ذكرى ثورة يناير: سيناء من الأمل حتى تمدد إسرائيل

26 يناير 2022
يعاني أهالي سيناء من غياب الخدمات الأساسية (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

كانت محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، طيلة العقود الماضية، من أكثر المحافظات المصرية التي عانت من الإهمال والظلم. إلا أن ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، أيقظت أمل أهالي سيناء بالخروج من نفق الإهمال، وأن يعامل المواطن السيناوي كما بقية المواطنين المصريين.

لكن فترة العامين التي امتدت منذ سقوط الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، والتي كانت بمثابة جزء مقتطع من تاريخ حياة السيناويين تنفسوا فيه الصعداء، انتهت ليعودوا للعيش في أوضاع أسوأ مما كان عليه حالهم قبل الثورة.

شماعة الإرهاب في سيناء

خلال الثورة، تمكّن أهالي سيناء من التمتع بحقوقهم الأساسية، كحرية الحركة والتنقل والتملك والتعليم والسفر وإقامة المناسبات وإحياء الشعائر الدينية بأشكالها ومواسمها كافة.

هذه الحقوق وغيرها كانت مسلوبة على يد أجهزة الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً)، وجهازي المخابرات العامة والحربية، والتي كانت لها مقرات لملاحقة المواطنين في شمال سيناء.

ووصل الحد بهذه الأجهزة إلى اختطاف المواطنين بتهمة إطلاق اللحى، كما يقول عدد من سكان المحافظة، في روايتهم لتفاصيل تلك الفترة لـ"العربي الجديد".

كان واضحاً أن النظام المصري الذي أنهى الثورة في يوليو/تموز 2013 كانت لديه مهمة خاصة بسيناء، ووضعها من أهم الملفات على طاولة النظام الجديد آنذاك. فبالتزامن مع عزل مرسي، تحركت آليات الجيش باتجاه إغلاق أنفاق نقل أساسيات الحياة إلى غزة، ومعها هدمت عشرات المنازل، ولاحقت المواطنين في تفاصيل حياتهم.


تمدد التهجير ليطاول الآلاف من سكان رفح والشيخ زويد وبئر العبد وغيرها


وبالتزامن مع ذلك، نشط الإرهاب في سيناء، ليصبح الشماعة التي دفع ثمنها أهالي سيناء، فبعد أشهر قليلة بدأت عملية التهجير القسري لـ100 ألف مصري هم سكان مدينة رفح الحدودية، ومن ثم تمدد شبح التهجير حتى طاول قرى الشيخ زويد والعريش وبئر العبد ووسط سيناء.

وكانت "العربي الجديد" قد أجرت مقابلة مع رئيس اتحاد قبائل سيناء إبراهيم المنيعي قبل وفاته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال فيها إن "الظلم الذي كان واقعاً على أبناء سيناء تسبّب في تحرك الشارع بسيناء، خصوصاً مدينتي رفح والشيخ زويد، منذ بدء فعاليات الثورة في القاهرة، إلى أن بلغت ذروتها في الجمعة الأولى من الثورة".

وأكد أن "المواطنين في سيناء وقفوا بالمرصاد في وجه الشرطة في ثورة يناير؛ لأن القوات المنتشرة كانت تتهيأ لقمع المواطنين بصورة همجية".

وأضاف أن "مطالب أهالي سيناء كانت في ذلك الحين تتلخص في الإفراج عن مئات المعتقلين من أبناء سيناء من دون تقديم لوائح اتهام ضدهم، والتحفظ عليهم في سجون عسكرية، من دون السماح لأهاليهم بزيارتهم على مدار سنوات طويلة".

وكشف المنيعي أن "بعض ضباط جهاز أمن الدولة في ذلك الحين والمسمّى حالياً الأمن الوطني، تواصلوا معه في سبيل الإفراج عن شقيقه وعدد من المعتقلين مقابل وقف التظاهرات، وانسحاب المواطنين من الشوارع"، إلا أنه رفض ذلك العرض إلى أن انتهت الثورة بخلع مبارك من دون الإفراج عن المعتقلين، فيما تم الافراج عن غالبيتهم بعد أشهر على دفعات عدة.

لا تنمية حقيقية في سيناء

أما عن أوضاع سيناء اليوم، فقال أحد مشايخ القبائل في الشيخ زويد، أبو سلمان السواركة، لـ"العربي الجديد": "نحن في أسوأ أحوالنا، والنعمة التي عشناها فترة الثورة وحكم الرئيس مرسي، باتت نقمة علينا، وبتنا نحاسب على تلك الحرية التي تنعمنا بها".

وأضاف: "للأسف لا تزال الدولة تنظر إلينا على أننا لسنا مصريين، وكل ما يتم تداوله عن تنمية سيناء وتطويرها، هو للتداول الإعلامي، وتسجيل مواقف وطنية بلا رصيد على أرض الواقع".


أحد مشايخ الشيخ زويد: مئات السيناويين في غياهب السجون بلا تهمة ولا ذنب


ولفت إلى أن "سيناء بإمكانها أن تكون خادمة لمصر بأكملها، في النواحي الزراعية والاقتصادية والصناعية، ولو أراد النظام المصري ذلك عليه أن يفتح الباب واسعاً أمام أهلها للانطلاق فيها وتعميرها، بدلاً من ملاحقتهم وتدمير منازلهم ومزارعهم، واختطافهم وتغييبهم قسرياً".

وأشار إلى أن "التنمية الحقيقية تبدأ من احترام الإنسان وتوفير الدعم اللازم له للاستمرار في الحياة على الأرض التي تُعتبر خط الدفاع الأول عن مصر بأكملها، إلا أن الدولة تصر على إهانة المواطن السيناوي، واعتباره مواطن درجة ثانية وثالثة بل الأخيرة في تصنيف المواطنين في نظر الدولة".

وتابع: "حتى اليوم لا يزال مئات السيناويين في غياهب السجون المصرية، بلا تهمة ولا ذنب سوى أنهم من سيناء، وتم اختطافهم خلال العمليات العسكرية في مواجهة تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش الذي اكتوى بناره المواطنون في سيناء أكثر من الدولة نفسها".

من جهته، قال أحد مدرسي مدينة رفح المهجرين ويدعى زياد عودة لـ"العربي الجديد"، إنه على مدار سنوات ما بعد الانقلاب على الثورة، خسرت سيناء الآلاف من سكانها بين قتيل وجريح ومفقود، ودمرت فيها آلاف المنازل والفدانات الزراعية، وكذلك غابت عنها عشرات المدارس والمراكز الصحية ومئات الكيلومترات من الطرق والبنى التحتية، وباتت بلا كهرباء ولا ماء واتصالات، إلا في نطاق محدود.

وأضاف أن "حال سيناء ليس كبقية المحافظات المصرية التي تحظى بكل ما سبق كحقوق أساسية لا يمكن للدولة تجاوزها، مهما بلغت إجراءاتها وتضييقها على المواطنين".

واعتبر أن "النظام المصري أراد إنهاء الحياة في سيناء إلى الأبد، وأن تصبح أرضاً جرداء بلا قيمة"، مضيفاً "سيناء كُتب عليها العناء والإهمال، مع عدا عامي الثورة وحكم مرسي، فتنفس فيها السيناويون الصعداء نوعاً ما، وهي أيام سيبقى أهالي شمال سيناء يتمنون عودتها مجدداً".

ارتياح إسرائيلي لأوضاع سيناء

ولعل الأخطر بعد 11 عاماً على الثورة، أن الاحتلال الإسرائيلي لم يعد يشعر بالقلق من مصر كلها، وفي مقدمتها أرض سيناء التي كانت مصدر إزعاج له، يترقب فيها كل تحرك.

من الناحية العسكرية والأمنية، يشير المشهد إلى أنه بعد تهجير سكان مدينة رفح المصرية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014، بحجة إقامة منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة، بات جيش الاحتلال الإسرائيلي وضباطه لا يهابون الدخول إلى أرض سيناء، لتنفيذ مهام استخبارية وعسكرية، تتعلق بالمقاومة الفلسطينية، وفقاً لمعلومات نشرتها "العربي الجديد" في وقت سابق.

كما أن الطائرات الإسرائيلية تشن غارات على سيناء منذ عام 2012 وحتى اليوم، ولطالما وثّق أهالي سيناء قصف الطيران الإسرائيلي لأراضيهم، وعلى مرأى من الجيش المصري.

مخاوف من ترتيبات لتنفيذ "صفقة القرن"

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من نجاح السلطات بإعداد بنية تحتية استراتيجية تصلح لأن تكون مقومات دولة متواضعة في سيناء، شملت مشاريع توسيع مطار وميناء العريش، وإقامة محطات كهرباء وتحلية مياه ومناطق سكنية، وطرق دولية، إلا أن المواطن المصري لم يستفد منها.


الترتيبات الجديدة في سيناء، خصوصاً الاقتصادية، تحيي المخاوف من مخطط لتنفيذ "صفقة القرن"


لكن الترتيبات الجديدة في سيناء، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، تحيي المخاوف من مخطط لتنفيذ الطموحات الإسرائيلية الأميركية، كما ورد في خطة الإملاءات لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة بـ"صفقة القرن"، تحديداً في ما يتعلق بتحويل جزء من سيناء المصرية إلى مكان يستوعب جزءاً من سكان غزة.

وعلى الرغم من أن النظام المصري يحاول رسم مشهد انتصار للجيش بقدرته على إحداث تغييرات في الملحق العسكري من اتفاقية كامب ديفيد، المتعلق بانتشار الجيش المصري في سيناء، واعتبار ذلك فرضاً على إسرائيل، والتي كان آخرها قبل أشهر، في أعقاب لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي برئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينت في شرم الشيخ، بيد أن المشهد يقول غير ذلك.

وتركز نشاط الجيش المصري في العقد الأخير على ملاحقة التنظيمات التي تحدث قلقاً لإسرائيل أكثر من مصر نفسها، وكذلك منع حركة التهريب في طريق المقاومة بغزة والسكان هناك، وليس تعزيزاً للجيش المصري في مواجهة الأخطار الخارجية المتمثلة في الاحتلال الإسرائيلي.

وتعقيباً على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن المشهد الميداني انعكاس للعلاقة السياسية والأمنية التي باتت تربط النظام المصري بالاحتلال الإسرائيلي منذ انقلاب 2013.

وأضاف أن الغارات الإسرائيلية والتحرك الميداني لقوات الاحتلال على الأرض المصرية، وتسهيل حركة المتعاونين مع الاحتلال عبر الحدود، وتبادل المعلومات عن الجماعات الجهادية في سيناء، وكذلك خطوط إمداد المقاومة الفلسطينية، باتت أموراً روتينية ومعروفة لدى الجميع في سيناء.

ولفت الباحث إلى الطمع الإسرائيلي بزيادة حجم التعاون الأمني والعسكري، واستغلال الحالة القائمة في مصر لتحقيق إنجازات ملموسة على الأرض لا يمكن تغييرها، وتعطي مجالاً أوسع لإسرائيل خلال الأعوام المقبلة حتى مع تبدل الشخصيات على سدة الحكم.

ورأى أن أرض سيناء باتت مكشوفة تماماً للاحتلال الإسرائيلي، في ظل تشريد آلاف السكان الأصليين، وتحويل المناطق السكانية التي تمثل ذخراً استراتيجياً للأمن القومي المصري، إلى أرض جرداء، يمكن للعدو احتلالها وقتما شاء.

ولفت إلى أن الأنظمة المصرية السابقة حرصت على إبقاء السكان في أقرب النقاط مع الحدود الفاصلة بين مصر وفلسطين المحتلة، إلا أن نظام السيسي كان حريصاً على إبعاد السكان أكبر قدر ممكن عن الحدود، من دون أن يكون لذلك أهمية على الصعيد المصري.

واعتبر أن الأسباب الظاهرة والخفية تشير إلى استفادة إسرائيلية بالدرجة الأولى على حساب المواطن والأمن المصري على حد سواء.

المساهمون