآثار السلبية لسد النهضة، وأن مصر قدمت مقترحات لا حصر لها تضمن أن إثيوبيا ستولد الطاقة الكهرومائية من سد النهضة بسرعة وكفاءة، وبشكل مستدام في جميع الظروف الهيدرولوجية، بما في ذلك فترات الجفاف الشديدة والممتدة".
وشكت مصر رفض إثيوبيا جميع المقترحات ومشاريع الاتفاقيات التي طورها الشركاء الدوليون الذين حاولوا مساعدة الدول الثلاث في التوصل إلى اتفاق، مثل الولايات المتحدة عام 2020، والتي وقّعتها مصر منفردة بالأحرف الأولى كدليل على حسن النية. وشدّدت على أن "عدم التوصل إلى اتفاق حول أكبر مرفق للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، يمكن أن يكون له آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة، إن لم تكن كارثية، على مصر".