رفض حزبي تونسي لحل سعيّد المجلس الأعلى للقضاء: "استبداد وانقلاب تام على الدستور"

11 فبراير 2022
رفض حل المجلس الأعلى للقضاء(ياسين جيدي/الأناضول)
+ الخط -

لقي إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء، واستبداله بآخر، رفضاً واسعاً من قبل الجهات الحزبية والمنظمات الحقوقية، التي أكدت أن القرار ضرب لمبدأ الفصل بين السلطات وتماد في الانفراد بها.

وأعلن سعيد، أمس الخميس، إصدار مرسوم رئاسي لحلّ المجلس الأعلى للقضاء تمهيداً لتعويضه بمجلس آخر، وذلك رغم الانتقادات والضغوط المحلية والخارجية التي تعرض لها للتراجع عن هذه الخطوة.

وقال سعيد خلال إشرافه، أمس، على جلسة مجلس للوزراء، إنه سيصدر مرسوما يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، موضحاً أن المجلس الحالي انتهى وسيتم تعويضه بمجلس آخر.

وتعهد سعيد بحل المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما اعتبره المجلس مخالفاً للدستور، في وقت يخوض فيه القضاة سلسلة من الاحتجاجات، رفضاً للقرارات الرئاسية.

وعقب إعلان سعيد قراراته، عبرت أحزاب ومنظمات عن مساندتها للقضاة، منددين بمسار السيطرة على السلطة القضائية، مؤكدين خطورة الخيار الذي يسلكه سعيد على ما أسس من مكاسب في سياق تثبيت الديمقراطية التونسية.

النهضة: انقلاب تام على الدستور

وقالت القيادية بحزب "النهضة"، فريدة العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "القضاء والسلطة القضائية واستقلاليتها هي الضمانة الأساسية لحماية الحقوق والحريات وتحقيق العدل والعدالة، فاستقلالية السلطة القضائية لا تعني فقط القضاة، بل هي تمس بدرجة أولى المواطن".

وأوضحت أن "المؤسس (المجلس التأسيسي الذي صاغ الدستور) عندما اختار أن يكون القضاء سلطة مستقلة وليس وظيفة، جسد مطالب الثورة، لأنها أداة رئيسية لتحقيق الديمقراطية وركيزة أساسية لمبدأ تفريق السلطات".

وأكدت العبيدي "أن ما يحدث انقلاب تام على الدستور"، موضحة أنه "لا يمكن تعويض المجلس الأعلى للقضاء المنتخب بهيئة وقتية معينة.

وقالت إن "الدستور هو نتاج حوار وعمل تشاركي، وكذلك قانون مجلس القضاء صيغ بمشاركة جميع الأطراف من الهياكل القضائية والمحامين والمنظمات والجمعيات والخبراء والجامعيين والعدول وغيرهم".

ولفتت إلى أنه أي "المجلس أحدث في 2017 وهي تجربة حديثة والإصلاح ممكن في المحطة الانتخابية المقبلة، ولكن إصلاح القوانين والمنظومة القضائية لا يكون بحل المجلس والانقلاب عليه وتركيعه". 

وتساءلت عن "استقلالية القضاء إذا كانت الجهة التنفيذية هي من ستعين وتعفي وتقرر، ما يشير إلى أنها انتكاسة وعودة إلى قضاء التعليمات".

وبينت القيادية في حركة "النهضة"، أن "هذا الخيار ينسف المسار الديمقراطي ويهدد الانتقال من خلال الإمعان في خرق الدستور"، مشددة على أن "قرار حل المجلس الأعلى للقضاء لا سند قانونياً ولا دستورياً له".

التيار الديمقراطي: سعيد يعيد النظام السابق

من جهته، قال القيادي بالتيار الديمقراطي، محمد العربي الجلاصي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "قرار قيس سعيد هو عودة بصيغته الخاصة إلى النظام السابق عبر تجميع السلطات بين يديه".

وبين أن "سعيد بدأ بوضع يديه على رأسي السلطة التنفيذية، ورأينا فشل إدارة ملف النفايات في صفاقس عبر القمع، ثم أضاف السلطة التشريعية، ورأينا قانون مالية مخجلا من ناحية دفع الاستثمارات ومخطط الإنقاذ الاقتصادي، وبتوجه نحو خيار الأمن والقبضة الأمنية".

وقال إنه "ينتظر (الرئيس سعيد) فشلاً جديداً بعزمه اليوم على إضافة السلطة القضائية إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية".

وعلّق حول خطاب سعيد قائلاً "ما قاله سعيد يناقض نفسه بنفسه، فقد سبق أن وعد بأن لا يتدخل في القضاء وأن يحافظ على استقلالية القضاء، ولكنه بأي صفة يتدخل لتعيين لجنة وقتية لتعويض مجلس منتخب؟ وبأي صفة يريد أن يكون سلطة تأسيسية؟".

وشدد على أن "قرارات سعيد لخدمة مشروعه الخاص والركوب على الانتصارات المشروعة للتونسيات والتونسيين في ثورة 2011، وخصوصاً المطالبة بالكرامة".

ائتلاف الكرامة: حل المجلس الأعلى القضاء استكمال لانقلاب 25 يوليو

وأكد القيادي بائتلاف الكرامة، زياد الهاشمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قرار حل المجلس الأعلى للقضاء هو خطوة جديدة في سلسلة من الخطوات التي اعتمدها سعيد منذ اليوم الأول للانقلاب 25 يوليو/تموز2021".

وأضاف "لم يعد يخفى على أحد محاربته لمؤسسات الدولة الدستورية والتي كانت ثمرة نضالات المجتمع المدني وممثلين عن السلطة التشريعية والقضائية للحفاظ على المكسب الديمقراطي في تونس" .

وتابع الهاشمي أن "حل المجلس الأعلى للقضاء يأتي في سياق النهم على السلطة من طرف قائد الانقلاب، فبعد استحواذه على السلطة التنفيذية برأسيها وافتكاك صلاحيات السلطة التشريعية بقوة السلاح، يسطو الانقلاب اليوم على السلطة القضائية وهكذا يكون قد أصبح قيس سعيد هو الدولة تحت ذريعة الشعب يريد".

وأوضح أنه "بالنسبة للهيئة الوقتية التي سيعينها قائد الانقلاب فهي ساقطة دستورياً وقانونياً"، مبيناً أن "قيس سعيد يريد تفكيك الدولة التونسية من الداخل عبر المراسيم وباستعمال قوة السلاح بعد فقدانه للشرعية والمشروعية، كما ظهر هذا جلياً من خلال نزول الشعب للشارع في غياب تام لمسانديه".

الصورة
تركيع القضاء وتحويله إلى قضاء تعيينات وتعليمات أخطر حلقة في حلقات الاستبداد
قلب تونس: تركيع القضاء وتحويله إلى قضاء تعيينات أخطر حلقة في حلقات الاستبداد(صلاح حبيبي/فرانس برس)

قلب تونس: البلاد دخلت مرحلة الاستبداد

وقال القيادي بحزب "قلب تونس"، رفيق عمارة، في تعليق لـ"العربي الجديد"، إن "تونس دخلت المرحلة الأخيرة من مراحل استكمال التفرد بجميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحت غطاء الأمر الواقع وحالة الاستثناء".

وبين أن "سعيد يعتمد الأسلوب ذاته مع كل السلطات والمؤسسات الدستورية المنتخبة من خلال تهميشها قبل الانقضاض عليها، وهو ما حدث مع البرلمان والحكومة والهيئات المستقلة".

وبين أن "تركيع القضاء وتحويله إلى قضاء تعيينات وتعليمات أخطر حلقة في حلقات الاستبداد، فيمكن استعماله ضد المعارضين والخصوم باسم تحقيق العدالة والشعب يريد".

وأكد أن سعيد "نسف كامل المسار الديمقراطي ونقل البلاد من وضع الاستقرار والدستور والمؤسسات، إلى لجان وقتية وهيئات مؤقتة ومراسيم وقتية لاستدامة الحكم وقمع كل نفس معارض".

وأوضح أن "إصلاح مرفق القضاء لا ينبغي أن يكون بطريقة انفرادية ومسقطة، بل بالتشاور والحوار وتشريك القضاة وكل المتدخلين في مرفق العدالة والقضاء".

حركة الشعب: خيار الضرورة

من جهته، قال القيادي بحركة الشعب، بدر الدين القمودي، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "حل المجلس الأعلى للقضاء هو خيار الضرورة".

وأوضح أن "الإشكال لا يطرح من الناحية الشكلية حول مدى وجوبية وجود مجلس أعلى للقضاء، بل حول تقييمنا للدور الذي اضطلع به، الذي بات عبئاً على المرفق القضائي وبات عائقاً أمام تقدم عديد الملفات المتصلة بالتسفير والإرهاب والفساد المالي والإداري وما تعلق ببعض أعضائه من شبهات فساد، وعجز المجلس عن البت فيها على غرار ما تضمنه تقرير تفقدية وزارة العدل برئيس محكمة التعقيب طيب راشد ووكيل الجمهورية السابق البشير العكرمي".

وتابع القمودي "كنت أتمنى أن تكون معالجة هذا الخلل معالجة ذاتية من داخل الجسم القضائي، ولكن للأسف لم يحدث هذا برغم نداءات متكررة من رئيس الدولة عندما استقبل كبار القضاة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء والرؤساء الأول للهياكل القضائية ونبه في أكثر من مناسبة إلى ضرورة حلحلة الأمور وتجاوز الاشكاليات الموجودة".

ولفت إلى أنه "في تقييمنا للأمور وفي علاقة بمسار 25 يوليو الذي كانت المحاسبة أبرز شعاراته، فإنها لم تتحقق إلى الآن، والعقبة تتجسد في ما يعيشه المرفق القضائي من هنات وصعوبات، وبالتالي ما يهمنا أن يتعافى القضاء حتى يضطلع بدوره وهو أهم من الحديث عن وجود المجلس وشرعيته".

وأكد القمودي "أن حركة الشعب من حيث المبدأ العام مع إدارة الشأن العام بطريقة تشاركية، لكن علينا أن نقدر أننا في وضع استثنائي مما يستوجب على رئيس الجمهورية باعتباره الضامن لحسن إدارة الصالح العام بما في ذلك المرفق القضائي" مستدركا بأنه "لا أتصور أن رئيس الجمهورية سيقوم بإجراء إصلاحات وقتية في المرفق القضائي دون التشاور مع الأطراف المعنية بصورة أو بأخرى".

عريضة رفضاً لقرار حل المجلس الأعلى للقضاء

إلى ذلك، نشرت مجموعة من الجامعيين وعمداء كليات الحقوق وأساتذة قانون دستوري وقانون عام، اليوم الجمعة، عريضة تضم موقفاً رافضاً بشكل مطلق لقرار حل المجلس الأعلى للقضاء، معتبرين ذلك انتهاكاً صارخاً لمبدأ فصل السلطات، وداعين سعيد للتراجع. 

وعبر الأساتذة في البيان عن "رفضهم القيام بهذه الإصلاحات بصفة منفردة بواسطة مراسيم وأوامر رئاسية وبتدابير استثنائية وفي ظلّ حالة الاستثناء". وعبروا عن "رفضهم بصفة عامة لسياسة الأمر الواقع التي يتمادى الرئيس في فرضها يوما بعد يوم، ولنهجه الانفرادي بالحكم" وإدانتهم " اعتبار الرئيس خطابه الشفوي قانونا واجب الاتباع".

المساهمون