يستعد المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا، لعقد مشاورات ثنائية غير رسمية بنيويورك مع ممثلين عن الأطراف المعنية بالنزاع، في ما يبدو أنه امتحان جديد لقدرته على دفع الأطراف إلى استئناف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، وتجاوز الانسداد الحاصل منذ استقالة سلفه هورست كولر.
ويُنتظر أن يعقد دي ميستورا المشاورات الثنائية غير الرسمية مع ممثلين عن المغرب، وجبهة "البوليساريو"، والجزائر، وموريتانيا، وكذلك أعضاء "مجموعة أصدقاء الصحراء" التي تضم الاتحاد الروسي، وإسبانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وذلك قبل إحاطته نصف السنوية التي سيقدمها أمام مجلس الأمن الدولي في شهر إبريل/ نيسان المقبل.
وبحسب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، فإن الغرض من المشاورات مناقشة الدروس المستفادة من العملية السياسية، وتعميق تدارس المواقف، ومواصلة البحث عن صيغ مقبولة للطرفين لدفع العملية السياسية قدماً.
وكشف دوجاريك، خلال إحاطة صحافية قدّمها أمس الثلاثاء، عن أن المبعوث الشخصي للأمين العام إلى الصحراء أعرب عن أمله في إمكانية التوصل إلى حلّ سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ويأتي إعلان عقد المشاورات الثنائية غير الرسمية في وقت يواجه فيه دي ميستورا تحدي إقناع الأطراف باستئناف ما بدأه سلفه كولر من مساعٍ دبلوماسية، أثمرت جمع المغرب، والجزائر، وموريتانيا، و"جبهة البوليساريو" حول طاولة المفاوضات في سويسرا، في ديسمبر/ كانون الأول 2018، وفي مارس/ آذار 2019.
ومنذ تعيينه في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، لم يفلح دي ميستورا في دفع أطراف النزاع للجلوس إلى طاولة المفاوضات من خلال آلية "الطاولات المستديرة"، حيث بدت مهمته، خلال الأشهر الماضية، صعبة، خصوصاً في ظل إعلان الجزائر رفضها تلك الآلية، ومطالبتها بمفاوضات مباشرة ومن دون شروط، بين المغرب و"البوليساريو" فقط، فيما تعتبر الرباط جارتها الشرقية معنية بالنزاع مباشرةً.
كذلك ألقى واقع التوتر السائد في علاقات الرباط والجزائر والخلافات العميقة بينهما، منذ إعلان الأخيرة، في 24 أغسطس/ آب من عام 2021، قطع علاقتها مع جارتها الغربية من جانب واحد، بظلاله على مساعي المبعوث الشخصي لتحقيق أي اختراق في جدار ملف الصحراء.
وزاد من صعوبة مهمته كذلك التوتر والخلافات العميقة بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، منذ اندلاع أزمة معبر الكركرات (مع موريتانيا)، التي انتهت في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بإعلان الجبهة عدم التزامها قرار وقف إطلاق النار الموقع عام 1991، بعد نجاح الجيش المغربي في تأمين المعبر الحدودي، وطرد عناصر محسوبة على الجبهة منه، بعد أسابيع من تمكّنها من إغلاقه في وجه تدفق الأشخاص والبضائع بين المغرب وموريتانيا.
ورأى مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" عبد الفتاح الفاتيحي، أن المشاورات غير الرسمية يمكن اعتبارها مقدمة مبدئية لدفع الأطراف إلى إنجاز إحدى أهم توصيات القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء رقم 2654 (صدر في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي)، حيث يعتبر الجزائر طرفاً رئيسياً في النزاع، ويدعوها إلى المساهمة الإيجابية لإيجاد أرضية توافقية تقود إلى انعقاد الموائد المستديرة، باعتبارها الآلية الأممية التي أقرها مجلس الأمن الدولي كأساس لاقتراح تسوية سياسية متوافق بشأنها للنزاع المفتعل حول الصحراء.
وأوضح، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "وإن كانت هذه اللقاءات تندرج في إطار إعداد المبعوث الشخصي لتقديم تقريره نصف السنوي أمام مجلس الأمن الدولي منتصف إبريل المقبل، إلا أن قبول الأطراف بالعودة إلى المشاورات تحت قيادة دي ميستورا، دليل على وجود توجه أممي حازم لتفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 2654".
واعتبر أن مباشرة المبعوث الشخصي مشاورات ثنائية مع الأطراف بنيويورك، تشمل ممثلين عن الجزائر وموريتانيا، يشي بأن دي ميستورا يراهن على التعجيل بانطلاق انعقاد الموائد المستديرة.
وعن إمكانية أن تدفع المشاورات الثنائية غير الرسمية في اتجاه تحقيق تقدم في مسار العملية السياسية، قال الفاتيحي إن نجاح دي ميتسورا خلال هذه الاجتماعات سيكون بداية تراجع الجزائر و"البوليساريو" عن رفضها لقرارات مجلس الأمن الدولي، ومؤشراً على بداية انصياع الطرفين لتوصيات مجلس الأمن الدولي، ولا سيما أن المشاورات تشمل أيضاً أعضاء "مجموعة أصدقاء الصحراء"، بما فيها إسبانيا، والولايات المتحدة، وروسيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا.
وبحسب المتحدث ذاته، فإنه "في ظل تقدير المواقف السياسية لدول مجموعة أصدقاء الصحراء التي تعتبر مقاربة الحكم الذاتي حلاً واقعياً وعملياً ومستداماً، فإنه لن يكون أمام الجزائر و"البوليساريو" بموقفهما المتطرف، سوى الانصياع لمضمون توصيات قرار مجلس الأمن الدولي الأخير حول الصحراء".
ولفت إلى أن دي ميستورا يلقى تأييداً قوياً من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، من بينها الولايات المتحدة الأميركية، للتسريع باستئناف الأطراف، المغرب، وجبهة "البوليساريو"، والجزائر، وموريتانيا، مفاوضات الموائد المستديرة.
وتسعى الرباط لإيجاد حلّ سياسي على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وفي إطار مسلسل الطاولات المستديرة، وبحضور الأطراف الأربعة (المغرب، الجزائر، موريتانيا، جبهة البوليساريو).