يناقش خبير الشؤون الأوروبية، إيفان كراستيف، رئيس مركز الاستراتيجيات الليبرالية في بلغاريا، وزميل دائم في معهد العلوم الإنسانية في فيينا، في مقاله الأخير في "نيويورك تايمز" الأميركية، تحولات الهوية التي يشهدها اليمين الشعبوي في أوروبا في الأشهر الأخيرة.
ويرى كراستيف أن الأحزاب الشعبوية اعتادت، بمواقفها من الهجرة والتغيير الثقافي، الادعاء أنها تتحدث باسم الشعب، أو "الأغلبية الصامتة" كما تسميها. ولكن هذا الأمر لم يعد يجدي، فقد تبنت هذه الأحزاب موقفاً متشدداً مناهضاً للتلقيح، الأمر الذي جعلها في موقف متعارض مع الأغلبية، حيث اختار معظم الأوروبيين في أوروبا الغربية التلقيح، وبات الملقحون هم الأغلبية.
الآن، تدعي الأحزاب الشعبوية أنها تتحدث نيابة عن "أقلية مضطهدة" من غير الملتزمين بالتلقيح، معيدة بذلك طرح نفسها بوصفها مدافعة عن الحرية والحقوق الفردية، وفق كراستيف، الذي يرى أنه سيكون لدى هذه الأحزاب من خلال معارضة القيود الوبائية، فرصة أفضل لجذب الدعم من أفراد الأجيال الشابة، الذين هم أكثر عرضة من والديهم لإلقاء اللوم على سياسات الحكومة في فقدانهم للحرية، الأمر الذي يخشونه أكثر من انتشار الفيروس القاتل.
وهكذا، بدل أن يستهدف اليمين الشعبوي أولئك المسنين الخائفين من المهاجرين والتغيير الثقافي في أوروبا العجوز؛ باتوا يستهدفون الشباب الخائف من فقدان نمط حياته وحريته الفردية.
ويقول كراستيف إنه بالنسبة إلى الشباب، يرتبط الوباء بفقدان الأرواح بدرجة أقل بكثير من ارتباطه بتدمير أسلوب الحياة. ويُظهر استطلاع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الشباب يشتبهون في أنهم تحولوا إلى ضحايا غير مرئيين بسبب خشية حكوماتهم من المخاطرة في إزالة القيود وإجراءات الإغلاقات.
ويحذّر كراستيف من أنه من خلال تأييد عمليات الإغلاق التي يبدو أنها لا تنتهي وفرض إلزامية التلقيح، فإن الحكومات الأوروبية تخاطر بإساءة قراءة المشاعر العامة المتغيرة.
وفي هذا السياق، يمثّل متحور أوميكرون خطراً سياسياً كبيراً. فهو يتطلب استجابة حاسمة لمنع الضغوط الشديدة على أنظمة الرعاية الصحية، ولكنه في الوقت نفسه، يمثل خطراً كبيراً على الحكومات التي قد تجد نفسها قد وقعت في فخ حقيقي من صنعها، حيث تراهن الأحزاب السياسية الرئيسة في أوروبا الآن، على شرعيتها، على قدرتها على دحر الوباء. وفي ذلك مقامرة خطيرة، كما يرى كراستيف. فمطالبة الناس بالتلقيح سياسة عامة جيدة، لكنها لا تضمن عدم إصابة أي شخص أو موت أحد.
ويقول كراستيف: "إن شبح الفاشية، شبح دائم الحضور في السياسة الأوروبية، واتهام أعدائك بأنهم "ورثة هتلر" أمر شائع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن شيئاً سريالياً يحدث، فأحزاب اليمين المتطرف، التي لبعضها جذور في الماضي النازي، وهي التي كانت تتهم تقليدياً بالميول الفاشية؛ باتت الآن هي التي تتهم الآخرين بذلك"، مشيراً إلى أن بعض المشككين في اللقاح ونشطاء مناهضي الإغلاق يطالبون بتجريم دعاة التطعيم الإلزامي بوصفهم فاشيين. وتساءل: "هل ستنجح محاولات طعن الدولة واتهام السياسيين بالفاشية الطبية؟".
ووفق كراستيف، يشير استطلاع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، السابق، إلى أنه على الرغم من أن معظم الأوروبيين الغربيين يدعمون السياسات التقييدية التي وضعتها حكوماتهم لمكافحة فيروس كورونا؛ فإن العديد منهم لديهم أيضاً مشاعر مختلطة، حيث وجد الاستطلاع أن ما يقرب من نصف النمساويين والألمان يعانون من جائحة كورونا باعتبارها فقداناً للحرية. والشعبويون حرصاء جداً على استغلال ذلك.
ووفق الكاتب، في الوقت الحالي، الشعبويون يفشلون. تشير الانتخابات الأخيرة في ألمانيا وجمهورية التشيك وبلغاريا إلى أن الناخبين باتوا أقل استعداداً لاتباع القادة الشعبويين عما كانوا عليه قبل سنوات قليلة فقط. وفي دراسة أجراها مركز "يوغوف كامبريدج" لأبحاث الرأي العام، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أن المعتقدات الشعبوية "انخفضت على نطاق واسع" في 10 دول أوروبية على مدى السنوات الثلاث الماضية، لكن في الوقت نفسه، يزداد الإيمان بنظرية المؤامرة. وهنا يعبّر كراستيف عن قلقه من أنه كلما استمرت قيود الوباء وزادت حدة الآثار الاقتصادية، زاد احتمال أن يتردد صدى الحجج الشعبوية لدى الجمهور بشكل أوسع وأكثر فاعلية.