زيارة دي ميستورا لجنوب أفريقيا لبحث قضية الصحراء: نذر أزمة مع المغرب

04 فبراير 2024
زيارة دي ميستورا تثير انزعاج المغرب (ريكاردو دي لوكا/الأناضول)
+ الخط -

تلوح نذر أزمة بين المغرب والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، على خلفية الزيارة غير المسبوقة التي قام بها الأربعاء الماضي لجنوب أفريقيا، استجابةً لدعوة من حكومتها لمناقشة قضية الصحراء.

وفي خطوة لافتة، أعلن السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، أمس السبت، رفض الرباط للزيارة، مؤكداً أن بلاده حذرت بوضوح من تداعياتها على العملية السياسية في المنطقة.

وقال، في أول رد رسمي على الزيارة التي أثارت أكثر من علامة استفهام في المغرب حول دواعيها، إنه "لم تتم في أي لحظة استشارة المغرب أو حتى إبلاغه"، مشيراً إلى أنه "على العكس من ذلك، بمجرد ما علمنا بمشروع هذه الزيارة، قبل عدة أسابيع، أعربنا مباشرة للسيد دي ميستورا، وكذلك للأمانة العامة للأمم المتحدة، عن اعتراض المغرب القاطع على هذه الزيارة، وكذا رفضنا لأي تفاعل مع بريتوريا بشأن قضية الصحراء المغربية، وقدمنا الأسباب المشروعة والموضوعية".

وتابع في مقابلة مع وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية: "آمل ألا يتعلق الأمر بتحدٍّ للمغرب من طرف السيد دي ميستورا، بل بمجرد سوء تقدير بسيط للموقف الحقيقي لجنوب أفريقيا. في كل الأحوال، قام المغرب بتحذيره، وبوضوح، من عواقب زيارته على العملية السياسية".

وعن الأسباب التي حدت المغرب إلى الاعتراض على زيارة دي ميستورا لجنوب أفريقيا، قال هلال إن "أسس مهمة المبعوث الشخصي، في رسالة تعيينه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، تنص على أنه سيتعين عليه العمل حصراً مع الأطراف الأربعة المعنية بالعملية السياسية، وفي إطار قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007، ومن بينها القرار 2703 بتاريخ 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وهي القرارات التي لا تشير البتة إلى جنوب أفريقيا، فبالأحرى أي دور أو مساهمة مزعومة لهذا البلد في العملية السياسية".

المغرب يرغب في أن يوجه دي ميستورا جهوده نحو الجزائر

وأكد أن "المغرب لن يسمح أبداً بأن يكون لجنوب أفريقيا أي دور في قضية الصحراء المغربية"، لافتاً إلى أن بريتوريا "كانت ولا تزال تكنّ الضغينة لقضية الصحراء المغربية".

وأضاف أن بلاده تُعرب عن أملها في أن يكرّس دي ميستورا جهوده بشكل أكبر لإقناع الجزائر باستئناف مفاوضات الموائد المستديرة، كما كان الحال في سنتي 2018 و2019، مشيراً إلى أن لديه تفويضاً واضحاً وقوياً من مجلس الأمن بهدف تسهيل التوصل إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم وقائم على التوافق لهذا النزاع الإقليمي.

وكان ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد أوضح في اللقاء الصحافي اليومي المنعقد الأربعاء الماضي، أن دي ميستورا "يذهب للتحدث مع الأطراف التي يعتقد أنه يريد نقاش الملف معها، فهذا جزء من ولايته"، مؤكداً أن من حقه التشاور في الملف مع الدول المعنية -الدول الأعضاء- وكذلك الدول غير المعنية، وذلك "بهدف الدفع بالعملية الأممية".

ومنذ تعيينه في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، لم يفلح دي ميستورا في دفع أطراف النزاع إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات من خلال آلية "الموائد المستديرة"، حيث بدت مهمته صعبة، خصوصاً في ظل إعلان الجزائر رفضها تلك الآلية، ومطالبتها بمفاوضات مباشرة ومن دون شروط، بين المغرب وجبهة "البوليساريو" فقط، فيما تعتبر الرباط جارتها الشرقية معنية بالنزاع مباشرة.

وتعيد زيارة دي ميستورا لجنوب أفريقيا إلى الأذهان ما عاشته العلاقة بين المغرب والأمم المتحدة في مارس/ آذار 2016 من أزمة بعد اتهام الرباط للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون بـ"التخلي عن حياده وموضوعيته" خلال زيارته للمنطقة، وبالوقوع في "انزلاقات لفظية"، ولا سيما وصفه الصحراء بأنها "أرض محتلة".

وتعليقاً على الموقف المغربي من زيارة دي ميستورا، قال الباحث في تاريخ العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، إن "الرباط تتعامل مع جميع ممثلي الأمين العام بالاحترام الواجب والتعاون الكامل من أجل تسهيل مأموريتهم وتوفير ظروف أمثل للقيام بمهامهم".

وتابع في تصريح لـ"العربي الجديد": "هذا هو المبدأ العام الذي يتبناه المغرب دائماً في علاقاته مع المنظومة الدولية، لكن عندما يتعامل مسؤول أممي كدي ميستورا حالياً وبان كيمون سابقاً خارج قرارات مجلس الأمن الدولي التي تحدد بشكل واضح منذ سنة 2007 الأطراف الحصرية التي يمكن للمبعوث الشخصي للأمم المتحدة التشاور معها ومحاولة إيجاد صيغ مثلى للعودة إلى الموائد المستديرة وتمهيد الطريق لمفاوضات حقيقية ومسؤولة بين المغرب والجزائر، فإنه بذلك يورط المؤسسة الأممية في مزالق وأخطاء دبلوماسية تؤدي إلى تأزيم العلاقة بين المغرب والمنظمة".

واعتبر أونغير أن "قرار الزيارة ومناقشة قضية الصحراء في بلد معادٍ للمغرب سياسياً ودبلوماسياً، فيه نوع من الرغبة في تعقيد الملف. كذلك فإنها تشكل تهديداً كبيراً لكل المجهودات التي قامت بها المنظمة الدولية لحلحلة الملف، علماً أن جنوب أفريقيا تعترف بالبوليساريو، بل وتدعمهم، كذلك فإن دبلوماسياتها تعاند المصالح الاستراتيجية المغربية في إطار التنافس بين البلدين على الريادة في القارة على جميع المستويات".

وأضاف: "ما قام به دي ميستورا من إقحام جنوب أفريقيا، خطيئة دبلوماسية خطيرة، وانحياز واضح للطرح الانفصالي. وهذا ما لا يمكن للمغرب وحلفائه القبول به، إذ إن الأمم المتحدة وموظفيها يفترض فيهم الحرص على الحيادية والاستقلالية والبعد عن كل ما يمكن أن يعرقل مسار إنهاء النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء".

وفي ردّ على سؤال عن حدود الرد المغربي على خطوة دي ميستورا، قال أونغير إن "المغرب سيستعمل الطرق الدبلوماسية غير العلنية في البداية عبر الاتصال بالأمين العام للأمم المتحدة وطلب إجابة مقنعة عن الموضوع. وبعدها سيتخذ القرار المناسب"، من دون أن يستبعد أن تؤدي هذه الأزمة إلى إعفاء المبعوث الأممي واستبداله.

المساهمون