ردود حزبية على كلمة سعيّد: غموض ومغامرة غير محسوبة ومخاوف على الدستور

21 سبتمبر 2021
مخاوف من خروج الرئيس قيس سعيد عن الدستور (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تواترت ردود الأحزاب حول الكلمة التي ألقاها الرئيس التونسي قيس سعيّد، مساء أمس الاثنين، من سيدي بوزيد (الوسط الغربي)، واعتبر البعض أنه لا يمكن الخروج عن الدستور، مطالبين بعدم مواصلة العمل بالإجراءات الاستثنائية، فيما شدد آخرون على أن خطاب سعيّد مجرد رد متسرع على معارضيه وتحديداً مسيرة السبت الماضي في شارع بورقيبة.
وقال النائب عن حزب "التيار الديمقراطي"، نبيل حجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "كان من المنتظر أن يعلن الرئيس عن إجراءات عملية ولكن للأسف انتهى الخطاب ولم يتم الإعلان عن شيء،" موضحاً أنه "من ناحية الشكل فاختيار الرئيس لسيدي بوزيد (مهد الثورة التونسية) قد يكون مفهوماً وهو محاولة وضع تمشي وتصحيح المسار الثوري".
وأشار إلى أن "النقل التلفزي كان كارثياً حيث لم يذكر إن نقلت الكلمة داخل تونس أم خارجها لرئيس دولة بهذه الطريقة من الفوضى وقطع البث والضوضاء"، مضيفاً أن "سعيّد كان متشنجاً ولا يعرف سبب ذلك".
وأثار الخطاب الذي ألقاه الرئيس التونسي الكثير من الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، ولم يتعلّق فقط بما ورد في الخطاب بل تعداه إلى مستوى التغطية لهذا الخطاب الذي نقله التلفزيون الرسمي التونسي بشكل مباشر، لكنّ التغطية أيضاً شابها الكثير من الأخطاء التقنية من حيث وضوح الصورة والانقطاع المتواصل للكلام وانقطاع الصورة في أكثر من مناسبة.
وبين المتحدث ذاته أن "كلمة الرئيس لم تخل من تخوين واتهامات للخصوم، ولا نعرف إلى اليوم من هؤلاء الذين يتهمهم إلى جانب تقسيم للتونسيين"، لافتاً إلى أنه "من ناحية المضمون فسعيّد كان قد شدد على أنه سيعين رئيس حكومة، ولكن يبدو أنه غير مستعجل، وخلافاً لما ذكره فإن مؤسسات الدولة لا تعمل بالشكل المطلوب".

ولاحظ حجي أن "الجديد هو إعلانه عن تصور عبر تمديد العمل بالتدابير الاستثنائية، وتأكيده ألا رجوع للبرلمان"، مشيراً إلى أنه "رغم اتفاقه مع سعيّد بخصوص عدم عودة البرلمان بشكله الحالي، لأن عودته قد تكون انتحاراً سياسياً لسعيّد، إلا أنه من غير الواضح كيف سيكون العمل والحل البديل؟".

الدستور في العالم أجمع ليس قطاع غيار، بل فصوله واضحة ومترابطة

ورجح أن يضع رئيس الجمهورية "تنظيماً مؤقتاً للسلطات ثم يعدل الدستور، وهذه النقطة غامضة لأن تنظيماً مؤقتاً للسلطات يعني أننا لن نعمل بالدستور وهو ما يعني خرق الدستور وهذا تناقض واضح"، مؤكداً أن سعيّد "سيذهب في اتجاه تعديل القانون الانتخابي وهو ما يعني الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها، ولكن هل ستكون التعديلات وفق مرسوم أو استفتاء؟ لا شيء واضح".
بدوره يرى النائب عن "تحيا تونس"، مصطفى بن أحمد، أن "الكلمة كانت متسرعة ويبدو أنها رد عاجل على التجمع الذي حصل يوم السبت، وكان الرد قاسياً"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "باقي الخطاب مجرد تفاصيل لا دلالات أو أهمية كبرى لها".

وخرجت تظاهرة السبت الماضي ضمّت الآلاف من المحتجين، وسط العاصمة تونس، للتنديد بخطوة الرئيس قيس سعيّد وقراراته، وكان لافتاً خلالها رفع شعار منسوج على شعار الثورة، مع تغيير مطلب الشغل بالدستور "دستور، حرية، كرامة وطنية".
وتابع بن أحمد قائلاً "من الواضح أن هناك من المحيطين بسعيّد من يدفعونه نحو اتجاه معين ومغامرة حتى لو كانت خارج الدستور والقانون، وهذا واضح من تصريح سعيّد حول النظام السياسي والتغيير، وفي الحقيقة الدستور في العالم أجمع ليس قطاع غيار، بل فصوله واضحة ومترابطة".
وشدد المتحدث ذاته على أن "الأمر واضح، إما التطبيق أو التعليق للدستور، وإذا تم التعليق فسيكون استناداً على ماذا؟ فلا منظمات ولا أحزاب ستساند ذلك، ولا حتى دولياً"، مكرراً أن "كلمة أمس بدت مجرد رد سريع على تجمع السبت".

رئيس الجمهورية لم يقدم إلى غاية اليوم تصورات وأفكاراً حول مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس

الموقف نفسه عبّر عنه النائب المستقل، حاتم المليكي، وقال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "على المستوى الدستوري فقد قدم رئيس الجمهورية موقفه، وهناك عدة تساؤلات حول الذهاب في وضع دستوري جديد وفي الوقت نفسه الالتزام بالدستور"، مؤكداً أن "سعيّد تحدث عن أحكام انتقالية، ولكن ما لم يوضحه سعيّد هو وفق أي باب من أبواب الدستور ستكون هذه الأحكام الانتقالية؟".
وأشار إلى أن "الرئيس ومن خلال ما يفهم من خطابه فإن مقاربته لن تكون فيها حوارات مع الأطراف السياسية والاجتماعية"، مضيفاً "الأهم أن رئيس الجمهورية لم يقدم إلى غاية اليوم تصورات وأفكاراً حول مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس وحول الموازنة التكميلية والمشاريع الكبرى".
وقال المليكي إن "هناك حديثاً عن المقاربة السياسية لسعيّد، إذ يعتبر أن المنظومة التي قامت بعد 2011 فاسدة ويحملها مسؤولية الوضع، ولكن لا وضوح حول بقية المقاربات"، موضحاً أن "سعيّد تقريباً يعتمد طريقة الاتصال والخطاب والأسلوب نفسها حول تخوين الخصوم".

أما القيادي في حركة "النهضة"، سمير ديلو، فقال في تصريح لـ"العربي الجديد" إن كلمة سعيّد "حادّة في الشّكل، وهي غير واضحة بما يكفي في المضمون، كما أنها كرّست تقسيماً للشّعب التّونسي بين الصّادقين (مساندوه)، وبين خليط من الفاسدين والخونة والعملاء ومرضى القلوب والطّامعين في المناصب".

الغموض قطعاً لم يتبدّد بعد خطاب سعيّد

وتابع قائلاً إنه "من حقّ الرّئيس اعتبار ما يقوم به استمراراً للانفجار الثّوريّ العظيم في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 ولكن من الإجحاف الكبير أن يعتبر 14 يناير/ كانون الثاني 2011 (يوم هروب زين العابدين بن علي خارج تونس) انقلاباً على الثّورة، فالثّورة التّونسيّة لحظتان، لحظة 17 ديسمبر المشحونة بمعاني الكرامة في بعديها الاقتصادي والاجتماعي، ولحظة 14 يناير المعبّرة عن التّوق للحرّيّة والانعتاق من قيود الاستبداد".
وأضاف قائلاً "أما الانحرافات التي حصلت بعد 14 يناير وأوصلت البلاد إلى حالة من الضّعف والترهّل، بما أعطى مقبوليّة شعبيّة لما قام به الرّئيس يوم 25 يوليو/ تموز الماضي (الإجراءات الاستثنائية)، فهو إعلان رسميّ عن تعليق العمل بالدّستور بعد أن تمّ ذلك فعلياً يوم 25 يوليو، ولا وجاهة لفتاوى التّعليق الجزئي"، متسائلاً "أو أنّ إقرار الأحكام الانتقالية لا يعني بالضّرورة تعليق الدستور؟".
ومضى يقول "يتأكّد ذلك بالإعلان عن استمرار الإجراءات الاستثنائية رغم سبق التأكيد على احترام الدّستور، ودون أيّ تعليل ودون شرح لمدى تأثير ذلك على ضمان عودة السّير العادي لدواليب الدّولة، خاصّة وأنّه (سعيّد) مطالب بالتّوجّه للشّعب ببيان حين إنهاء العمل بهذه التّدابير.. بزوال أسبابها حسب الفصل 80 من الدّستور".
وبين ديلو أن "الأهمّ ليس الإعلان عن تنقيح القانون الانتخابي فهذا ليس بدعة، بل كيف سيتمّ ذلك (الدّستور الذي جدّد الرّئيس الالتزام باحترامه يستثني النّظام الانتخابي من مجال المراسيم حتّى في حال حلّ مجلس النّوّاب حسب الفصل 70 من الدّستور)".
وختم بالقول "الغموض قطعاً لم يتبدّد بعد خطاب سعيّد، فالتّأكيد على احترام الدّستور لا يجد صدى له في الإجراءات المزمع اتّخاذها والتي تعني تعليقا رسميّا للدّستور".

المساهمون