رغم أنها مصممة لاعتراض الطائرات الحربية والصواريخ، وكل الأجسام الطائرة على مسافات طويلة وارتفاعات عالية، إلا أن روسيا دفعت بعض منصّاتها من صواريخ إس-400 الدفاعية إلى ساحة الحرب الأوكرانية بمهمات جديدة: اعتراض صواريخ "هيمارس" الأميركية قصيرة المدى، وأيضًا قصف المدن الأوكرانية.
ويقرأ موقع "بزنس إنسايدر" في هذه التغييرات مؤشّرًا إلى أن موسكو ترى ضعفًا شديدًا في القوات الجوية الأوكرانية، إلى درجة تمكّنها من استخدام صواريخ باهظة القيمة في مهمات ثانوية. والتفسير الأكثر ترجيحًا الذي يضاف إلى ذلك، هو أن حالة اليأس والإحباط التي تعيشها القوات الروسية في ساحة الحرب باتت تدفع الكرملين نحو استخدام كل الأسلحة المتاحة.
وتتسم منظومات إس-400 بقابليتها للحركة والمناورة، وهي بمثابة المكافئ الروسي لمنظومة "باتريوت" الأميركية الدفاعية المنقولة إلى أوكرانيا حديثًا. ويستطيع الصاروخ منها اعتراض أهداف معادية على مسافة 400 كيلومتر، بسرعة تناهز 18 ألف كيلومتر في الساعة، وهو فعال ضد الطائرات الحربية، وصواريخ كروز والصواريخ البالستية، وكذلك الطائرات المسيّرة.
ورغم التقارير عن تشغيلها في منطقة دونباس منذ الصيف الماضي لاعتراض صواريخ "هيمارس" ذات الفعالية العالية، فإن قدرات هذا الصاروخ لا تبدو مؤاتية لـ"إس-400"، لأن "هيمارس" تُطلق على مسافات قصيرة تناهز نحو 50 ميلًا، وهي ليست صواريخ معقدة تقنيًّا، بل قذائف موجّهة عبر نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس). لكن نائب مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إيان ويليامز يرى أنها تستطيع اعتراض "هيمارس"، "ولكن ليس بسهولة".
لكن ما قد يكون مؤشّرًا إلى نقص الحيلة على مستوى الذخيرة العسكرية، هو استخدام صواريخ إس-400، والنسخة الأقدم منها إس-300، كصواريخ أرض-أرض لقصف المدن الأوكرانية، رغم أثرها المحدود في هذا الإطار، إذ يبلغ وزن رأسها الحربي نحو 400 رطل، وهو أقل بنحو 5 أضعاف من وزن الرأس الحربي المحمل على صواريخ كروز، مثل صاروخ كي أتش-22 الروسي.
ويرى ويليامز أن الغاية من استخدامها قد تكون بث الرعب وحسب، لأنها بالإضافة إلى خفّة رأسها الحربي "فهي غير دقيقة في دور صواريخ أرض-أرض".
ويرى الموقع، في هذا السياق، أن موسكو تسعى إلى إبقاء الضغط على كييف، لكن هذا فرض فاتورة باهظة على مخزوناتها من الصواريخ، ما دفعها للجوء إلى صواريخ بالستية قديمة، إضافة إلى الطائرات المسيرة إيرانية الصنع. ضمن تلك الغاية، قد ترى موسكو أن "الصاروخ غير المناسب أفضل من عدم وجود صاروخ على الإطلاق"، وفق تعبير الموقع.
لماذا فضّلت روسيا "بانتسير" على إس-400 في اعتراض المسيّرات فوق موسكو؟
في مقابل الأدوار الهجومية المتزايدة لصواريخ إس-400، يبدو لافتًا لجوء روسيا في الآونة الأخيرة إلى منظومة "بانتسير إس-1" الدفاعية لاعتراض هجمات الطائرات المسيّرة "مجهولة المصدر" فوق عاصمتها موسكو، والتي تجددت اليوم، واستهدفت لأول مرة منذ اندلاع الحرب مناطق سكنية، بعدما اجتازت خطًّا أحمر قبل ذلك بأسابيع قليلة، حينما استهدفت الكرملين، في ما عدّته موسكو "محاولة اغتيال" استهدفت الرئيس فلاديمير بوتين.
هذه المنظومة، التي دخلت الخدمة قبل نحو عشر سنوات فقط من الهجمات المسيّرة الغامضة فوق موسكو، صممت لتوفير دفاع جوي للمنشآت العسكرية والصناعية والإدارية ضد الطائرات والمروحيات والذخائر والصواريخ بمختلف أنواعها، ولتعمل جنبًا إلى جنب مع منظومتي إس-300 وإس-400 ضمن نظام دفاع جوي متكامل، معزز أيضًا بمقاتلات "سو-35" و"ميغ-35" الدفاعيتين، وفق تقرير سابق لمجلة القوات الجوية الأميركية.
وتعدّ "بانتسير"، تبعًا لذلك، خط الدفاع الأخير عن سائر الصواريخ المنظومات الدفاعية، ومن مهماتها، تبعًا لذلك، تأمين قواعد "إس-300" و"إس-400" من أي هجمات معادية.
بالنظر إلى أنها مصممة لتغطية الهجمات على نطاقات متوسطة إلى قصيرة المدى، فقد يكون أحد تفسيرات استخدامها أيضاً أن غارة المسيّرات الأخيرة انطلقت من داخل الأراضي الروسية
وبحسب مجلة القوات الجوية الأميركية، فإن شبكة الدفاع الجوي المتداخلة هذه مصممة لتعمل بشكل متكامل، لا تعارضي، بحيث تحول دون استخدام أكثر من منصة دفاعية لاعتراض هدف واحد. وفي الوقت ذاته، فإنها تفعّل عدّة منظومات دفاعية بشكل متزامن وسلس عند التعرض لهجمات متعددة. ويتم ذلك، وفق المجلة، باستخدام أدوات الاتصالات الحديثة، بما فيها الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وشبكات الجيلين الرابع والخامس، والحوسبة السحابية، وروابط البيانات، وغير ذلك.
لكن استخدام "بانتسير" للدفاع ضد الهجمات المسيّرة على موسكو قد يكون عائدًا بالذات لقدرتها على اعتراض الأجسام الطائرة على مسافات منخفضة للغاية، تصل إلى نحو 4 كيلومترات. بالإضافة إلى ذلك، فهي متعدّدة القدرات قياسًا بنظائرها في منظومة الدفاع الجوي، إذ يمكنها أن تشتبك مع الأهداف المعادية ليس عبر الصواريخ فحسب، بل أيضًا باستخدام مدافع مضادة للطائرات، بمعدل إطلاق يبلغ نحو 40 طلقة في الثانية؛ وهو ما يمنح الروس خيارًا دفاعيًّا غير مكلف في حالة الهجمات المتكررة بواسطة الطائرات المسيّرة منخفضة التقنية، كتلك التي أغارت على العاصمة الروسية أخيرا.
وبالنظر إلى أنها مصممة لتغطية الهجمات على نطاقات متوسطة إلى قصيرة المدى، فقد يكون أحد تفسيرات استخدامها أيضاً أن غارة المسيّرات الأخيرة انطلقت من داخل الأراضي الروسية، بالنظر إلى طول المسافة بين موسكو والأراضي الأوكرانية، إذ يفترض بصواريخ إس-300 وإس-400 رصد واعتراض مثل هذه الهجمات على مسافة بعيدة، في حال انطلقت من أوكرانيا، بالنظر إلى أنها قادرة على الاعتراض على مسافة 400 كيلومتر، قياسًا بـ20 كيلومترًا فقط بالنسبة لصواريخ "بانتسير".