حصل "العربي الجديد" على معلومات من مصادر عراقية عن حراك يقوده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، من أجل وقف سلسلة الهجمات التي تنفذها الفصائل المسلحة القريبة من إيران، منذ أيام عدة، ضد قواعد عسكرية توجد بها قوات أميركية شمالي وغربي البلاد.
ويأتي حراك السوداني بعد سلسلة هجمات استهدفت قاعدة عين الأسد بالأنبار وقاعدة حرير في أربيل، وقاعدة فيكتوريا قرب مطار بغداد الدولي في العاصمة بغداد، خلال الأيام الأخيرة.
وقال أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "السوداني تحرك صوب قادة الإطار التنسيقي وبعض قادة الفصائل المسلحة، من أجل إيقاف أي تصعيد ضد القوات الأميركية الموجودة داخل القواعد العراقية في الأنبار وبغداد وأربيل".
وبيّن المستشار، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ "السوداني أبلغ قادة الإطار والفصائل (المحسوبين على إيران) خطورة هذا التصعيد، وتأثيره على استقرار حكومته، والخشية من فقدان الدعم الأميركي لحكومته، خصوصاً وهو بانتظار تحديد موعد لزيارة البيت الأبيض، وهذه العمليات يمكن أن تؤثر على الزيارة".
وأضاف أن السوداني أبلغ قادة التحالف الحاكم (الإطار التنسيقي) والفصائل المسلحة، بشكل واضح، بوجود "رسالة أميركية بأن أي إصابات أو خسائر بشرية أو مادية جراء عمليات القصف، سيكون هناك رد عسكري حازم تجاه كل متورط فيها، وهذا ما ينذر بتصعيد عسكري جديد ما بين أميركا والفصائل".
من جهته، كشف قيادي بارز في جماعة "عصائب أهل الحق"، في حديث مقتضب مع "العربي الجديد"، أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني سيعقد اجتماعاً غير معلن هذا اليوم، مع الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة، بحضور أغلب قيادات الفصائل، لمناقشة التصعيد العسكري الأخير للفصائل ضد الأميركيين، وخطورة هذا التصعيد وتأثيره على الوضع العراقي بصورة عامة".
في المقابل، قال الخبير في الشأن الأمني مؤيد الجحيشي، لـ"العربي الجديد"، إن "تصعيد الفصائل المسلحة عملياتها العسكرية ضد الأميركيين سيكون له تأثير واضح على حكومة السوداني، خصوصاً أن الرؤية الأميركية والدولية بصورة عامة بأن الحكومة الحالية هي حكومة الفصائل، وهذا الأمر ربما تترتب عليه قرارات مهمة تجاه العراق خلال المرحلة المقبلة".
وبيّن الجحيشي أن "الرد الأميركي على الهجمات المتواصلة للفصائل على القوات الأميركية، ربما سيكون حاضراً في قادم، الأيام والرد هنا قد يكون من خلال فرض عقوبات على تلك الفصائل وقادتها، أو ربما يكون من خلال عمل عسكري، كما حصل سابقاً بقصف بعض مقرات الفصائل، التي تدرك واشنطن تورطها في الهجمات الأخيرة ضد قواتها".
وأضاف الخبير في الشأن الأمني أن "تحرك السوداني من أجل تهدئة الفصائل المسلحة ومنع أي تصعيد لها ضد الأميركيين أمر طبيعي جداً، فهو يدرك أن هذه العمليات سوف تحرج حكومته بشكل كبير، وربما تكون عاملاً في زعزعة الاستقرار الحكومي، الحاصل منذ ما يقرب من عام".
ولم تصدر الحكومة العراقية أي موقف رسمي إزاء الهجمات ضد القواعد التي يوجد فيها الجيش الأميركي، التي تبنتها ما تسمى "المقاومة الإسلامية" في العراق، التي تضم فصائل عراقية مسلحة مرتبطة بإيران.
وأنهت الفصائل العراقية المسلحة الحليفة لطهران، الأربعاء الماضي، هدنة دامت أكثر من عام كامل مع القوات الأميركية الموجودة في البلاد، وذلك بعد الإعلان عن استهداف قاعدتي عين الأسد وحرير، غربي وشمالي العراق، بواسطة طائرات مسيّرة، فيما أعادت القوات العراقية تشديد إجراءاتها في محيط المنطقة الخضراء التي تضم السفارتين الأميركية والبريطانية، عقب ظهور دعوات تحشد للتظاهر أمام سفارات الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي في عدوانه المتواصل على قطاع غزة.
السوداني يحذر من استمرار العدوان
من جهة أخرى، ذكرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية أن السوداني حذر، خلال اتصال هاتفي اليوم مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من أن استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة ستكون له تداعيات خطيرة على مستوى إقليمي ودولي، مؤكدا أن الأزمة لم تبدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بل منذ عقود طويلة جراء عدم الالتزام بالقوانين والشرعية الدولية من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
ووفق بيان للمكتب الحكومي في بغداد أوردته الوكالة، فإن الاتصال ركز على "بحث التطورات المتسارعة في المنطقة، والأحداث الخطيرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة بسبب مواصلة سلطات الاحتلال الصهيوني اعتداءاتها على المدنيين في قطاع غزّة، وأهمية مواصلة الجهود لإيجاد حل سريع لما يحدث".
ونقل البيان عن السوداني تأكيده أن "استمرار تصاعد الأحداث له تداعيات خطيرة على السلم والأمن الإقليمي والدولي"، و"الاتفاق على إدامة التواصل والجهود المشتركة لوقف إطلاق النار واحتواء الصراع من أجل الوصول إلى حلول شاملة وعادلة".
وأضاف السوداني، أن الأزمة لم تبدأ في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، "بل هي متعمقة وتمتد لعقود من عدم الالتزام بالقوانين والشرعية الدولية، من قبل سلطات الاحتلال التي أخضعت شعباً بأكمله للسجن بلا ذنب، ما ولد شعوراً جارفاً بالقهر والظلم داخل فلسطين وخارجها".
كما نقل البيان عن الرئيس الفرنسي تأكيده على "ضرورة التحرّك الجاد للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع، وتجنيب المدنيين تبعات ما سيحدث".
وأشار البيان إلى أنه تم الاتفاق في ختام المباحثات الهاتفية على "ضرورة العمل من أجل تأمين الوقف الفوري لإطلاق النار، وفتح المعابر الإنسانية لدخول المساعدات إلى أهالي غزّة المحاصرين، وكذلك العمل على منع التصعيد، ووقف المعاناة الإنسانية في غزة".
وتعليقا على ذلك، قال الخبير بالشأن العراقي أحمد النعيمي، لـ"العربي الجديد"، إن العراق سيكون ثاني دولة في المنطقة بعد لبنان من ناحية امتداد الحرب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأضاف النعيمي أن "رئيس الوزراء يُدرك وضع الساحة العراقية وتحرك الفصائل المسلحة نحو أهداف ومصالح أميركية، بهجمات بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ، لذا فإن احتمالية الرد الأميركي عليها داخل العراق، مرجح للغاية اليوم أكثر من أي وقت سابق، خاصة مع تكرار تلك الهجمات".
واعتبر أن "الرأي العام في العراق بدا موحدا ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يعطي دافعا أكثر لفصائل العراق المسلحة بالدخول على خط المواجهات الحالية".