على مدى اليومين الماضيين، عاد الرئيس الأوكراني الأسبق والهارب إلى روسيا، فيكتور يانوكوفيتش، إلى المشهد الإعلامي والسياسي بقوة عبر البوابة الروسية، مما زاد من تساؤلات حول مدى عزم موسكو على إعادة تصنيف اجتياحها لأوكرانيا كـ"عملية استعادة الشرعية" في ظل اعتبار الكرملين أن سقوط يانوكوفيتش الموالي لها في عام 2014 جاء نتيجة لـ"انقلاب غير دستوري".
وكان لافتا نشر وكالة "نوفوستي" الحكومية الروسية الثلاثاء، خطابا من يانوكوفيتش إلى المواطنين الأوكرانيين، وجه فيه نداء "رئاسيا وأبويا بعض الشيء" إلى الرئيس الأوكراني الحالي، فولوديمير زيلينسكي، لوقف إراقة الدماء والتوصل إلى اتفاق سلام بأي ثمن، مشيرا إلى أن البطولة "ليست في القتال حتى آخر مواطن أوكراني، وإنما في التضحية بالذات والتغلب على الكبرياء والطموحات من أجل حفظ الأرواح".
بدوره، دعا النائب بالرادا العليا (البرلمان الأوكراني) الهارب إلى روسيا، إيليا كيفا، إلى إعادة السلطة إلى يانوكوفيتش "المنتخب بصورة شرعية"، واصفا ذلك بـ"المخرج الوحيد لزيلينسكي لتجنب التصفية الجسدية"، على حد زعمه.
وجاءت المحاولات الروسية لتعويم يانوكوفيتش سياسيا وإعلاميا بعد فشل رهانات الكرملين على انقلاب العسكريين على زيلينسكي وعدم استجابتهم لدعوات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلقاء السلاح أو توليهم مقاليد السلطة في البلاد وعدم الامتثال لأوامر "الزمرة المناهضة للشعب".
وبالتزامن مع ذلك، رصدت تقارير صحافية أن الطائرة التي كان يستقلها يانوكوفيتش أثناء رئاسته من طراز "داسو فالكون 900" ذات رقم RA-09617، نفذت مجموعة من الرحلات بعد بدء التدخل الروسي المباشر في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، بما فيها رحلة من وإلى بيلاروسيا، حيث تتواصل جولات المفاوضات الروسية الأوكرانية.
وأظهر بحث أجراه "العربي الجديد" على موقع "فلايت رادار 24" المعني برصد حركة الطائرات، أن الطائرة المذيلة بهذا الرقم نفذت الاثنين، رحلة، ذهابا وإيابا، من موسكو إلى مينسك بالتزامن مع عقد الجولة الثالثة من المفاوضات الروسية الأوكرانية والتي تركزت على قضايا فتح الممرات الإنسانية لإخراج المدنيين من المدن المحاصرة.
كما شملت تحركات الطائرة في الأيام الأخيرة بضع رحلات من بين وجهاتها موسكو ومنتجع سوتشي المطل على البحر الأسود جنوبي روسيا، والذي كشفت تقارير صحافية سابقة أن يانوكوفيتش استقر للإقامة فيه بعد هروبه من أوكرانيا.
وفي مؤشر قد يعكس الخيارات الجاري النظر فيها في الكرملين، وجه حاكم جمهورية الشيشان، رمضان قديروف، الذي يلقب نفسه كـ"جندي بوتين"، دعوة إلى زيلينسكي لقبول المطالب الروسية والاعتذار أمام سكان "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" المعترف بهما روسياً وتسليم السلطة ليانوكوفيتش الذي وصفه بـ"الرئيس الشرعي".
وكانت صحيفة "أوكراينسكايا برافدا" الأوكرانية قد ذكرت مطلع مارس/ آذار الجاري، نقلا عن مصدر بالاستخبارات الأوكرانية، أن الكرملين يعد يانوكوفيتش لـ"عملية خاصة" يقتضي أحد سيناريوهاتها إعلانه رئيسا لأوكرانيا وترتيب عودته أو نشر خطاب باسمه إلى الشعب الأوكراني، وهو ما تم بالفعل بواسطة وكالة "نوفوستي".
إلا أن هذه التسريبات أثارت سخط الرئاسة الأوكرانية عند نشرها، إذ وصف مستشار مدير مكتب الرئيس الأوكراني، ميخايلو بودولياك، يانوكوفيتش بأنه "جثة سياسية"، معتبرا أن طرح اسمه يظهر "جهل روسيا الكامل بالأمزجة الحقيقية في أوكرانيا وانعدام فهمها لطبيعة هذا البلد".
وشغل يانوكوفيتش البالغ من العمر 71 سنة، رئاسة أوكرانيا خلال الفترة من عام 2010 وحتى سقوطه مطلع عام 2014 على أثر خروج تظاهرات "الميدان الأوروبي" وتحولها إلى أعمال عنف أسفرت عن سقوط أكثر من 100 قتيل، بينما دخلت أوكرانيا مرحلة صعبة من تاريخها خسرت خلالها شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، وفقدت السيطرة عن منطقة دونباس، وصولا إلى مواجهتها حربا روسية مفتوحة اليوم.