استمع إلى الملخص
- التقى وزير الدفاع الإيراني مع الرئيس السوري بشار الأسد لتعزيز العلاقات الدفاعية الثنائية ومواجهة الإرهاب، في إطار اتفاقيات التعاون العسكري، مما يؤكد استمرار الحضور العسكري الإيراني رغم الضغوط.
- قامت إيران بإعادة تموضع مليشياتها في سوريا لتعزيز نفوذها العسكري، في محاولة للتخفيف من الخسائر، بينما يحاول النظام السوري الموازنة بين الضغوط والإبقاء على الدعم الإيراني.
لم يكد يُنهي كبير مستشاري المرشد الإيراني، عضو مجمع تشخيص المصلحة، علي لاريجاني، زيارته إلى العاصمة السورية دمشق، حتى وصلها وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده، في خضم حملة جوية إسرائيلية على أهداف يُعتقد أنها تابعة لإيران وحزب الله في سورية ما يدفع للاعتقاد أن لهذه الزيارة أهدافاً غير التي أُعلن عنها، عبر وسائل الإعلام.
واجتمع عزيز نصير زاده أمس الأحد مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. وذكرت وسائل إعلام مقربة من النظام السوري أن الأسد بحث مع نصير زاده والوفد المرافق له "قضايا تتعلق بالدفاع والأمن في المنطقة، وتعزيز التعاون بين البلدين لمواجهة الإرهاب وتفكيك بنيته بما يخدم استقرار المنطقة وأمنها". وأضافت أن الأسد أكد خلال اللقاء أن "القضاء على الإرهاب مسؤولية إقليمية ودولية لأن أخطاره تهدد شعوب العالم كلها".
من جانبها، ذكرت وكالة مهر الإيرانية أن وزير الدفاع الإيراني التقى أيضاً قبل ذلك الفريق عبد الكريم محمود إبراهيم، رئيس الأركان في جيش النظام السوري، ومع نظيره لدى النظام علي محمود عباس. وأضافت الوكالة أن نصير زاده بحث في دمشق "تعزيز العلاقات الدفاعية الثنائية، وتأكيد الدور المركزي لدول المنطقة في توفير الأمن، وضرورة سحب القوات الأجنبية، ومواصلة التعاون الثنائي لمواجهة مختلف أشكال الإرهاب، فضلاً عن دراسة التطورات في المنطقة وجبهة المقاومة".
ياسين جمول: طهران قامت بإعادة تموضع مليشياتها في سورية مع اشتداد الضربات الإسرائيلية عليها
وكانت وكالة "سانا" التابعة للنظام قد ذكرت أن زيارة وزير الدفاع الإيراني التي بدأت السبت الماضي تتضمن مباحثات "تشمل آخر المستجدات في المنطقة بشكل عام، وتعزيز التنسيق والتعاون بين الجيشين الصديقين، بما يسهم في مواصلة محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة".
قلق إيراني على نفوذها في سورية
وكان علي لاريجاني قد زار دمشق، الخميس الماضي، ناقلاً رسالة إلى الأسد من المرشد علي خامنئي، ما يعكس ربما قلقاً إيرانياً على نفوذها العسكري في سورية والذي بدأ منذ العام 2011، حين وقفت طهران بقوة مع نظام الأسد لوأد الثورة التي انطلقت ضده في ربيع ذلك العام. وجاءت زيارة لاريجاني ومن بعده نصير زاده إلى سورية في خضم حملة جوية إسرائيلية ضد النفوذ العسكري لإيران وحزب الله في مناطق سيطرة النظام، خصوصاً في جنوبها ووسطها، ما يدفع للاعتقاد أن لهاتين الزيارتين أهدافاً غير التي أعلنت عنها وسائل إعلام النظام السوري أو الإيرانية. وتشي الزيارات المتتابعة من كبار المسؤولين الإيرانيين إلى العاصمة دمشق، أن طهران ربما بصدد إجراء تغيير في استراتيجيتها المتبعة في سورية منذ سنوات، على ضوء التهديد المستمر لنفوذها العسكري من الجانب الإسرائيلي.
وتعرضت طهران وحزب الله لضربات قاسية في الآونة الأخيرة في مناطق سيطرة النظام وصلت إلى حد قطع الإمداد بين سورية ولبنان، فضلاً عن مقتل قياديين بارزين إيرانيين وآخرين من حزب الله بضربات طاولت أماكن اختبائهم في دمشق وريفها وفي منطقة القصير غربي حمص وسط البلاد. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الميلشيات الإيرانية في عموم سورية باتت في مرمى الطيران الإسرائيلي الذي قصف أخيراً ريفي حلب وإدلب، ما يدفع إيران ربما إلى إعادة تموضع هذه الميلشيات على ضوء الخطر الداهم الذي يلاحقها.
وتنتشر هذه المليشيات في أغلب مناطق سيطرة النظام، لا سيما في محيط دمشق وريف حمص وجنوب حلب، ودير الزور شرقاً، وتدمر في قلب البادية السورية. ولإيران وجود واضح في "مراكز البحوث" التي تُطور أسلحة مختلفة، وصواريخ وتصنع طيراناً مسيّراً. ووفق المعارضة السورية فإن هذه المليشيات تتخذ من المقرات العسكرية التابعة للنظام ستاراً لها، خصوصاً جنوبيّ البلاد، وهو ما يفسر استهداف الطيران الإسرائيلي لعدة فرق في قوات النظام على مدى سنوات. ويُعتقد أن طهران تتحكم بمفاصل القرار الأمني والعسكري في سورية عن طريق "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد (شقيق بشار الأسد) والتي تعرضت حواجز لها في ريف حمص لقصف إسرائيلي قبل أيام، في رسالة واضحة مفادها بأن تقليص النفوذ الإيراني في سورية بات من أولويات السياسة الإسرائيلية التي ربما تصب بمصلحة النظام الذي يحاول الاستجابة للمطالب العربية بالحد من هذا النفوذ في سورية مقابل المزيد من التقارب معه.
طهران تعيد التموضع في سورية
تعليقاً على زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى دمشق، قال الباحث المواكب للوجود الإيراني في سورية ياسين جمول، لـ"العربي الجديد"، إن طهران قامت بالفعل بإعادة تموضع مليشياتها في سورية مع اشتداد الضربات الإسرائيلية عليها أخيراً، مضيفاً: مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، أجد من الطبيعي أن تتحرك طهران لحماية مليشياتها، لأنها مشروعها في سورية والمنطقة. وتابع: مع الضربات الثقيلة على حزب الله في لبنان تبقى المليشيات الإيرانية في سورية هي الذراع الأقوى، فإيران من جهة تحاول التخفيف من خسائر الضربات الإسرائيلية والأميركية المتوقعة، وكذلك تحاول تقوية أذرع أخرى يمكن تهيئتها بدلاً من حزب الله. ورأى أن الأسد "لا يجرؤ على الطلب من الإيرانيين سحب قواتهم ومليشياتهم من سورية"، مضيفاً: "لكن يمكن أن يدخل في مساومة معهم بحجة أن الدول العربية تدفع لي مقابل إخراجكم فماذا لديكم أنتم؟ نظام الأسد متمرس في مساومات كهذه".
رشيد حوراني: زيارة وفد عسكري إيراني لدمشق رسالة أن حضور إيران العسكري مستمر في سورية
إلى ذلك، أوضح الخبير العسكري رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن النظام والجانب الإيراني "وقّعا في العام 2020 اتفاقية شاملة للتعاون العسكري بينهما، وسبق ذلك، توقيع اتفاق للتعاون العسكري في العام 2006 ضد التهديدات المشتركة". وتابع: بناء على هاتين الاتفاقيتين يمكن القول إنه لن ترد في ذهنية النظام الإيراني مسألة الانسحاب من سورية أو النزول عند ما تسعى إسرائيل لتحقيقه من تحجيم أو إنهاء للنفوذ الإيراني في سورية. ورأى أن زيارة وفد عسكري إيراني إلى العاصمة السورية دمشق، يترأسه وزير الدفاع في هذا التوقيت "رسالة إيرانية لكل الأطراف أن حضورها العسكري مستمر في سورية على الرغم من كل الخسائر البشرية والمادية". وأعرب عن اعتقاده بأن من أهداف زيارة الوفد العسكري "توزيع الأدوار بين النظام ووحداته العسكرية وبين المليشيات الايرانية على الساحة السورية، والاطلاع على ما سمعه الأسد من الدول العربية خلال القمة الأخيرة التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض قبل أيام، ومن ثم وضع الخطوات اللاحقة"، مضيفاً: طهران بصدد الاستفادة القصوى من الاتفاقيات المبرمة مع نظام الأسد، فإيران تقونن كل تدخلاتها في سورية ومنها الجانب العسكري.