استنكرت عدة أحزاب وشخصيات سياسية في تونس، اليوم الجمعة، تصريحات وليد الحجام، مستشار رئيس الجمهورية قيس سعيّد، التي أكد فيها أن هناك اتجاها لتغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي وربما عبر استفتاء، معتبرة أنها خطوة إلى الوراء ومن شأنها أن تنسف المسار الديمقراطي.
وكان الحجام قد قال إن "الدستور الحالي أصبح عائقاً أساسياً، ويُفترض تعليقه ووضع نظام للسلطات المؤقتة".
وقال النائب عن حزب "التيار الديمقراطي" لسعد الحجلاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الدستور ليس العائق وليس هو الذي يقضي على الفساد والمفسدين، خاصة إن كانت هناك إدارة متخلفة ومرتشية، وبالتالي، الدستور لا يحارب الفساد ويحقق التنمية، فهو ينظم العلاقات بين السلط ويحمي الحريات".
وأوضح أن "اللجوء إلى الفصل 80 (أعلن بموجبه سعيّد اجراءاته الاستثنائية في غياب المحكمة الدستورية ومن دون إخبار الحكومة والبرلمان) كان على أساس وجود تعطيل لمؤسسات الدولة ونظرا لاستشراء الفساد، ولكن محاربة الفساد تكون بالمؤسسات، وليس بالدستور"، مؤكدا أن "تغيير الدستور لن يحل الإشكاليات التي منها البطالة والتشغيل، فهل هذا يعني أن نضع دستورا كل 10سنوات؟".
وأوضح الحجلاوي أن "الأصل بناء مؤسسات الدولة وليس الأشخاص، ومن يتخيل أن مشاكل تونس في الدستور أو في النظام السياسي فهو مخطئ".
وبيّن المتحدث ذاته أن "تعليق الدستور يعني إلغاء العمل به، وخلاف ذلك تلاعب بالألفاظ، وكان الأنسب تعديل الدستور عبر الاستفتاء، ففي الدستور الحالي يوجد باب النظام السياسي والعلاقة بين السلط، ويمكن تعديله نحو حكومة مسؤولة أمام رئيس الجمهورية يراقبها البرلمان، وبالتالي، إلى نظام رئاسي معدل، أما إلغاء كل الدستور فلا يستقيم ولا يقبله أحد، لأنه يضم عديد الأبواب منها الحريات والهيئات الدستورية والتي لا علاقة لها بتعطيل المؤسسات".
وأضاف أنه "لا مجال للتلاعب بالقانون وإلغاء الدستور وتشكيل لجنة لوضع دستور جديد، فمن سيعيّنها ومن سيضعها هو صاحب الفكرة، وبالتالي صاحب اللجنة وما وراءها"، مؤكدا أن "الاستفتاء هو أرقى أنواع الديمقراطية، ولكن الاستفتاء سيكون على شخص وليس على أي موضوع آخر".
وطالب "التيار الديمقراطي" رئيس الجمهورية "توضيح موقفه من هذه التصريحات"، وذكّره بـ"ضرورة احترام الدستور والعمل ضمن فصوله التزاما بما تعهد به في كلمته للشعب في 25 جولية (يوليو/ تموز) وباليمين الدستورية التي أداها".
كما استنكر ''الضبابية التي تعتمدها رئاسة الجمهورية عبر مقاطعة الإعلام التونسي والشركاء الوطنيين، ما يمس بحق التونسيات والتونسيين في المعلومة وفي المشاركة في تقرير مصيرهم، ويفتح الباب أمام القرارات الأحادية والتدخلات الأجنبية".
واعتبر الحزب أن "سبب الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا يعود أساسا إلى الدستور أو نظام الحكم، بل إلى استشراء الفساد داخل الطبقة الحاكمة وفي مفاصل الدولة وسوء اختيار المسؤولين وانعدام الكفاءة وغياب البرامج''. كما عبّر عن رفضه أي "محاولة فردية لتغيير العقد الاجتماعي واستغلال حالة الغضب المشروعة للتونسيات والتونسيين لفرض خيارات سياسية لا تحظى بتوافق".
ودعا التيار، في البيان نفسه، رئيس الجمهورية إلى "وضع حد لحالة تجميع السلطات في غياب أي سلطة رقابية أو تعديلية، ولتعيين رئيس(ة) حكومة بتوجه اجتماعي واضح لا يخضع للإملاءات الخارجية ويعمل بكامل الصلاحيات الدستورية على حل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية وإنقاذ المالية العمومية".
كما دعا جميع القوى السياسية والمدنية والمنظمات الوطنية وسائر المواطنات والمواطنين إلى "فرض خريطة طريق اجتماعية واقتصادية وسياسية تقطع مع الفساد واقتصاد الامتيازات، والتصدي لأي محاولة للخروج عن الدستور لتحقيق أهداف سياسية لا تستجيب إلى استحقاقات المرحلة''.
من جانبه، قال الأمين العام للحزب "الجمهوري" عصام الشابي إن "هذا الدستور هو نفسه الذي أقسم قيس سعيّد على احترامه"، مؤكدا في تدوينة له أن "مستقبل النظام السياسي شأن وطني يهم كل التونسيين، ولا يجوز لرئيس الجمهورية الاستفراد به وتحويره ليتماهى مع قناعاته، وإلا لكانت لزاما كتابة دستور جديد لكل رئيس منتخب". ولفت إلى أن "الدساتير تطور وتعدل ولكن وفق الصيغ الدستورية ذاتها، في مناخ حوار وطني مفتوح، ولا تستفرد به جهة دون غيرها".
وأوضح الشابي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "عندما تم الاحتجاج على استعمال الفصل 80 وعلى تجميد البرلمان، صرح رئيس الجمهورية أن هؤلاء المعترضين لا يفقهون في القانون ولا في الدستور، وأنه يعمل في إطار الدستور واحترام القانون"، مشدداً على أن "اعتبار الدستور عائقا وعبئا لا يستقيم، لأنه الدستور نفسه الذي أدى الرئيس اليمين لاحترامه، وبالتالي، ليس من حقه مهما كانت الظروف إلغاء العمل به".
وقال الشابي إن "تعليقه هو خروج تام عن الشرعية وهو عمل مرفوض"، مشيرا إلى أن "الاتجاه نحو نظام رئاسي وتغيير النظام هو شأن التونسيين، وليس اختصاصا حصريا لرئيس الجمهورية، ولن يتم إلا ضمن احترام الآليات الدستورية، وتعديل الدستور يكون باحترام الدستور ذاته".
بدوره، يرى النائب عن حزب "تحيا تونس" مصطفى بن أحمد أنه "بعد تواصل المخاض لأكثر من شهر، بدأ يظهر بعض المفتين والمستشارين ليطلعونا بالتدرج على ما يدور بخلد الرئيس للمرحلة المقبلة".
وكتب في تدوينة له على موقع "فيسبوك": "أغلب البرنامج المعلن عنه يقوم على الحل والتعليق تمهيدا لإقامة نظام جديد لم يقع الإفصاح عن فحواه"، مؤكدا أنه في حال تحقق ذلك، "فسيقع الخروج واقعيا عن إعلان 25 جويلة (يوليو/ تموز) الذي استند إلى الفصل 80 من الدستور، في قراءة ممططة لوضع حد لحكومة عاجزة ومشلولة ولحالة العبث السائدة بالبرلمان، والدخول في مرحلة خارج الدستور وشرعية انتخابات 2019."
وأفاد بأن "القضية ليست في التشبث بالمنظومة الحالية والتي باتت في شبه المعدوم في نظر الرأي العام، وتغييرها جذريا بات ضروريا لاستعادة الدولة التونسية عافيتها، القضية هي هل من المنطقي القيام بتغيير في هذه الأهمية والذي قد يحدد وجهة البلاد لعشرات السنين وكأنها مسألة إجرائية تعد في إطار ضيق ويقع إسقاطه على المجتمع بكامل أطيافه اعتمادا على الرصيد الشعبي للرئيس، الذي ارتفع بشكل مكوكي في ظرف استثنائي وبسبب تدابير استثنائية؟"
وأكد حزب "حراك تونس الإرادة" الذي أسسه الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، في بيان له، أن تصريح مستشار سعيّد يثبت "المنحى الانقلابي الذي اتبعته رئاسة الجمهورية منذ 25 جويلية (يوليو/ تموز)، وينزع كل المبررات التي قدّمت لمحاولة تمكينه من غطاء دستوري. كما أن هذا العمل يستوجب المحاكمة على معنى الفصل 72 من المجلة الجزائية".
وأضاف الحزب أن "التلحف بمقولة المساندة الشعبية هو سلوك ساقط دستوريا وأخلاقيا، وهو عملية تحيّل (تحايل) على الشعب وتدليس، غايته تنفيذ مخططات القوى المضادة للثورة في العودة إلى دولة التسلط وحكم الفرد. كما أنه يمثل بيعا لأوهام التغيير بمجرد تغيير نص دستوري بآخر للتغطية على عجز في إيجاد الحلول الشاملة".
وبينت الناطقة الرسمية باسم "حراك تونس الإرادة" لمياء الخميري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مؤسسة رئاسة الجمهورية اختارت الذهاب إلى أقصى سرعة في الانقلاب، رغم محاولات رئيس الجمهورية تبرير أنه ليس انقلابا أمام عديد الوفود الأجنبية، وأنه يعمل تحت غطاء الدستور رغم أنه أغلق البرلمان والحكومة بدبابات"، مضيفة أن "الانقلاب كان يتجمل ببعض المساحيق التي بدأت تزول، وظهرت الحقيقة الدامغة".
وذكرت المتحدثة ذاتها أن "الرئيس ترشح وفق الدستور، ومشاكل التونسيين ليست نظام الحكم أو النظام السياسي، ولكن الرئيس يتعنت ويرفض الحوار مع المنظمات والأحزاب لإيجاد حل، وما يفكر فيه قد لا يكون الأصلح لتونس بعيدا عن التفرد بالسلطة والتسلط، وانتخابات المغرب أكبر درس للساسة، فلا حزب دائم ولا رئيس باق"، في إشارة إلى الهزيمة التي تلقاها حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية التي جرت الأربعاء.