فسّر مسؤول فني بوزارة الري المصرية تصريحات وزير الخارجية سامح شكري، التي قال خلالها إنه "لا يزال هناك فسحة من الوقت" أمام مصر، من أجل إيجاد حل لأزمة سد النهضة الإثيوبي، بأنها تعتمد على معلومات لدى الحكومة المصرية تؤكد أن أعمال الإنشاءات بالسد الإثيوبي "لا تسير وفق ما هو مخطط لها"، وبالتالي فإن أديس أبابا "سوف تعجز عن إتمام الملء الثالث في موعده المحدد سلفاً"، في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين.
وكان شكري قد اعتبر في اجتماع لجنة الشؤون الأفريقية بمجلس النواب المصري، يوم الخميس الماضي، أن هناك متابعة يومية لأزمة سد النهضة، لأن المياه مسألة وجود بالنسبة لمصر، محذراً من أن "هناك مشروعات أخرى على النيل الأزرق تقوم بها إثيوبيا، ولكن في المقابل يجب احترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بما لا يضر بمصالح الدول الأخرى".
وأكد وزير الخارجية المصري، أن "المشاورات لم تصل إلى نتيجة، وأنه لا يزال هناك فسحة من الوقت"، مشيراً إلى "حرص مصر على حل الأزمة من خلال التفاوض والتفاهم، وإتاحة فرصة للمفاوضين الدوليين لحل الأزمة بما لا يضر بمصالح دولتي المصب (السودان ومصر)".
وتابع شكري: "مستمرون في سعينا حتى وإن كان الوقت ضيقاً من أجل حل الأزمة بما لا يضر مصالح مصر والسودان"، مؤكداً أن "الأعمال الأحادية من جانب إثيوبيا تضر بمصالح دولتي المصب".
فشل إثيوبي بسدّ النهضة
من جهته، كشف المسؤول بوزارة الري المصرية، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "المعلومات التي توفرت لدى الخبراء المصريين، حول سد النهضة الإثيوبي، تشير إلى عدم نجاح أديس أبابا في استكمال أعمال التعلية بالممر الأوسطي، وبالتالي فإنها لن تستطيع إتمام الملء الثالث، في الموعد المحدد".
وتابع "لكن أديس أبابا في الوقت ذاته تخطط لبناء 3 سدود أخرى بخلاف سد النهضة، تُقدّر سعتها التخزينية بنحو 200 مليار متر مكعب من المياه، وتهدف من خلالها لتوليد الكهرباء وتوسيع المساحة المزروعة، وبالطبع سوف تؤثر على حصتي دولتي المصب؛ مصر والسودان".
وأشار المسؤول إلى دراسة أعدتها مجموعة استشارية كندية بتكليف من الحكومة المصرية عام 2008، عن السدود التي تنوي إثيوبيا إنشاءها على النيل الأزرق، وتأثيرها على حصتها المائية، وهي سدود "كارداوبة"، و"بيكو أبو"، و"مندايا"، وسد "الحدود" الذي تغير اسمه إلى سد "الألفية" ثم إلى "سد النهضة".
ولفت إلى أن الدراسة خلصت إلى أن السعة التخزينية للسدود الأربعة ستصل إلى 200 مليار متر مكعب من المياه، أي أكثر من 3 أضعاف الإيراد السنوي الكلي للنيل الأزرق. كما كشفت الدراسة، وفق المسؤول، اختلاف ارتفاعات تلك السدود، إذ بلغت في سد النهضة 90 متراً قبل زيادتها إلى 145 متراً، وتصل في سد "بيكو أبو" إلى 285 متراً.
لن تنجح إثيوبيا في إتمام الملء الثالث من سد النهضة
وأكد المسؤول بوزارة الري المصرية أنه "في حال أكملت إثيوبيا ملء خزان سد النهضة خلال خمس سنوات كما كانت تخطط، وهي فترة زمنية قصيرة تعترض عليها دولتا المصب مصر والسودان، فإن مصر ستفقد نحو 36 في المائة من إجمالي إمدادات المياه، ونصف مساحتها الزراعية".
وشدّد على أنه "يجب أن تسعى الحكومة المصرية لحسم قضية السد في أسرع وقت ممكن، وأنه، حتى لو تأخرت إثيوبيا لبعض الوقت بسبب عوامل خارجة عن إرادتها، إلا أنها سوف تحاول مرة أخرى حتى تستطيع إتمام المهمة".
وكان وزير الريّ المصري السابق، محمد نصر علام، قد كشف في عام 2015 لـ"العربي الجديد" أن إثيوبيا تنشئ 5 سدود جديدة على النيل في تعتيم شديد.
من جانبه، كتب أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة عباس شراقي، على صفحته في "فيسبوك" قبل أيام، أنه "طبقاً للأقمار الصناعية، فإن المخزون الحالي لسد النهضة يبلغ حوالى 7 مليارات متر مكعب، عند منسوب 575 متراً فوق سطح البحر، بانخفاض مليار متر مكعب منذ فتح بوابة التصريف في 12 مارس/ آذار الماضي، وثلاثة مليارات متر مكعب من أعلى منسوب عند نهاية الفيضان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي الذي وصل إلى 580 متراً، ثم استقر بعد انتهاء الفيضان عند منسوب 576 متراً بمقدار 8 مليارات مكعب، هي إجمالي عمليتي التخزين الأول والثاني في العامين الماضيين".
وأضاف شراقي: "يظهر في صور الأقمار الصناعية ليوم 14 إبريل/نيسان عمل التوربين رقم 10، واستمرار تدفق المياه من خلال إحدى فتحتي التصريف، وظهور بعض الجزر نتيجة انخفاض المخزون".
وأشار إلى أن "هناك أنباء عن أعمال خرسانية أعلى جسم السد، تحديداً في الجانب الغربي، ولكن لا توجد بيانات تفصيلية مؤكدة عن مدى التقدم". وقال خبير الجيولوجيا، إن إثيوبيا "تستهدف تخزينا ثالثا يقدر بنحو 10 مليارات مكعب، عن طريق تعلية السد بمقدار 20 متراً، بما يعادل نحو 1.3 مليون متر مكعب، وهذا مستحيل في الفترة الزمنية المتبقية على الفيضان الجديد (أقل من ثلاثة أشهر)".
مع العلم أنه سبق أن أشار في عام 2021 إلى أنّ "لدى أديس أبابا مخططاً لإنشاء 30 مشروعاً مائياً على نهر النيل، تشمل ثلاثة سدود كبرى لن يقلّ تأثيرها عن تأثير سد النهضة".
لم يعد أمام مصر والسودان سوى الضغط على إثيوبيا لتوقيع الاتفاق الفني
بدوره، اعتبر دبلوماسي مصري سابق، أنه بعد "فشل كل المحاولات الدبلوماسية والقانونية، لحل الأزمة بين الدول الثلاث، في قضية سد النهضة، والمتمثلة في جولات الحوار المكررة، والتحركات التي تمت في مجلس الأمن الدولي من قبل مصر والسودان، ومع إصرار إثيوبيا على المضي في إتمام عملية بناء وتشغيل السد دون التوصل لاتفاق قانوني وملزم، لم يعد هناك طريق أمام مصر والسودان، إلا البحث عن وسيلة للضغط سياسياً على إثيوبيا من أجل إجبارها على التوقيع على الاتفاق الفني، الذي تأخر التوصل إليه طويلاً".
وأوضح الدبلوماسي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "إعلان المبادئ الذي وقعته الدول الثلاث في العاصمة السودانية الخرطوم عام 2015، يسمى في لغة القانون (اتفاقية إطارية) بمعنى أنه يجب أن يتبعها اتفاق فني تفصيلي، بين هذه الدول على قواعد ملء وتشغيل السد".
وأضاف أن "هذه الاتفاقية التي لم يتم توقيعها حتى الآن، كان يجب أن تكون الشغل الشاغل للنظام المصري، بعد توقيع اتفاقية إعلان المبادئ، حين كان يجب على المفاوض المصري وصانع القرار، الإصرار عليها وإنجازها في أسرع وقت، ولكن ما حدث هو الدخول في حلقات مفرغة من المفاوضات التي لم تؤد إلى أي نتيجة حتى الآن".
"انتقام" إثيوبي من مصر
وقال المصدر إن إثيوبيا تسابق الزمن من أجل إتمام إنشاءات سد النهضة وتشغيله، قبل التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان، في محاولة لتكريس وضع جديد أساسه أن "النيل الأزرق أصبح بحيرة إثيوبية" كما يردد المسؤولون الإثيوبيون، وبالتالي فإن أي مشروع مستقبلي سوف تقيمه أديس أبابا على النيل الأزرق، سيتم من دون التنسيق مع مصر والسودان، وهذا ما حذر منه وزير الخارجية المصري في تصريحاته أمام النواب، وهو أيضاً ما تسعى أديس أبابا لفرضه على مصر والسودان.
وأشار المصدر إلى أن إثيوبيا "استقوت في مواقفها وأفعالها وتصرفاتها، وأصرت على تضمين بعض النصوص الاستئثارية في اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة 2015 رغماً عن إرادة مصر والسودان". وأضاف أن "المسؤولين الإثيوبيين صرحوا أكثر مرة أن أديس أبابا سوف تنتقم من مصر (الاستعمارية) ولا تريد أن تتناسى ذكريات قديمة".
وقال المصدر إنه "يجب على المسؤولين في مصر والسودان وإثيوبيا، أن يفهموا جيداً أن نهر النيل، يجب أن يكون مصدراً للوحدة بين الشعوب، وليس سبباً من أسباب الفرقة، وأن يتجنبوا التصريحات والتصرفات التي من شأنها بث الكراهية بين شعوب النيل".
وأكد أنه "في الوقت الذي يتحول النهر إلى مقوم من مقومات الوحدة، سوف تنتهي الصراعات، ويعم الخير والسلام على الجميع". وأشار المصدر إلى أن "التاريخ يذكر كيف كانت مصر، الدولة الأولى في أفريقيا التي دعمت إثيوبيا، واستقبلت إمبراطورها هايلي سيلاسي في أثناء الغزو الإيطالي لإثيوبيا (1935 ـ 1941)، وعندما سالت دماء المصريين في مياه النيل الأزرق".
سودانياً، بحث وزير الخارجية علي الصادق، خلال لقاء أول من أمس الأحد، مع المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة للقرن الأفريقي، هنا تيتية، جملة من القضايا، من بينها العلاقة مع إثيوبيا التي توترت في فترات سابقة بسبب الخلاف في منطقة الفشقة، والخلاف حول سد النهضة.
وأبلغ الوزير، المسؤولة الأممية، أن المفاوضات والحوار هما الحل الأمثل لتسوية الخلاف في وجهات النظر في ملف سد النهضة، بين السودان ومصر وإثيوبيا.