سد النهضة: انشغال العالم بحرب بوتين يربك مصر

28 فبراير 2022
جنديان إثيوبيان أمام سد النهضة (ميناسي وونديمو هايلو/الأناضول)
+ الخط -

تسيطر حالة من الارتباك على الأجهزة والإدارة المصرية المعنية بإدارة ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي أخيراً، في ظل انشغال القوى الدولية الكبرى بأزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، وتجاهل النداءات التي وجهتها مصر أخيراً إلى المنظمات الدولية المعنية في أعقاب إعلان إثيوبيا البدء في تشغيل سد النهضة بشكل أحادي، من دون التوصل إلى اتفاق يراعي مصالح كافة الأطراف، وعدم امتثالها للقرارات والمساعي الدولية للبدء في مفاوضات جديدة.

ووجهت القاهرة خطاباً عاجلاً إلى مجلس الأمن، دعت فيه إلى جلسة جديدة بِشأن الأزمة، في أعقاب إعلان إثيوبيا أخيراً عن تدشين المرحلة الأولى من عملية توليد الكهرباء من السد.

خطاب مصري إلى مجلس الأمن

وفي هذا الصدد، قالت مصادر مصرية، في أحاديث خاصة مع "العربي الجديد"، إن البيان الموجّه إلى مجلس الأمن جاء بموازاة خطاب عاجل آخر تم توجيهه للقيادة الجديدة للاتحاد الأفريقي برئاسة دولة السنغال، بهدف سرعة دعوة الأطراف المعنية بالأزمة للاجتماع امتثالاً للقرار الصادر سابقاً عن مجلس الأمن، فيما تعللت أديس أبابا في أكثر من مناسبة بالاضطرابات الداخلية لديها لتأجيل تنفيذ مضمون القرار الأممي.

وأضافت المصادر أن مصر تلقت ردوداً سلبية من الإدارة الأميركية، أخيراً، بشأن الضغط على الجانب الإثيوبي لعقد اللقاء، إذ طالبت واشنطن بالتأجيل بسبب الانشغال العالمي بتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.

ولفتت المصادر إلى أن تعليمات صدرت، أخيراً، للمسؤولين عن الملف الإعلامي بتصعيد اللهجة في وسائل الإعلام المصرية بشأن أزمة السد، وإطلاق عدد من الإعلاميين والكتاب التابعين للأجهزة السيادية، للحديث عن النهج الإثيوبي وأضراره على السلم والأمن في المنطقة ككل، في محاولة للفت الأنظار إلى خطورة الوضع.

وأوضحت المصادر أن لقاءً تم ترتيبه أخيراً لوزير الري محمد عبد العاطي مع رؤساء تحرير الصحف المصرية ومقدمي البرامج الحوارية، بتنسيق من المجلس الأعلى للإعلام، كان بمثابة إشارة البدء في الخطة الإعلامية، التي جاءت في ظل حالة القلق التي تسيطر على صانع القرار المصري في أعقاب التجاهل الدولي للنداءات المصرية.


طالبت واشنطن بتأجيل ملف سد النهضة بسبب الانشغال بالحرب الروسية على أوكرانيا

وبحسب المصادر، تضمنت الرسالة المصرية الموجهة للمجلس تأكيدات أن الخطوات الإثيوبية المتخذة أخيراً من شأنها إلحاق ضرر بالغ بمصر باعتبارها دولة مصب، وهي الأضرار التي سيكون من الصعب على مصر التعامل مع تداعياتها بشكل يجنّب المنطقة ككل آثاراً سلبية.

وكشفت المصادر أن مصر ضمنت مذكرة فنية مع الخطاب العاجل الذي قدمه مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة أسامة عبد الخالق، تضمنت ما خلصت إليه دراسات سابقة بشأن التأثيرات السلبية المحتملة على مصر في حال البدء الأحادي في تشغيل السد، وهو ما أقدمت عليه إثيوبيا أخيراً.

بدء تشغيل إثيوبيا سد النهضة

وأكدت المذكرة المصرية المقدمة لمجلس الأمن، والتي طالبت القاهرة بتعميمها على الدول الأعضاء، أن الخطوة الإثيوبية الأخيرة، والتي تندرج تحت خطوات بدء التشغيل الرسمي للسد، كان يجب أن يسبقها تقديم أديس أبابا دراسات بشأن الآثار الهيدرولوجية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية المترتبة على عملية التشغيل، خصوصاً على دولتي المصب، مصر والسودان.

وكشفت المصادر أن مصر لجأت إلى التقدم بشكواها في صورة خطاب عبر مندوبها الدائم في الأمم المتحدة، بعدما رفضت الإمارات تبني المخاوف المصرية في إطار قرار باسمها باعتبارها الممثل العربي في مجلس الأمن في الوقت الراهن.


رفضت الإمارات تبني المخاوف المصرية بشأن سد النهضة

وكان مجلس الأمن قد أصدر، في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، بياناً رئاسياً دعا فيه مصر والسودان وإثيوبيا إلى المضي قدماً، بطريقة بنّاءة وتعاونية، في عملية التفاوض، بشكل يسهم في التوصل سريعاً إلى صيغة نهائية لنص اتفاق مقبول وملزم للأطراف بشأن ملء سد النهضة وتشغيله، وفق إطار زمني مناسب.

ويأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه رئيس قطاع مياه النيل بوزارة الري المصرية مصطفى السنوسي، خلال مجلس حواري مع رؤساء تحرير الصحف المصرية، أن النهج الإثيوبي يُظهر أن هناك تعمداً في الإضرار بمصر والسودان، قائلاً إن وزارة الري ترصد بشكل دقيق تطور إنشاءات سد النهضة، ولديها تقديرات مبكرة لما يمكن أن تصل إليه.

وأشار إلى أن الجزء الأوسط من السد حالياً عند منسوب 576 متراً، ما يعني أن أقصى سعة تخزين ممكنة هي 8 مليارات متر مكعب.

وأضاف السنوسي أن "إثيوبيا تتعمد الإضرار بمصر والسودان"، مدللاً على ذلك بأنها "خاطبت الدولتين بتخزين 13.5 مليار متر مكعب الصيف الماضي، ثم فوجئنا بأنها خزنت 5 مليارات متر مكعب فقط، وبالتالي، المياه التي مرت إلى مصر والسودان كانت أكثر من المتوقع".

وبين أن عملية ملء السد غير متحكم فيها، مشيراً إلى "عدم التحكم في عملية تمرير المياه"، وإلى أن هناك أعمالاً تجرى حاليا في إحدى بوابات تمرير المياه عند المستوى المنخفض، بعدما كان مقرراً أن تخرج عن الخدمة نهائياً، ما قد يشير إلى وجود مشكلة ما.

من جهته، أكد وزير الري المصري محمد عبد العاطي، خلال الجلسة ذاتها، جاهزية الدولة للتعامل مع كل السيناريوهات الخاصة بأزمة سد النهضة الإثيوبي، قائلاً "إن الدولة تتحرك في عدة اتجاهات سياسية وقانونية في ما يخص السد الإثيوبي، وأنها لا تعمل تحت الضغط".