ذكرى صامتة للانتفاضة: لا أحد يريد تذكرها

30 سبتمبر 2014
عدم الإشادة بانتفاضة الأقصى يعود إلى بعدها المسلح (Getty)
+ الخط -
بصمت خجول، تمرّ ذكرى انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى"، لا السياسيون التفتوا إليها ولا الفصائل والحركات السياسية احتفت بها، حتى الإعلام مرّ على المناسبة مرور الكرام، من دون ضجيج. هي الانتفاضة التي كانت الرد الطبيعي لانسداد في أفق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية عام 2000، لتحصد قادة الفصائل والحركة الوطنية الفلسطينية من الزعيم الراحل، ياسر عرفات، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أبو علي مصطفى، ومؤسس حركة حماس، الشيخ أحمد ياسين، والقيادي، عبد العزيز الرنتيسي، بعدما خلف الشيخ ياسين، مئات من القادة الميدانين ومن مختلف الفصائل الفلسطينية.

ترى أوساط من المحللين السياسيين، أن المستوى الرسمي في السلطة الفلسطينية لن يشيد بانتفاضة الأقصى، بسبب بُعدها المسلح، وتصاعد العمليات العسكرية والاستشهادية التي تصدّرتها أبرز أربعة فصائل فلسطينية في الأرض المحتلة، وهي كتائب شهداء الٌأقصى التابعة لحركة "فتح"، كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة "حماس"، كتائب أبو علي مصطفى الذراع العسكرية للجبهة الشعبية، و"سرايا القدس" لحركة الجهاد الإسلامي.

وانفردت هذه الفصائل على مدار السنوات الخمس الأولى من 2000 إلى 2005، بالقرار الفلسطيني على الأرض، فيما انقسم المستوى السياسي الفلسطيني ما بين داعم للأعمال العسكرية على الأرض أو رافض لها، لكنه آثر الصمت أمام تيار الشارع الغاضب الذي تكبّد خسائر بشرية ومادية فادحة، ورأى في المقاومة المسلحة الرد الوحيد للدفاع عن وجوده أمام آلة الموت الإسرائيلية التي قتلت الشعب واغتالت وحاصرت قادته.

وتشير المصادر إلى أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وقّع في فبراير/شباط 2005 اتفاقية تهدئة مع أرييل شارون في قمة جمعتهما في شرم الشيخ، التزم بموجبها بالتهدئة من الطرف الفلسطيني ووقف العمليات ضد إسرائيل، ثم تبنى فكرة سحب الأسلحة من فصائل المقاومة الفلسطينية.

والتزاماً بذلك سرعان ما أمسك عباس بزمام الأمور عام 2006، إذ توصلت القيادة الفلسطينية إلى تفاهمات مع الطرف الإسرائيلي لوقف إطلاق النار بين كتائب شهداء الأقصى والاحتلال، تم إثره وضع ثلاثة تصنيفات للمطاردين من كتائب شهداء الأقصى لقوات الاحتلال؛ بعضهم تم اعتقاله في المقرات الأمنية، وآخرون في أماكن سكناهم المصنفة "أ" وجزء آخر تم إبقاؤه في رام الله، لكن جزءاً من مطاردي "فتح" الذين اعتبرتهم إسرائيل خطراً عليها، تمت تصفيتهم واغتيالهم، لأن التفاهمات لم تشملهم، أما المطاردون من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والجبهة الشعبية، فقد تُركوا لمصيرهم: إما الاغتيال أو الاعتقال في أفضل الأحوال.

ويرى المحلل السياسي علاء الريماوي "أن السلطة الفلسطينية لن تشيد بانتفاضة كانت المقاومة المسلحة عنوانها، لأنها تخشى النقد الإسرائيلي". ويقول لـ"العربي الجديد" إنه "في المجمل لدينا مشكلة في متابعة القضايا الوطنية، سواء بقصد أو من دون قصد، ولا أحد بريء من التغاضي عنها، ولا سيما الفصائل الفلسطينية التي أصبحت لا تشكل أكثر من ديكور لزوايا منظمة التحرير الفلسطينية".

ضمن هذه الظروف، اقتصر إحياء انتفاضة الأقصى في الضفة، على ثلاثة بيانات هزيلة للقوى الوطنية والإسلامية، بكلمات ضبابية مطاطة، وعلى بيانين آخرين أحدهما لأحد أعضاء المجلس الثوري لحركة "فتح" فهمي الزعارير وآخر لحركة "حماس" وجميعها مغموسة بشعارات وكلمات عامة ومكررة.

حتى الجامعات الفلسطينية التي كانت تعتبر دفيئات لكل الأعمال الوطنية وبوصلتها، إذ خرّجت قادة العمل الوطني، وكان نصيبها من الشهداء "حصة الأسد"، فقد مرت هي الأخرى على الذكرى وكأنها لا تعنيها. وفي حين تفرد هذه الفصائل لأذرعها الطلابية آلاف الدولارات لإحياء ذكرى انطلاقتها أو تنظيم مهرجانات لاستعراض عضلات حضورها في انتخابات مجالس الطلبة أو افتتاح الأعوام الدراسية بهدف استقطاب الطلبة الجدد، لم تكترث بإحياء ذكرى انتفاضة الأقصى أو حتى الإشارة إليها.

وتحمّل أوساط من المحللين المسؤولية في ذلك للإعلام الفلسطيني، الذي باتت أجندته بعيدة عن الهم الوطني، ويتفاعل مع الأحداث بصورة روتينية، إذ تتصدر أجندته الأخبار والتقارير ذات المصادر الإسرائيلية، أو الأخبار البروتوكولية للرئيس الفلسطيني، فيما غيّب الرواية الفلسطينية الحقيقية على الأرض للمخيمات والقرى والمدن، وبات يتعامل مع الشهداء والأسرى كمادة أرقام ليس أكثر.

ويرى متابعون للمشهد الإعلامي الفلسطيني، أن الإعلام الفلسطيني فصائلي بامتياز، ولكل وسيلة إعلامية أجندتها التي تعتبر أولويتها الترويج للفصيل أو الدفاع عنه بعد أن باتت ذراعها في الانقسام السياسي لا سيما بين حركتي" فتح" و"حماس".

ويعتبر محاضر الإعلام في جامعة بيرزيت، محمد أبو الرب، أن "غياب إحياء ذكرى انتفاضة الأقصى يعود الى غياب رؤية فلسطينية لدى الفصائل الفلسطينية، وعدم إحياء الذكرى ليس أكثر من هروب من المسؤولية، وجزء من حالة التيه وغياب الاستراتيجية الذي هو أبرز ملامح المشهد الوطني الفلسطيني اليوم". ويشير أبو الرب إلى أن "إحياء ذكرى انتفاضة الأقصى قد يثير أسئلة مهمة، لا أحد يستطيع الإجابة عنها، مثل كيف استثمرنا هذه الانتفاضة؟، وماذا أنجزنا حتى الآن؟".

وفي ظل غياب إعلام فلسطيني ليست المقاومة على أجندته بشكل استراتيجي، فإن فرصة توثيق رواية انتفاضة الأقصى التي استشهد فيها أكثر من خمسة آلاف فلسطيني، واغتيل خلالها رموز الحركة الوطنية الفلسطينية، وسجلت مئات البطولات الفردية التي استبسلت في الدفاع عن فلسطين ضد الاحتلال في عملية "السور الواقي" عام 2002 أو معركة مخيم جنين، تبقى فرصة ترسيخ هذا الفصل في المقاومة بالشكل المطلوب ضعيفة ومحدودة.

يبدو الاحباط الشديد سيد الموقف. ويقول جمال حويل، وهو أحد قادة "كتائب شهداء الأقصى" الذين شاركوا في معارك مخيم جنين، وأمضى تسع سنوات من عمره في المعتقلات الإسرائيلية لـ"العربي الجديد"، إنه "يوجد غياب كلي للتعبئة الوطنية الحقيقية، الأمر تعدى نحت الوعي لدى الأفراد إلى الفصائل الفلسطينية في حد ذاتها".

ويضيف "لا يوجد أمل، ولا أفق سياسي، أصبحت مناسبة وطنية مثل انتفاضة الأقصى التي دفع فيها الراحل أبو عمار حياته، تمرّ بصمت مطبق". ويتابع حويل: "ربما ينسحب الأمر على جميع المناسبات الوطنية المفصلية، ففي العام الماضي، لسببٍ ما، لم يحتفل مخيم جنين على عادته بذكرى صموده أمام آلة الجيش الإسرائيلية وانتصاره عليها".

المساهمون