رفاق حافظ الأسد:قصص السجن والانقلاب على الحزب

27 ابريل 2024
نور الدين الأتاسي وحافظ الأسد خلال استعراض عسكري في دمشق/ 8 مارس 1969 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عادل نعيسة، الشخصية البارزة في حزب البعث والمقرب من جناح صلاح جديد، توفي مؤخرًا بعد فترة من الاعتقال والسجن بين 1966 و1970، نتيجة للصراعات الداخلية في الحزب و"الحركة التصحيحية" التي قادها حافظ الأسد.
- خلال فترة حكم حافظ الأسد، واجه نعيسة ورفاقه الاعتقال والسجن لمحاولتهم إعادة تنظيم الحزب، وظلت الروايات حول تلك الأحداث محاطة بالغموض بسبب الرقابة الشديدة.
- السفير السوفييتي حاول التوسط بين جديد والأسد لتجنب الصدام، لكن الخلافات الداخلية والأحداث التي أعقبت هزيمة 1967 كانت حاسمة في تشكيل مستقبل سوريا تحت حكم الأسد، مع تأمين سلطته من خلال القوة والاعتقالات.

توفي في الأيام الفائتة عادل نعيسة، عضو القيادة القطرية الأسبق لحزب البعث العربي الاشتراكي وأمين فرع الحزب في اللاذقية، ومن المحسوبين على جناح صلاح جديد خلال الفترة بين عامي 1966-1970، أي بين حركة 23 شباط 1966 التي قادها ما عرف بالجناح العسكري أو اليساري أو القطري في حزب البعث ضد القيادة القومية، وكان نجم الحركة دون منازع صلاح جديد، ومعه حافظ الأسد ونور الدين الأتاسي ويوسف زعين وغيرهم، إلى أن قام وزير الدفاع حينها حافظ الأسد بالانقلاب على رفاقه وزجهم بالسجن في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970 في ما أطلق عليه الأسد ومن معه "الحركة التصحيحية".

بداية الصراع

ما زال ما حصل في هذه الفترة غامضاً، والسبب أن نظام الأسد الأب، الذي دام ثلاثين عاماً، فرض منعاً شديداً تجاه السردية المضادة لسرديته، وخصوصاً أن معظم شهود المرحلة من هذه السردية كانوا تحت رقابته الدائمة وقريبين من قصر الرئاسة في سجن المزة الشهير. تقول المصادر القليلة عن تلك المرحلة إن فرع الحزب في اللاذقية، الذي كان يقوده عادل نعيسة، كان الساحة العلنية الأولى لصراع الأسد - جديد، إذ أصدر حافظ الأسد، وزير الدفاع، في شباط/ فبراير عام 1969 قراراً باعتقال عادل نعيسة وقيادة الفرع الموالية لجديد وتعيين قيادة للفرع موالية له.

أُطلق سراح المحتجزين بعد عدة أيام، واعتُقِل نعيسة لاحقاً عام 1973 مع أسعد صقر، وقد شغل صقر مواقع عديدة بعد انقلاب آذار/ مارس 1963، إذ عُيِّن مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون، ووزيراً للإعلام في حكومة نور الدين الأتاسي، ومحافظاً للرقة، ثم دير الزور، وكان رئيس تحرير صحيفة البعث عند انقلاب الأسد، وعُرف عنه ترجماته المهمة، وقد قضى في السجن حوالى خمس سنوات. كذلك اعتُقل مع نعيسة وصقر محمد الجندي، الذي شغل موقع مدير مدرسة الإعداد الحزبي، ولاحقاً رئيس تحرير جريدة الثورة.

كان الثلاثة من المكلفين من القيادة القومية المقيمة في بيروت حينها بإعادة تنظيم الحزب في سورية، واكتُشِف مخبأهم واعتُقِلوا. وكان نعيسة قد انتُخب عضواً في القيادة القطرية في المؤتمر القطري الرابع أيلول/ سبتمبر 1968 لغاية المؤتمر القطري الرابع الاستثنائي آذار/ مارس 1969، أي إنه بقي عضواً في القيادة القطرية لمدة سبعة أشهر، ثم استقال من القيادة القطرية، وبقي متفرغاً في مكتب العمل الفدائي بالقيادة القومية، الذي كان برئاسة الدكتور يوسف زعين.

أفرج الأسد عن نعيسة أواخر عام 1993، واستقبله في القصر الجمهوري، وكان من المفترض أن يكون اللقاء بينهما لساعة من الزمن، فامتد لأربع ساعات، وبادر الأسد نعيسة بالقول: "أين شعراتك يا عادل؟"، وكان عادل شاباً وسيماً حين اعتقاله، فأجابه الأخير: "حالك يا أبو سليمان ليس بأحسن من حالي". انخرط عادل نعيسة بعد انطلاق ثورة 2011 ضمن الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، وهو تحالف قام بمباركة بشار الأسد بين جناح قدري جميل من الشيوعيين (قاسيون) وجناح الحزب السوري القومي الاجتماعي – الانتفاضة (جناح جورج عبد المسيح) الذي يقوده الوزير علي حيدر مع بعض الشخصيات الأخرى، وأصبح الناطق الرسمي باسم الجبهة التي فقدت زخمها بعد إقالة قدري جميل من الوزارة وبقائه منفياً في روسيا.

سألت عادل نعيسة ذات مرة، وكنت قد اتفقت معه على إنجاز فيلم وثائقي عنه: ماذا تناول لقاؤك الطويل مع حافظ الأسد؟ أجابني: لقد كان حافظ يحاول بكل الوسائل أن يقنعني بأنه لو لم يعتقلنا لقمنا باعتقاله وأكثر". سألته عن بعض الأحزاب الصغيرة المرخصة من قبل نظام الأسد الابن بعد الثورة وتنسيقه معهم، ففاجأني برأي يطعن بهذه الأحزاب وجدواها وفعاليتها، وكذلك برأي سلبي في توجه النظام لأي إصلاح جدي.

حافظ الأسد يعتقل رفاقه

من الواضح أن حافظ الأسد كان يكرر أن سجنه لرفاقه كان اضطرارياً ولا يرغب فيه، ولكنه تغدى بهم قبل أن يتعشوا به. فقد قال لعضو القيادة القطرية، مروان حبش، الذي سجنه لمدة 23 عاماً بعد لقاء امتدّ أيضاً لأربع ساعات عام 1994: "أبو سعيد أنت تعرف كم أحبكم، فأنتم رفاقي، ولكنها الظروف السياسية".

يروي عضو القيادة القطرية مروان حبش، الذي ما زال مقيماً في سورية بتسجيل صوتي عن أسئلة وجهتها له، تفاصيل اعتقال حافظ الأسد لرفاقه، فيقول: "بدأت الاعتقالات يوم 13/ 11/ 1970 بانتهاء أعمال المؤتمر القومي الاستثنائي العاشر، حيث اعتقل الأسد اللواء صلاح جديد، رئيس الوزراء، يوسف زعين، مصطفى رستم، رئيس المكتب العسكري في القيادة القطرية، فوزي رضا، عضو القيادة القومية، محمد عيد عشاوي، وزير الداخلية والخارجية السابق، وكانوا مجتمعين في منزل رئيس الوزراء".

"كان اللواء صلاح قادماً من مبنى القيادة القومية في أبي رمانة، الآن هو مبنى الهلال الأحمر السوري، ليبلغ رئيس الوزراء زعين بما دار بينه وبين السفير السوفييتي محيي الدين الدينوف، وبمجرد وصول اللواء صلاح إلى منزل زعين في أبي رمانة والقريب جداً من مبنى القيادة القومية، قامت المخابرات الجوية التي تراقب المنزل بإبلاغ الأسد، فأمر باعتقال الموجودين".

تذكر الروايات المعارضة للأسد أن السفير السوفييتي، كان موقف بلاده يفضل التسوية بين الرفاق وعدم الصدام، ولكن ما رجح كفة الأسد عندهم بعد أن كان ميلهم لجديد وجماعته هو ما حصل باجتماع الدينوف – جديد صبيحة اعتقال جديد ورفاقه. طلب السفير من جديد أن توافق سورية على قرار مجلس الأمن الدولي 242 الذي امتنعت في عهد جديد عن القبول به، ومقابل هذه الموافقة سيحرص السوفييت على منع انقلاب الأسد وإقناعه بقبول تسوية مع رفاقه. ردّ صلاح جديد بالرفض، كما يروي رفاقه عنه في السجن، فانحاز السوفييت للأسد.

صلاح جديد الرجل القوي في سورية بعد عام 1966 (Getty)
صلاح جديد الرجل القوي في سورية بعد عام 1966 (Getty)

يتابع حبش روايته عما حصل يومها: "لم يكن عشاوي وقتها عضواً في القيادة القطرية، وكان يمرّ لوداع رئيس الوزراء لأنه تفرغ للعمل الفدائي في أغوار الأردن، ولم يرشّح نفسه للقيادة القطرية بعد مشادة بينه وبين بعض الضباط في المؤتمر القطري الرابع الاستثنائي في نهاية آذار/ مارس 1969 بعد مناقشة حرب 1967 في المؤتمر".

كان حافظ الأسد متهيباً من طريقة اعتقال جديد ومن معه، خائفاً من أن يتكرر سيناريو الهجوم على منزل رئيس الدولة أمين الحافظ يوم 23 شباط/ فبراير 1966 حين قام الحافظ وحراسه بمقاومة كتيبة المغاوير بقيادة سليم حاطوم القادمة لاعتقال الحافظ، ونتج من ذلك سقوط قتلى من الطرفين، وجرح بعض أفراد عائلة الحافظ.

أمر الأسد قائد الشرطة العسكرية علي ظاظا، الموالي له، باعتقال من في المنزل، واصطحب الأخير عشرين عنصراً، وعندما أبلغ الأسد عن اعتقالهم، سأله الأخير: هل قاوموا؟ طمأنه ظاظا بأنه ساقهم كالأرانب. "نُقل المعتقلون إلى مبنى آمرية الطيران، مقرّ الأسد الرئيسي، القريب جداً، والتقى الأسد في الليل اللواء صلاح، وسأله:

ما الحل برأيك؟

أجابه اللواء بخشونة: لقد قمت بالحل وانتهى الأمر.

بعدها قابل الأسد زعين، وطلب منه العمل معه، فرفض زعين، وكذلك فعل مع مصطفى رستم. بعد منتصف الليل ترك الأسد زعين ورستم حيث ذهب كل منهما إلى منزله، فيما أبقى على جديد وفوزي رضا وعيد عشاوي، وكان يكنّ بغضاً خاصاً لكل من رضا وعشاوي".

يعود سبب كره الأسد الخاص بعشاوي ورضا، وكلاهما من مدينة دير الزور إلى موقفهما الداعي إلى تطبيق قرار (تغيير مراكز القرار)، الذي استهدف إزاحة حافظ الأسد عن منصب وزير الدفاع، ومصطفى طلاس عن رئاسة الأركان بكل الوسائل، بما فيها القوة.

استكمال الاعتقالات

يتابع حبش بالقول: "لم تتم اعتقالات أعضاء القيادة القطرية ولا القومية المعارضة لانقلاب الأسد دفعة واحدة كما لم يتم إطلاق سراحهم دفعة واحدة". "بعد أسبوع اعتقل الأمين العام نور الدين الأتاسي من منزله، وفي ليلة 22 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1970، تم اعتقالي واعتقال محمد رباح الطويل، وفي يناير/ كانون الثاني عام 1971، تم اعتقال حمود قباني وبعض أعضاء قيادات الفروع، أفرج عن حمود قباني ثم أُعيد مع من اعتُقل في يونيو/ حزيران من عام 1971 حيث اعتقل من بقي من أعضاء القيادة القطرية السابقة، يوسف زعين، مصطفى رستم، محمد سعيد طالب، حديثة مراد، أحمد الشيخ جاسم، أنيس كنجو".

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

هزت هزيمة 1967 نظام البعث في دمشق فكشفت مزايدات النظام البعثي على الرئيس المصري جمال عبد الناصر وفضحت ضعف الجيش السوري والأهم خوف الرفاق وقلقهم الأكبر على سقوط نظامهم. ضاع الجولان كاملا وبدون مقاومة وبدأت الخلافات تدب بين الرفاق. طرح صلاح جديد الأمين القطري المساعد ورجل النظام الأول موضوع (تغيير مراكز القرار) خلال اجتماع مشترك بين القيادتين القطرية والقومية للبعث عقد بعد انتهاء الحرب مباشرة وقضى أن تتغير مواقع الرفاق القيادية والهدف الحقيقي منه أن يبعد حافظ الأسد عن وزارة الدفاع.

سقط القرار بفارق صوت واحد كان صوت عبد الكريم الجندي رئيس جهاز أمن الدولة وحليف جديد والذي انتحر لاحقا بسبب تضييق الأسد عليه. كان تعليل الجندي أنه لا يجوز تحميل مسؤولية الهزيمة للقيادة العسكرية وحدها.

احتلال اسرائيل للجولان السوري عام 1967 (Getty)
احتلال اسرائيل للجولان السوري عام 1967 (Getty)

أعيد تبني القرار بعد المؤتمر القطري الرابع الاستثنائي أيلول/ سبتمبر 1968 والذي عقد بعد قيام وزير الدفاع باحتجاز بعض الرفاق من فرع اللاذقية ومن مسؤولي الصحافة. لم ينفذ الأسد هذا القرار فدعا خصومه لعقد المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي والذي انتهي ليل 12/11-1970 بالتصويت على إقالة الأسد وطلاس من منصبيهما فقام الأسد بانقلابه صبيحة اليوم التالي.

يتبع، في الحلقة الثانية حافظ الأسد يدافع عن نفسه ويحسم قراره بالانقلاب.

المساهمون