يتجه الوضع السياسي في تونس نحو مزيد من التأزم، خاصة في ظل غموض العلاقة بين الرئيس التونسي قيس سعيّد، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، والتي زادتها المواقف المتواترة لسعيّد والرافضة للحلول التي يقدمها البرلمان، وآخرها تعديل قانون المحكمة الدستورية.
وأثار رفض سعيّد، مساء السبت، التعديلات التي صادق عليها البرلمان أخيراً بشأن المحكمة الدستورية وانتخاب أعضائها، تساؤلات حول مآل القوانين القادمة، وهل سيتحول الأمر إلى تعطيلات مستمرة، بعدما سبق له أن رفض استقبال وزراء لأداء اليمين بعد منحهم الثقة بأغلبية مهمة في البرلمان.
وبقطع النظر عن رفض الرئيس التونسي التوقيع على قانون المحكمة الدستورية، فإن التساؤلات لم تعد تتعلق بمواقفه المفاجئة، بل حتى في طريقة الرفض، وتحديداً الرسائل التي يخطها بيده والكتابة التي أصبح يختارها في أغلب رسائله، والتي يرى البعض أنها تعود لعهود غابرة وتتضمن أحيانا نصوصا قرآنية وشعرا وفصولا قانونية وانتقادات بين السطور، ما جعلها تتحول بدورها إلى موضوع غامض ومثير للاستغراب.
ولا تعد الرسالة الموجهة من سعيد لرئيس البرلمان هي الأولى، فقد سبق للرئيس التونسي أن كتب رسالة مشابهة لرئيس الحكومة هشام المشيشي، وقد أثارت بدورها جدلا واسعا في تونس.
ويرى الباحث في القانون الدستوري، وعضو "الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية" رابح الخرايفي، أن "رسائل قيس سعيد تعتبر غريبة، وتستغرق الكثير من الوقت لكتابتها"، مضيفا في تصريح لـ"العربي الجديد": "كان من الأنسب أن يقضي رئيس الجمهورية هذا الوقت في معالجة مسائل أهم والنظر في مشاكل أخرى عالقة عوض قضاء الوقت في خط رسالة".
وتابع المتحدث ذاته قائلا إن "شكل خط الرسالة التي كتبها سعيّد تعيدنا للرسائل القديمة وشكليا إلى العهود الأولى للإسلام"، مبينا أن "الأمر تحول إلى نوع من العبث السياسي، وهذا السلوك أصبح يحتاج فعلا إلى تحليل من قبل علماء النفس ومختصين في التواصل، لأن المسألة تكررت وتتعلق بمؤسسة مهمة هي رئاسة الجمهورية".
وشدد بالقول "سعيّد ليس شخصا عاديا حتى لا نهتم بالمسألة، ولا بد من قراءة وفهم ما يكتبه وما يريد فعله ولماذا اختار الرد بهذا الشكل".
وحول رفض رئيس الجمهورية التوقيع على التعديلات الخاصة بقانون المحكمة الدستورية ومدى تأثير ذلك على بقية القوانين، بين الخرايفي أن "تبرير سعيّد ذلك بانقضاء المدة وذكره للفصل 148، الذي نص على أن يكون تركيز (تشكيل) المحكمة في ظرف سنة من أول انتخابات، لا يخلو من خلط، لأن القانون لا يسقط الزمن".
وأردف قائلا "ولكن سعيّد هو في الحقيقة يلوم ويحمل المسؤولية للائتلاف الحاكم عن هذا التأخير، ويرد على التقاعس وعدم احترام الأحزاب الحاكمة للآجال الدستورية"، مضيفا أن سعيّد بموقفه هذا كأنه يقول للبرلمان: "لا تصلحوا تأخركم بإرساء المحكمة الدستورية بتنقيح القانون الأساسي".
وبين الخرايفي أن هذا الأمر "لا يعد تبريرا للرفض ولا عدم نفاذ للنص القانوني الذي يشير إلى تركيز المحكمة الدستورية في ظرف عام من أول انتخابات، أي بعد 2015، لأنه حتى بعد مرور هذه الأعوام يبقى نافذا ويمكن تركيز المحكمة الدستورية".
وأفاد الخرايفي بأن هناك عدة سيناريوهات ما بعد هذا الرفض، وهي أن يصادق مجلس نواب الشعب على هذا النص في جلسة عامة بـ131صوتا، أو يهمل المجلس التعديل الذي حصل على مشروع قانون المحكمة الدستورية، وتحديدا في جلسة 8 إبريل/ نيسان الحالي، ويصادق على انتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين بـ145صوتا.
وأضاف أن "هذا ممكن، خاصة إذا توفرت الشروط اللازمة لذلك، وهي الحضور المكثف للنواب بعدد يفوق الـ200 نائب، وتكون هناك إرادة من أغلب الكتل البرلمانية في تجاوز الخلافات السابقة مع تخلي النهضة عن العضو المرشح من قبلها من غير المختصين في القانون والذي أثار جدلا، واحترام التوافقات وتخلي بعض النواب عن عدم الجدية في تركيز المحكمة الدستورية".
وأوضح الخرايفي أن "جل هذه النقاط ستكون إجابة واضحة لرئيس الجمهورية ولا يمكنه ساعتها الامتناع عن إرساء المحكمة الدستورية، حيث إنه لا يملك الصلاحيات لعدم الموافقة على 3 أعضاء الذين سينتخبهم البرلمان".
وبين أنه "ومع ذلك تبقى أمام سعيّد إمكانية تعطيل إرساء المحكمة الدستورية في حال عدم اختياره الأعضاء الأربعة المتبقين والذين يختارهم رئيس الجمهورية، وساعتها يصبح سعيّد هو المعطل وليس مجلس نواب الشعب، ولكن هذا لا يكون إلا بعد انتهاء المجلس من إتمام ما عليه من التزامات".
وأشار الخرايفي إلى أنه "في ظل الوضع الحالي، فإن المستفيد من تعطيل المحكمة الدستورية هو رئيس الجمهورية، لأنه الطرف الوحيد الذي يقدم القراءات الرسمية للدستور، وبالتالي هو المنتفع من هذا الغياب بعد أن كانت قد انتفعت الأحزاب الحاكمة من التعطيل طيلة 6 سنوات"، مؤكدا أن "رئيس الجمهورية برفضه المستمر لمشاريع القوانين الراجعة إليه بالإمضاء بصدد توجيه رسائل خطيرة، ويمكنه مستقبلا رفض إمضاء أي مشروع جديد وهذا وارد جداً".