بعد أكثر من 20 عاماً في الحكم، يخوض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحدياً صعباً للبقاء في السلطة، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تشهدها تركيا غداً الأحد، فالاقتصاد الذي كان مدخله للبقاء في الحكم، منذ تسلمه الحكومة عام 2003 ثم رئاسة البلاد عام 2014، يضعه اليوم أمام امتحان جديد، بعد ارتفاع التضخم وتراجع قيمة الليرة التركية، ثم الكارثة البشرية والاقتصادية التي تسبب بها الزلزال الذي ضرب جنوب البلاد في 6 فبراير/ شباط الماضي.
أردوغان الذي نجح منذ بدايات حكمه في قيادة البلاد لنقلة اقتصادية وصناعية وتجارية وسياحية وعلمية، وعزز دورها السياسي في الخارج، ما جعله يحظى بالتفاف شعبي كبير سمح له بـ"تحجيم" دور المؤسسة العسكرية، وتخطي محاولة الانقلاب عليه صيف العام 2016، وفرض نظام رئاسي مكّنه من إحكام سلطاته، اصطدم في فخ التضخم الذي تخطى نسبة الـ85 في المائة في الخريف الماضي، في أعلى مستوى له منذ العام 1998، ما انعكس سلباً على الشعب التركي وأدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
كما أن محاولة أردوغان توسيع دور تركيا الإقليمي والدولي، جعلته يصطدم بالعديد من الدول العربية والأوروبية وحتى الولايات المتحدة، لا سيما في ظل التدخل العسكري في سورية وفي ليبيا. لكن بعدما توترت العلاقات مع العديد من الدول على مدى سنوات لجأت أنقرة في الفترة الأخيرة إلى سياسة إعادة تطبيع العلاقات مع الخارج.
من كرة القدم للسياسة
ويرغب أردوغان بتتويج مسيرته بإكمال أكثر من ربع قرن من الحكم عبر الفوز بالانتخابات الرئاسية غداً الأحد، وتضعه الأرقام في مواجهة صعبة مع مرشح المعارضة للرئاسة كمال كلجدار أوغلو، وسط تضارب في الاستطلاعات حول المتقدّم منهما، وفي ظل ترجيحات بعدم نجاح أي منهما في حسم النتيجة من الدورة الأولى إلا إذا بقي مرشحان فقط في السباق.
وأردوغان من مواليد العام 1954 في إسطنبول، وأصوله تعود لمدينة ريزة على البحر الأسود. أنهى دراسة الثانوية في العام 1973 وبعدها درس في جامعة مرمرة في كلية العلوم الاقتصادية وتخرج منها عام 1981.
ينتمي أردوغان للتيار الإسلامي المحافظ، لعب كرة القدم شاباً قبل أن يدخل عالم السياسة، وكان ناشطاً في اتحاد الطلبة الوطنيين الأتراك، وترأس الفرع الشبابي لحزب السلامة الوطنية الإسلامي في منطقة بي أوغلو في إسطنبول عام 1976، ولاحقاً ترأس الفرع الشبابي للحزب في إسطنبول حتى عام 1980.
انتُخب عام 1994 رئيساً لبلدية إسطنبول لتكون انطلاقته الفعلية وازدياد شعبيته في البلاد
وعقب إغلاق الأحزاب بعد انقلاب عام 1982، توقف عن العمل السياسي، ليعود إلى السياسة مجدداً مع تأسيس حزب الرفاه، واختير رئيساً له في إسطنبول وعضواً للقيادة المركزية. انتُخب عام 1994 رئيساً لبلدية إسطنبول لتكون انطلاقته الفعلية وازدياد شعبيته في البلاد، إذ حقق أردوغان نجاحات في البلدية زادت من شعبيته. ونظراً لإلقائه شعراً دينياً في العام 1997 حوكم بالسجن وأنهيت رئاسته لبلدية إسطنبول ما زاد من شعبيته أكثر، وبقي في السجن 4 أشهر، ليخرج ويؤسس في العام 2001 مع أصدقائه حزب العدالة والتنمية.
في انتخابات العام 2002 تولى الحزب مقاليد الحكم في البلاد حتى الوقت الحالي بشكل متواصل في حالة نادرة بتاريخ تركيا السياسي. وتولى أردوغان رئاسة الوزراء عام 2003 بعد إزالة المنع السياسي بحقه، ثم رئاسة البلاد عام 2014، وانتخب مرة ثانية عام 2018 وفق النظام الرئاسي الجديد.
مشاريع اقتصادية وعمرانية ضخمة
يُحسب لأردوغان نجاحه في دفع البلاد نحو التطور في جميع النواحي الاقتصادية والصناعية والتجارية، وعمله على إطلاق مشاريع ضخمة في عموم البلاد وتطويره المؤسسات والبنية التحتية، إضافة إلى الصناعات الدفاعية. وشيّد أردوغان جسوراً وطرقاً سريعة ومطارات، وجسر البوسفور الثالث، وأول محطة للطاقة النووية التي افتُتحت قبل أيام.
وخلال 20 عاماً، شهدت تركيا تشييد أكثر من عشرة ملايين مسكن، وهو رقم "أكبر من نصف ما تم تشييده في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعة خلال الفترة ذاتها"، كما قال أستاذ علم الاجتماع في جامعة أنقرة مليح يشيلباغ لوكالة "فرانس برس". وشهد الاقتصاد التركي ازدهاراً كبيراً منذ تسلم أردوغان الحكم، ما سمح بتحسين أوضاع الفقراء وتوفير إمدادات الكهرباء والمياه وزيادة دخل الفرد وتوزيع الثروة ونشر الرعاية الصحية وبناء مدارس ومراكز رعاية طبية.
تعرّض لمحاولة انقلابية من قبل أفراد في الجيش عام 2016 تمكّن من إحباطها
كما عمل أردوغان على توسيع شعبيته داخل الشارع المحافظ، وخصوصاً بقرار السماح للنساء بارتداء الحجاب في الجامعات وفي الوظيفة العامة، إضافة إلى بناء مئات المساجد في البلاد. وسعى لأردوغان لتحجيم تدخّل مؤسسة الجيش في الشأن السياسي، وواجه جماعة الخدمة المتغلغلة في مؤسسات الدولة.
تعرّض لمحاولة انقلابية من قبل أفراد في الجيش عام 2016 تمكّن من إحباطها، وعمل بعدها على اعتقال الآلاف من المؤسسة العسكرية ومحاكمتهم. كما أنه غيّر الكثير من القوانين وعدل الدستور، ومنها نظام الحكم في البلاد الذي حوّله من النظام البرلماني إلى الرئاسي.
سقوط في فخ التضخم
خارجياً، بدأ منذ 2005 محادثات لتحقيق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة تعطّلت لاحقاً. وسعى أردوغان لتوسيع نفوذ بلاده في الخارج، سياسياً وعسكرياً، وشهدت السياسة الخارجية تذبذباً خصوصاً مع جيرانه والدول العربية، من سورية إلى مصر والعراق واليونان وبعض دول الخليج. لكنه بدأ منذ نحو عام ونصف العام جهوداً لتحقيق مصالحة مع معظم هذه الدول. أما في الصراع الأوكراني، فقد تمكن من الحفاظ على علاقات مع كييف وموسكو، وعرض نفسه وسيطاً بينهما، من دون أن يثير غضب حلفائه في حلف شمال الأطلسي.
فشل في المحافظة على استقرار الوضع الاقتصادي، خصوصاً مع الارتفاع الكبير لنسب التضخم
غير أن أردوغان فشل في المحافظة على استقرار الوضع الاقتصادي، خصوصاً مع الارتفاع الكبير للتضخم وتراجع سعر الليرة التركية، وارتفعت الأسعار، وبدت الحكومة عاجزة عن السيطرة على تراجع الوضع المعيشي.
وحاول أردوغان تدارك هذا الوضع، مع عمله على رفع الأجور للموظفين، وإطلاق وعود لتحقيقها في المرحلة المقبلة، ومنها جعل الأتراك يستفيدون من مشاريع النفط المكتشفة حديثاً وتوفير الغاز مجاناً. وطيلة الحملة الانتخابية، حشد أردوغان أنصاره في الميادين خصوصاً في المدن الكبرى، وتمكّن من حشد أكثر من مليون و700 ألف مواطن خلال تجمع كبير في إسطنبول في 8 مايو الحالي.
وتتناقض استطلاعات الرأي التي أجريت أخيراً حول النسبة التي سيحصل عليها أردوغان في الانتخابات، فشركة "أوبتمار" أعطته أكثر من 48 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، و51.4 في المائة في الجولة الثانية، وشركة "أريدا سورفاي" أعطته 51.1 في المائة، وشركة "غينار" أعطته نسبة 54 في المائة.
في المقابل، أظهر استطلاع شركة "أو ر سي" (ORC) أنه سيحصل على 44.6 في المائة، و43 في المائة بحسب "أوراسيا"، و45.8 في المائة بحسب "أكسوي". وأمام هذه الاستطلاعات يصر أردوغان على أن الاستطلاع الحقيقي في الميدان، إذ يرى أن هناك إقبالاً شعبياً كبيراً تجلى في التجمعات الجماهيرية التي أقامها.
التحدي الأصعب للبقاء في السلطة
وعن ذلك، قال الكاتب والصحافي غونغور يافوز أصلان، لـ"العربي الجديد"، إن أردوغان "استطاع الاستمرار في الحكم منذ 21 عاماً، ولديه قابلية كبيرة في إدارة الدولة، وتمكن من مواجهة انقلاب عسكري، فضلاً عن تغلبه على أزمات سياسية واقتصادية عديدة، وعلى الرغم من التطورات المحلية والإقليمية والدولية تمكن من الفوز بالانتخابات، وخرج من كل انتخاب بشخصية أقوى".
ولفت أصلان إلى أن "من نقاط قوة أردوغان إمكاناته في الخطابة وتأثيره في الشارع والجماهير وتنظيم قواعده الحزبية، أما نقاط ضعفه فتتمثل في الإرهاق بعد فترة طويلة من الحكم". وأشار إلى أن أردوغان يركز في حملته الانتخابية ضمن التحالف الجمهوري "على روح الشعب وقوة الدولة وتطوير خطاب عن مئوية تركيا، خصوصاً ما يتعلق بالصناعات الدفاعية والطاقة واكتشاف النفط والغاز والمسيّرات والدبابات والسفن الحربية بعناوين دفاعية قوية، وهو يمثل الاستقرار والاستمرارية للبلاد".
عودة أوغلو: أردوغان يواجه تحدياً هو الأصعب منذ بدء حكمه الممتد لعشرين عاماً، لكنه يحافظ على دعم من شريحة كبيرة من الشارع
أما الباحث في الشؤون التركية طه عودة أوغلو، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "أردوغان يواجه تحدياً هو الأصعب منذ حكمه الممتد لعشرين عاماً، لكنه يحافظ على دعم من شريحة كبيرة من الشارع التركي، وأكبر دليل تجمع إسطنبول الجماهيري الكبير في 8 مايو". وتوقع أن يكون أردوغان "الأوفر حظاً للفوز، لا سيما أن لديه كاريزما تلعب دوراً كبيراً، إضافة إلى الإنجازات التي قدّمها واستطاع الإثبات للشارع أنه رجل المهام الصعبة فيما يتعلق بالاقتصاد والملفات الداخلية والخارجية".
ولفت إلى أنه "قبل أسبوع كان الحديث عن تقارب في النسب بين أردوغان وكلجدار أوغلو، وقبل فترة كان الحديث عن تقدّم الأخير، ولكن في الأيام الأخيرة هناك سعي من الرجلين، وخصوصاً من قبل أردوغان لحسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى". ولكنه توقع "أن تكون هناك جولة ثانية ويحسمها أردوغان خصوصاً في ظل أخطاء ترتكبها المعارضة، وأي طرف يرتكب أخطاء مميتة في هذه المرحلة فهو الطرف الخاسر"، مشيراً إلى أن "التحالف الجمهوري لديه خبرة في إدارة هذه المرحلة".