قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن الاتحاد الأفريقي، ممثلاً بمفوضيته والكونغو الديمقراطية، الرئيس الحالي للاتحاد، خاطب كلاً من مصر والسودان وإثيوبيا خلال اليومين الماضيين، لدعوة الوفود الاستخبارية والدبلوماسية والفنية إلى جولة مفاوضات جديدة في كينشاسا، عاصمة الكونغو الديمقراطية، خلال الأسبوعين المقبلين على أقصى تقدير، قبل أن تعلن أديس أبابا الانتهاء من مرحلة الملء الثاني لسد النهضة بحلول الأسبوع الأخير من شهر يوليو/ تموز الحالي. ويهدف الاتحاد إلى تخصيص هذه الجولة، لحوار واسع بشأن كيفية استئناف المفاوضات، على أساس ما سبق الاتفاق عليه في جميع المفاوضات السابقة، وعلى رأسها مسوَّدة اتفاق واشنطن التي وقّعتها مصر منفردة في ربيع 2020، على أن يُعاد التفاوض في عدد من النقاط في هذه المسوَّدة دون المساس بجوهرها، وبما لا يعيد النقاش في المسائل التي حُسمَت بالفعل.
يريد الاتحاد حواراً واسعاً لاستئناف التفاوض على أساس الاتفاقات السابقة، وعلى رأسها مسودة اتفاق واشنطن
وأضافت المصادر أن اتصالات الاتحاد الأفريقي لا يمكن اعتبارها مبادرة جديدة، لكنها تأتي في إطار تنسيق ثنائي رفيع المستوى بين الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، والبيت الأبيض، مدعوماً باتصالات أخرى من الأمانة العامة للأمم المتحدة، ومفوضية الاتحاد الأوروبي، والصين. وتهدف الخطوة إلى البناء على مشروع القرار الذي قدمته تونس، والذي لم يبتّ فيه مجلس الأمن الدولي حتى الآن رسمياً، والإسراع في تنفيذ فحواه، بالعودة السريعة إلى المفاوضات بخريطة طريق محددة لا تستغرق أكثر من 6 أشهر. وتريد الجهة الداعية تجنب أن يتطور الأمر في أروقة الأمم المتحدة إلى خلاف بين الدول التي تراهن عليها مصر والسودان والجامعة العربية، للضغط لإصدار بيان بشأن القضية يحمل توصيات محددة بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وبين الدول التي لا ترغب في استحداث سابقة لتعرض المجلس لقضية مياه عبر الحدود، كالصين وروسيا.
وأوضحت المصادر أن مصر والسودان يبديان مرونة كبيرة في الاتصالات الحالية بعد جلسة مجلس الأمن الخميس الماضي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإحداث تقدم، ولو بدرجة طفيفة، قبل الإعلان الإثيوبي عن انتهاء الملء الثاني. وبالتوازي مع ذلك، لا يزال الفريقان الدبلوماسيان للبلدين في الأمم المتحدة، يكثفان جهودهما لاستصدار البيان المأمول، حيث حصلا على وعد من ثلاث دول كبرى من أعضاء المجلس، لم تسمّها المصادر، بالسعي بقوة لإصدار البيان حال تعذر الاتصالات الأفريقية لاستئناف المفاوضات قبل انتهاء الملء الثاني، واستمرار تعنت إثيوبيا في تأسيس الجولة الجديدة على مسوَّدة اتفاق واشنطن.
وذكرت المصادر أن عدداً من الدول الأعضاء الدائمين والحاليين، ساد بينهم شعور بالغضب نتيجة الخطاب الإعلامي الرسمي الإثيوبي الذي زعم تحقيق أديس أبابا انتصاراً دبلوماسياً، في ظلّ امتلاكها عدداً ضئيلاً من الأصوات المتراخية في إلزامها باستئناف المفاوضات، كروسيا وكينيا، والهند التي جاء موقفها تحديداً محبطاً لمصر بعد تعهدات سابقة بالمساندة. لكن هذا الغضب لم يترجم في صورة عملية مساندة لمساعي مصر والسودان، ولا سيما مع ترابط مصالح عدد من الدول مع الصين وروسيا من جهة، ووجود إشكاليات خاصة تعرقل تعرض مجلس الأمن لقضية المياه العابرة للحدود، واتجاه الأمانة العامة للأمم المتحدة والأجهزة التنفيذية المعنية إلى أن التحرك الدولي في هذه الحالة يجب أن يكون محكوماً بوقوع الضرر الفعلي على مصر والسودان، الأمر الذي لم يحدث حتى اللحظة.
وشدّدت المصادر على أن من عناصر ضعف الموقف المصري والسوداني في هذه النقطة الإشكالية لدى شرحها للدول الأخرى، أن المبدأ الثالث من اتفاق المبادئ المبرم بين الدول الثلاث في مارس/ آذار 2015 لا يتحدث عن الضرر المحتمل، بل يلزم الجانب الإثيوبي بـ"اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن، خلال استخدامها للنيل الأزرق". ويتضمن المبدأ الثالث أنه "في حالة حدوث ضرر ذي شأن لإحدى الدول، فإن الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر، عليها، في غياب اتفاق حول هذا الفعل، اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسباً". وتنفي جميع البيانات المقدمة من إثيوبيا، وكذلك المفوضيات الدولية والإقليمية ذات الصلة، وقوع "ضرر ذي شأن" على المصالح المائية حتى الآن، بما يصعّب أكثر إمكانية القفز على الاشتراطات التي حدّدها اتفاق المبادئ لتخفيف أو منع الضرر أو التعويض عنه.
وفي السياق الفني للقضية، قال مصدر إثيوبي مطلع إنّ من الوارد استمرار الملء حتى شهر أغسطس/ آب المقبل، لزيادة كمية المياه المحتجزة من المياه لتتجاوز بالفعل 13 مليار متر مكعب، وهي كمية أقل بنحو نصف مليار مما كان مستهدفاً بالملء خلال العام الحالي، مع مراعاة استمرار تصريف المياه من فتحتي التدفق لوقت أطول، ريثما تتمكن السلطات من تعلية الممر الأوسط للسد بصورة مناسبة للكمية المذكورة.
حصلت مصر والسودان على وعد من 3 دول كبرى بمجلس الأمن، بالسعي لإصدار بيان حال تعذر الاتصالات الأفريقية
وأضاف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أنه في حال التمكن من تخزين نحو 7 مليارات متر مكعب بحلول الأسبوع الثالث من الشهر الحالي، والحفاظ على مستوى البحيرة في ظلّ زيادة الفيضان بنسبة تصل إلى 75 في المائة على ما كان في ذات التوقيت العام الماضي، فقد تجد إدارة المشروع هذا الوضع ملائماً لزيادة وقت التخزين، بالتوازي مع التعلية، وبما يمكنها من إضافة 6 مليارات متر مكعب أخرى خلال الشهر المقبل.
وأخطرت إثيوبيا دولتي المصب قبل ثلاثة أيام من انعقاد جلسة مجلس الأمن بأنها بدأت الملء الثاني فعلياً، بعد تجاوز منسوب الملء الأول المقدر بنحو 5 مليارات متر مكعب، وتعهدت بالاستمرار في تشغيل مضختي المياه إلى بحيرة سد الروصيرص حتى نهاية فترة الملء الثاني بتدفق يصل إلى 50 مليون متر مكعب يومياً لكلتا الفتحتين. وترى مصر والسودان أن هذه الكمية لا تفي باحتياجات دولتي المصب، ولا تكافئ متوسط تصرفات النيل الأزرق.
وبعد انتهاء الملء الثاني، ستبدأ فترة مختلفة من التشغيل والتصرف في المياه لم تختبرها دولتا المصب من قبل، حيث ستبدأ إثيوبيا باستغلال المياه المخزنة في توليد الكهرباء، وفي الوقت ذاته سيسمح الممر الأوسط للسد بعد انتهاء المرحلة الحالية من التعلية بمرور ما يفيض عن مستوى البحيرة إلى وادي النيل.