رئيس مكتب إنقاذ الأيزيديين العراقيين: إهمال بغداد أبطأ عملنا

02 مايو 2020
80% من الأيزيديين ما زالوا نازحين (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أكثر من عامين ونصف العام على إعلان تحرير آخر بلدات ومدن العراق من سيطرة تنظيم "داعش"، لا يزال البحث جارياً عن مختطفين من الطائفة الأيزيدية، وكذلك البحث في عشرات المقابر التي يعتقد أنها تضم رفاتهم. واجتاح "داعش" العراق منتصف العام 2014، وتمّ القضاء على تواجده في هذا البلد بعد أربعة أعوام، لكنه خلّف وراءه مشاهد أليمة من الدمار، ومآسي طاولت كل مكونات الشعب العراقي، وأثبتت خرقه كافة المفاهيم الإنسانية. وكان التنظيم اقتحم قرى الطائفة الأيزيدية في ناحية سنجار (80 كيلومتراً غرب مدينة الموصل)، في شهر أغسطس/آب 2014، وقتل مئات الرجال، واختطف آلاف النساء والأطفال من أبنائها، لا يزال مصير عدد كبير منهم مجهولاً حتى الآن.

وكشف مسؤول مكتب إنقاذ الأيزيديين المختطفين على يد "داعش"، حسين قائدي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، عن آخر مستجدات عمليات البحث والتحري عن أكثر من 1500 من المواطنين الذين اختطفهم "داعش"، وغيّب بعضهم في مناطق العراق وسورية وغيرها.

ومتحدثاً عن نشاط مكتبه الذي يُعنى بملف الأيزيديين العراقيين، أوضح قائدي أنه "بعد هجوم تنظيم داعش في العام 2014 على سنجار والمناطق المحيطة بها، وقتله الناس الأبرياء وحتى الشيوخ، وأسره مجموعة كبيرة من الأطفال والنساء، افتتحت حكومة إقليم كردستان المكتب في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، بأمرٍ من رئيس حكومة الإقليم آنذاك نيجرفان بارزاني، وقام المكتب ببحثٍ مكثف لإنقاذ المختطفين والمختطفات من كافة المكونات والشرائح العراقية، لكن التوجه للبحث عن الأيزيديين نال الحصة الكبرى، كونهم الطائفة التي كانت الأكثر عرضةً لهمجية التنظيم".

وحول آخر الأرقام التي تتعلق بملف المختطفين، لفت قائدي إلى أن "العدد الكلّي للمختطفين على أيدي داعش، هو 6400 مختطف، جميعهم من الأيزيديين، عدا 15 شخصاً هم من أبناء الديانة المسيحية، وقد تمكنا منذ تأسيس المكتب من إنقاذ 3532 شخصاً، منهم 339 من الرجال و1199 من النساء والأطفال"، واصفاً العمل المنجز بـ"الشاق"، لكن "الإيمان بالقضية، والتنسيق مع الأجهزة الأمنية في إقليم كردستان ووزارة البشمركة، مكنانا من تحقيق ذلك".


وفي ما يتعلق بمن تبقى من الأيزيديين المفقودين، أكد مسؤول مكتب إنقاذ الأيزيديين المختطفين على يد "داعش"، أنه "لا يزال هناك أكثر من 1900 شخص في عداد المفقودين". أما بالنسبة لما أفرزته التحريات عنهم، فقال إنه "من خلال عمليات البحث، تبين لنا أن قسماً منهم موجود في المناطق التي كان قد سيطر عليها داعش، مثل الموصل (مركز محافظة نينوى)، وهناك عدد منهم بين عائلات التنظيم في مخيم الهول السوري، وأيضاً من عبر حدود الدولتين، كما نتوقع أن عدداً ليس قليلاً من المختطفين الأيزيديين يقبعون في أحد سجون بغداد، وقد تواصلنا مع الحكومة العراقية من أجل زيارة هذا السجن، لكننا لم نحصل على موافقة". واعتبر أنه "لو تدخل المجتمع الدولي والحكومة للمساعدة، لتمكنا من كشف مصير المزيد من المختطفين والمفقودين، لكن يوجد تقصيرٌ من الطرفين".

وعن دور الحكومة العراقية في الملف، أوضح قائدي أن "المواطنين الذين اختطفهم داعش، كانوا يسكنون في مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة العراقية من الناحية الإدارية، لكنها فشلت في حمايتهم، وكذلك في البحث عنهم بعد اختطافهم، كما بتعويضهم". ورأى أنه "كان يفترض على بغداد أن تتدخل من خلال العمليات العسكرية أو الدبلوماسية أو السياسية أو الاجتماعية لإنقاذهم، لكنها بعد وقوع المصيبة، شكّلت لجنة للبحث عن المختطفات تألفت من شخصيات عسكرية عدة، لكنها لم تكن في الواقع سوى لجنة للإعلام، إذ لم تعمل على الأرض، وقد زارت مكتبنا لمرةٍ واحدة، من دون أن يخرج عنها أي إنجاز، أو نلمس منها أي نشاط".

وفي السياق ذاته، أكد قائدي أن "بغداد مقصرة كثيراً تجاه الأيزيديين". وحول طبيعة هذا التقصير، لفت إلى أنه "بعد مطالبات كثيرة في سبيل تعويض المتضررين، تمّ تشكيل لجنة من قبل وزارتي الهجرة والمهجرين والعدل العراقيتين، ووزارة الداخلية في إقليم كردستان"، لافتاً إلى أنه "بعد اجتماعات عدة، تقرر منح كل ناجية أيزيدية مبلغ مليوني دينار (1800 دولار أميركي)، وهو مبلغ بسيط جداً قياساً بالنكبة التي لحقت بأبناء هذه الطائفة". لكن "من مجموع أكثر من 3500 ناجٍ، خُصصت مبالغ لـ899 شخصاً، وبعد توزيع المنحة، تبيَّن أنها وزعت إلى 852 شخصاً فقط"، بحسب قوله، معتبراً أن ذلك "شكّل استخفافاً بإنسانية الأيزيديين، ولا يتساوى مع الجوع والسبي والظلم الذي تعرضت له الطائفة".

أما عن المقابر الجماعية التي يُعلن بين فترة وأخرى عن العثور عليها، أشار قائدي إلى أنه "تم العثور على أكثر من 80 مقبرة جماعية للأيزيديين في جنوب سنجار، وفتح قسمٌ منها، لكن أكثريتها لم تفتح حتى الآن، ولا نعرف إن كانت تحوي على رفات أيزيديين أم لا، لكننا نتوقع أنها تحتوي عليه، وغالبيته يعود لرجال قتلوا على يد داعش بعد اقتحامه سنجار".

وأشار مسؤول مكتب إنقاذ الأيزيديين المختطفين على يد "داعش"، أنه "لا يزال أكثر من 80 في المائة من الأيزيديين يعيشون في مخيمات النزوح، في دهوك وأربيل والسليمانية، منذ ما يقارب ست سنوات، بسبب عدم إعمار مناطقهم المنكوبة، فضلاً عن أن كثيراً من منازلهم لم تُرفع المتفجرات عنها، إضافة إلى تهديم بعضها، وعدم تأهيل النازحين نفسياً في سبيل عودتهم إلى حياتهم الطبيعية السابقة واندماجهم بالمجتمع". وتحدث عن عمليتين وحيدتين فقط في هذا الإطار، هما "ما بادرت إليه دوائر صحة مدينة دهوك، إضافة إلى مبادرة الحكومة الألمانية باستقبال قرابة ألف شخص لمعالجتهم، ما دفع قسم منهم إلى اختيار الاستقرار في ألمانيا".

إلى جانب ذلك، أكد قائدي أن "وجود المجاميع المسلحة غير الشرعية والخارجة عن القانون، يمنع الأيزيديين من العودة إلى سنجار، فعوائلهم تفضل البقاء في مخيمات النزوح على العودة إلى تلك الناحية التي باتت معقلاً للمجاميع المسلحة غير المعروفة، والتي لا تخضع لقرارات الحكومة المركزية، وهو ما يحتاج إلى قرارات حكومية جديدة من أجل سحب هؤلاء المسلحين وعودة الشرطة المحلية، إضافة إلى التنسيق مع قوات البشمركة (الكردية) لحماية المدينة".