روسيا: ازدياد قمع رافضي الحرب على أوكرانيا

30 ديسمبر 2022
قمعت الشرطة الروسية متظاهرين ضد الحرب، سبتمبر الماضي (Getty)
+ الخط -

في عام 2022 الذي يوشك على الانتهاء، لم تهيمن الحرب الروسية على أوكرانيا على أجندة الأحداث العالمية فحسب، بل أحدثت أيضاً تغييرات جذرية في المشهد السياسي الداخلي الروسي أيضاً.

وتزامن ذلك مع توسع رقعة القمع لمنع أي صوت معارض للتدخل الروسي في البلد المجاور، والقضاء شبه الكامل على وسائل الإعلام المستقلة أو ذات التوجهات الليبرالية أو المعارضة.


كرابوخين: عام 2022 شهد توسعاً للقمع السياسي إلى نطاق غير مسبوق

بعد عدة أيام على بدء الحرب في أوكرانيا في نهاية فبراير/ شباط الماضي، سنّت السلطات الروسية مجموعة من القوانين من شأنها تكميم أفواه معارضي الحرب، بما فيها قانون "الأخبار الكاذبة"حول أعمال العسكريين الروس. وتتراوح العقوبات بموجب القانون الجديد بين فرض غرامات مالية، والسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً في حال أسفر نشر الأخبار الكاذبة عن عواقب وخيمة.

تضييق ضد معارضي الحرب الروسية

ومنذ ذلك الحين، صدرت أحكام بالسجن لفترات طويلة بحق عدد من المعارضين الروس المنددين بالحرب الأوكرانية، وكان آخرها الحكم بالسجن لمدة 8 سنوات ونصف السنة بحق السياسي المعارض والنائب المحلي السابق، إيليا ياشين. 

وأثار هذا الحكم صدى إعلامياً كبيراً في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الحالي، إلى حد أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اضطر للتعليق عليه والتأكيد على مبدأ "رفض التدخل في عمل المحاكم"، على حد قوله.

واعتبر عضو المجلس الإقليمي لحزب "يابلوكو" (تفاحة) الليبرالي المعارض في موسكو، أليكسي كرابوخين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "عام 2022 شهد توسعاً للقمع السياسي إلى نطاق غير مسبوق بات يشمل حتى شخصيات غير مؤثرة سياسياً". 

ولفت إلى أن ذلك يعود إلى "تخوف السلطات من زيادة عدد السكان المشككين في جدوى العملية العسكرية في أوكرانيا". كما شدد كرابوخين على أنه "في العام المنتهي، هيمنت الحرب على المشهد السياسي الداخلي والخارجي في موسكو، واتسم الوضع في الداخل بقمع على نطاق غير مسبوق لم يقتصر على السياسيين المعروفين".

وأوضح كرابوخين أن هذا القمع "شمل جميع معارضي الحرب، حتى أن نحو عشرة أعضاء غير معروفين من حزبنا في الأقاليم يواجهون تهماً جنائية". 

وأشار كرابوخين إلى أن "بعض هؤلاء تمكنوا من مغادرة البلاد، بينما وضع آخرون رهن الإقامة الجبرية وحتى الحبس الاحتياطي". ولفت إلى أنه "في هذا العام، لأول مرة خلال سنوات حكم بوتين، لم يعد القمع يقتصر على الشخصيات المؤثرة أمثال مؤسس صندوق مكافحة الفساد أليكسي نافالني، والملياردير السابق ميخائيل خودوركوفسكي". 

وأكد أن هذا القمع لم يعد كذلك "يقتصر على ملاحقة المشاركين في التظاهرات مثل تظاهرات ساحة بولوتنايا التي شكلت بداية للقمع السياسي في روسيا عام 2012"، محذراً من "تحول النظام السياسي في البلاد من الاستبداد إلى الشمولية".

وحول رؤيته لدوافع السلطات الروسية في ملاحقة المدونين والسياسيين الشباب غير المؤثرين، أوضح كرابوخين أن "هؤلاء لهم تأثير على جيل الشباب الذي يعتبر، على عكس الأجيال التي نشأت في الاتحاد السوفييتي، أنه يمكن تغيير كل شيء". كما شدد على أن "أهداف العملية العسكرية غير واضحة، وتم تحديدها بـ"نزع النازية وتحييد سلاح أوكرانيا أولاً، ثم ضم أربعة أقاليم، ولذلك بدأ الناس في التشكيك في جدواها".

وعلى صعيد الإعلام، أوقفت جميع وسائل الإعلام المستقلة المؤثرة، بما فيها صحيفة "نوفايا غازيتا" وإذاعة "إيخو موسكفي" (صدى موسكو) وقناة "دوجد" (مطر)، أعمالها في روسيا أو نقلت مقارها إلى الخارج، خلال أيام معدودة بعد بدء الحرب. ومع ذلك، لم يدم بث قناة "دوجد" في لاتفيا طويلاً، إذ ألغي ترخيصها مطلع ديسمبر الحالي، بحجة تبنيها مواقف مؤيدة لروسيا في حربها على أوكرانيا، مما وفّر ذريعة لأنصار الكرملين للتشكيك في مدى حرية التعبير في أوروبا.

واعتبر كرابوخين أن قرار السلطات اللاتفية كان خطأ خدم الكرملين، قائلاً: "على الرغم من التقدم الذي حققته دول البلطيق في إجراء الإصلاحات، إلا أنها أظهرت أنها لا تزال مصابة بالمتلازمة السوفييتية، مرتكبة خطأ خدم الكرملين على الرغم من أن "دوجد" لم تتبن مواقف داعمة للحرب بأي شكل من الأشكال".

ترقب لقرار بوتين بشأن الترشح مجدداً

ومع اقتراب حلول عام 2023، يزداد الوضع السياسي الداخلي في روسيا غموضاً في ظل ترقب حسم بوتين لموقفه من مسألة ترشحه، لولاية رئاسية خامسة مدتها ست سنوات، في الانتخابات المقررة في 2024. فقد جرى "تصفير" عدد ولاياته على إثر التعديلات الدستورية التي تم تمريرها في عام 2020، وسط تساؤلات عما إذا كان التعثر الروسي في أوكرانيا والتراجع الاقتصادي سيتيحان له نيل دعم شعبي كبير.

إذا تمكن بوتين من الحفاظ على مقعده في الكرملين حتى موعد الانتخابات، فلن يواجه مشكلات للفوز

وتوقع كرابوخين أن "يترشح بوتين لولاية جديدة". وأكد أنه "إذا تمكن الرئيس الروسي من الحفاظ على مقعده في الكرملين حتى الانتخابات، فلن يواجه مشكلات للفوز مرة جديدة لاسيما بعد اعتماد آلية التصويت الإلكتروني التي تتيح التلاعب بالنتيجة". ولفت إلى أنه "إذا خرجت احتجاجات، فهناك آلة قمع تشكلت في السنوات الماضية ستتيح تفريقها".

كما شدد على أنه "سيتم توظيف وسائل الدعاية المتمثلة بالقنوات التلفزيونية الفيدرالية التي لم يعد هناك مجال لتصنيفها كوسائل إعلام، لإقناع الرأي العام بأن بوتين يواجه حلف الناتو بأسره". 

وأوضح أن "هذه القنوات ستسعى كذلك للتقليل من نسبة المستائين من بوتين، وستركز على رواية صمود الاقتصاد الروسي والروبل في وجه العقوبات الغربية مما سمح بتجنب معدلات كارثية للتضخم كانت ستزيد من متاعب المواطنين بصورة حادة".

ومع ذلك، بدا بوتين متأنياً في تقديم حصاد العام، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، للرأي العام الروسي، إذ قام بإلغاء مؤتمره الصحافي السنوي الكبير لأول مرة خلال سنوات حكمه، وتأجيل موعد توجيهه رسالته السنوية إلى الجمعية الفيدرالية الروسية إلى العام المقبل، مع اكتفائه بتقديم تأكيدات متكررة على استقرار الأوضاع واستعداد روسيا للتفاوض من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وأشار بوتين، في جلسة مجلس التنمية الاستراتيجية والمشاريع القومية منتصف ديسمبر الحالي، إلى أن "الرهان الغربي على انهيار الاقتصاد الروسي لم يتحقق". كما لفت إلى أن "روسيا تتعرض لعدوان من خلال عقوبات غير مسبوقة تهدف إلى إحداث انهيار لاقتصاد البلاد خلال فترة وجيزة". 

وأكد أن ذلك يتم "عن طريق سرقة احتياطات العملات وإحداث انهيار للعملة الوطنية وإثارة تضخم مدمر"، في إشارة إلى تجميد نحو 300 مليار دولار من الاحتياطات الروسية المودعة لدى الغرب.

المساهمون