رئاسة بايدن: جردة في النصف الأول واستشراف الباقي منها

20 ديسمبر 2022
أخطاء الحزب الجمهوري تحولت إلى مكسب لبايدن كما تحول خطأ بوتين في أوكرانيا (Getty)
+ الخط -

في مثل هذه الأيام من السنة، تقوم الإدارة الأميركية بعملية جرد لحصاد العام المنصرم، مع تقديم شيء من الخريطة لعامها المقبل. إدارة الرئيس جو بايدن اتبعت هذا التقليد، لكن على أساس كل سنتين بدلاً من سنة، بعد أن خرّب كوفيد العمل بالقاعدة السنوية.

وقد قام جيك سوليفان، مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، بهذه المهمة من خلال محادثة معه في مؤسسة "كارنغي" للدراسات في واشنطن، استمرت لأكثر من ساعة، وتناول خلالها معظم القضايا والتحديات المحلية والخارجية التي واجهتها الإدارة في النصف الأول من الرئاسة والمهام التي تنوي القيام بها في النصف الثاني.

الشق الخارجي في عرضه دار حول التوجهات وخطوطها العريضة التي غابت عنها التفاصيل بقدر ما غاب عنها الشرق الأوسط، ما عدا الانسحاب من أفغانستان. وكان ذلك لافتاً وقرأه البعض بأنه تأكيد جديد لهامشية المنطقة في حسابات إدارة بايدن، مقارنة ببقية الأولويات.

واللافت الآخر أن لهجته كانت مخففة بالنسبة إلى الصين. تحدث عن أن المنافسة معها "لا ينبغي أن تحصل في إطار النزاع". وهذا كلام جديد يشير إلى نية لتبريد العلاقات بعد صيف ساخن إن لم يكن في حلحلتها. ويأتي ذلك بعد لقاء بالي في إندونيسيا الشهر الماضي بين الرئيسين بايدن وشي جين بينغ، الذي انتهى إلى نوع من "الهدنة" بين البلدين، كانت قد ترجمت بزيارة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن، هي الأولى لبكين في مطلع العام القادم.

كذلك عرج سوليفان على الملفات الساخنة، من حرب أوكرانيا إلى أزمات الطاقة والتضخم والأمن الغذائي والمناخ وكوفيد وتداعيات التجارة الدولية وخطوط إمداداتها. وقال إن الانسحاب من أفغانستان حصل في الوقت المناسب عشية تجمّع هذه التحديات مع بعضها، وخصوصاً حرب أوكرانيا التي شدد على تمسك الإدارة بسياسة الدعم الذي توفره واشنطن لمواجهة الروس، لكن من دون أن يغفل الإشارة إلى خيار المفاوضات "التي ليس وقتها الآن"، مع ترك الباب مفتوحاً "لأن المستقبل لا يمكن التكهن به".

وهذا الخط الضبابي اعتمدته الإدارة الأميركية من البداية، وتبلور أكثر في الفترة الأخيرة، إذ راوح بين محاولات جسّ نبض الكرملين والتجاوب مع إشارات صدرت عن موسكو بحسبان أنها قد تكون رسائل أو تلميحات باتجاه التحرك نحو بديل من الميدان، ولو أن معظم التقديرات، وخاصة العسكرية، تميل إلى استبعاد أي بوادر من هذا النوع قبل الربيع القادم، على أساس أن التعب الروسي قد يكون بدأ يضغط بحثاً عن مخرج.

شدد سوليفان على أن الإدارة أنجزت في أول سنتين ما سمّاه بناء مستلزمات رؤيتها الخارجية، وأنها تعتزم تطبيقها في الباقي من عمر الإدارة. في هذا الصدد تعوّل الإدارة على ورقتي "التحالفات" الخارجية و"الاستثمارات" في الداخل بغية بناء وضع محلي "قوي" قادر على الارتباط بالخارج "لخلق نظام" دولي مواتٍ "للنمو والمنافسة" وتعزيز الديمقراطية.

مثل هذا التصور، في أحسن حالاته، طموح غير متوافرة شروطه. فالحديث عن نظام دولي جديد في عالم غارق في حالة "لا نظام"، سابق لأوانه. "النظام الموروث يتلاشى وينتهي مع حرب أوكرانيا" يقول ماكس بوت من مجلس العلاقات الخارجية. وهذا المتلاشي "نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية" بعد حسمها لمصلحة الحلفاء والغرب خصوصاً.

الحديث عن نظام دولي جديد في عالم غارق في حالة "لا نظام" سابق لأوانه

حرب أوكرانيا لم تنتهِ بعد، ولم تُحسَم لمصلحة هذا الطرف أو ذاك. بالتالي، وقياساً على ما حصل في منتصف أربعينيات القرن الماضي، لا يستقيم الحديث الآن عن نظام جديد تزعم إدارة بايدن أنها تعمل لإقامته، ولا سيما أنها غير مستقرة على خط في سياستها الخارجية، باستثناء موقفها من حرب أوكرانيا.

مع الصين هي متقلبة بين التسخين معها ومحاولات احتوائها. مع كوريا الشمالية، وكذلك مع إيران، فضلاً عن بقية الشرق الأوسط، تكتفي الإدارة بالصمت أو بالاحتفاظ بالوضع القائم ومعادلاته. تملك الوضوح فقط في أوكرانيا المفتوحة حربها على أكثر من احتمال. والمفارقة أن حرب بايدن بالوكالة، أو هكذا يجري التعامل معها، عززت رصيده الداخلي، على الأقل حتى الآن. ويسجل المراقبون لإدارته أيضاً أنها شدت أواصر التحالف الآسيوي الذي تغذى من "الخوف من الصعود الصيني" في حوض المحيط الهادئ والهند الصينية. يضاف ذلك إلى انتعاش وضعه في الداخل بعد الانتخابات النصفية التي صبت في مصلحته.

أخطاء الحزب الجمهوري وأوضاعه المتردية بعد تسليم أمره لقيادة ترامب، تحولت إلى مكسب لبايدن، كما تحول خطأ بوتين في أوكرانيا إلى الخانة نفسها. الظروف خدمت بايدن أكثر مما أنتجته سياساته في السنتين الماضيتين. وقد تبقى هذه المعادلة على حالها عموماً في السنتين القادمتين. وهذ ما يفسر ميل الرئيس حسب التسريبات، إلى خوض معركة 2024 برغم تقدمه في السن، غير المسبوق في تاريخ الرئاسة الأميركية.

المساهمون