أوضح تقرير لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية أن الاشتباكات التي اندلعت في السودان بين الجيش و"قوات الدعم السريع" في 15 إبريل/نيسان الماضي تذكي لهيب نيرانها قوى من خارج السودان، ويشترك في نشر فوضاها أمراء حرب وانتهازيون ومن كانوا يتحينون مثل هذا الوضع.
وبحسب "ذا غارديان"، فإن التقارير الإخبارية القادمة من السودان ركزت في جزئها الأكبر على حرب الشوارع في عاصمة الخرطوم، والضحايا بين صفوف المدنيين، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وعمليات إجلاء الرعايا الأجانب، وتوقفت عند خطوط الإمداد العابرة للصحراء التي أشارت إلى أنه رغم كونها تفصيلاً آخر ضمن مجريات الأحداث في شموليتها، فإنها تكشف معها طبيعة هذا الصراع.
وفي التفاصيل، لفتت الصحيفة البريطانية إلى أن شاحنات تنقل عبر الصحراء النفط من مدينة الجوف الليبية، بالإضافة لكميات أقل من الذخيرة والأسلحة والأدوية لقوات الدعم السريع، لمساعدتها في الحرب ضد الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، الحاكم العسكري الفعلي للسودان. وأضافت أن اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر هو من يتولى إرسالها مستفيداً من سيطرة مليشياته على الشرق الليبي، موضحة أن من بين الإمدادات صواريخ مضادة للدبابات جرى نهبها قبل عقد من الزمان من مخازن النظام الليبي السابق، ويجرى نقلها جواً عبر مطار الجوف.
وأشارت "ذا غارديان" إلى أن حفتر يرسل تلك الإمدادات إلى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) لأن داعميه من المنطقة طلبوا منه ذلك، ولأنه يحصل على أموال كبيرة نظير ذلك. وخلصت إلى أننا في واقع الحال أمام أمير حرب في نزاع يساعد أمير حرب آخر في نزاع ثان، بطلب من دولة خارجية.
وقالت الصحيفة إن شاحنات الإمداد التابعة لحفتر تكشف الكثير، مشيرة إلى أن حفتر عرض مساعدة حميدتي، لكنه في الآن نفسه حاول الموازنة بحذر بين إرضاء حلفائه في الإمارات، الذين تربطهم شراكة كبيرة مع حميدتي في قطاع الذهب، وعدم إغضاب داعميه في مصر، الذين يساندون البرهان. وأضافت أنه من هنا تبرز الحاجة لإبقاء إمدادات النفط بعيداً عن الأنظار. وبحسب مسؤول ليبي سابق قالت الصحيفة إنه على اطلاع على وثائق استخبارية، فإنه يجرى اتخاذ احتياطات كبيرة لإخفاء نحو 10 آلاف برميل نفط يومياً في ليبيا، يجرى تحويلها في مصفاة السرير قبل إرسالها إلى قوات حميدتي.
وأوضحت "ذا غارديان" أن هذه المساعدة ليست مجانية، حيث يباع النفط المكرر لقوات الدعم السريع، ما يدر عوائد مالية كبيرة لفائدة عائلة حفتر بأكملها وباقي شبكة أعماله. "الذهب يخرج، ثم يأتي النفط، وكل شيء يؤدى عنه عبر تحويلات مالية ضخمة"، كما ورد في تقرير الصحيفة الذي شدد على أن ما يجري هو توسيع لأنشطة في زمن الحرب لشراكات كانت قائمة من عقد من الزمن أو أكثر. وتساءلت الصحيفة "هل يجرى خرق أي قوانين؟ ربما. هل يستطيع أحد ما وقف هذه الأنشطة؟ شبه مؤكد لا. هل ستحقق النصر لحميدتي؟ غير وارد. هل ستؤدي لإطالة أمد النزاع؟ بالتأكيد".
A war for our age: how the battle for Sudan is being fuelled by forces far beyond its borders https://t.co/lwVldccvuG
— The Guardian (@guardian) April 30, 2023
وأضافت الصحيفة أن ما يقع الآن في السودان يجسد الحروب الراهنة، التي تصبح فيها الحدود غير ذات معنى، ويصبح التحكم في الموارد هو المطلوب، مع صعود قوى على الحدود بين الدول تحاول الانتقام من النخب التي كان مسيطرة في المركز. كما تصبح شبكات التهريب المنتشرة في الصحراء في الحروب الراهنة، وفق "ذا غارديان"، في حد ذاتها، امتداداً لساحة المعركة، ما يفسح المجال أمام عدد كبير من الفاعلين للتدخل من أجل تحقيق مصالحهم أو تنفيذ أجندتهم الخاصة، بشكل يفوق بكثير من يسعون إلى وقف الحرب.
ولفت تقرير الصحيفة البريطانية إلى أن الاشتباكات في السودان أزاحت معها القناع عن عدد من المتدخلين المزعزعين للاستقرار مثل حفتر ومجموعة "فاغنر" للمرتزقة الروس، وشبكات الإجرام المتورطة في كل شيء، بدءاً بتهريب المخدرات ووصولاً إلى سرقة القطع الأثرية من خلال استغلال حالة الفوضى. وخلصت إلى أن ما يقع في السودان هو مواجهة بين أمراء حرب، صغاراً كانوا أم كباراً، يعاني فيها أكثر، كما هو على الدوام، الفقراء والضعفاء ومن لا يحمل سلاحاً.