يواجه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أول تحدٍ أمني له منذ تشكيل حكومته، نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، في ديالى، شرقي البلاد، الحدودية مع إيران، وذلك بعد تصاعد أعمال العنف في مدن المحافظة، مُخلفة، خلال شهر، أكثر من 30 قتيلاً وجريحاً.
وتشير أصابع الاتهام إلى مليشيات مسلحة وعصابات الجريمة المنظمة بالوقوف خلف عدد غير قليل من تلك العمليات. ودفعت العمليات، التي بلغت ذروتها الأسبوع الماضي بهجومين أسفرا عن مقتل وإصابة 11 مدنياً، السوداني إلى التوجه للمحافظة، يوم الأربعاء الماضي، برفقة كبار قادة الجيش والشرطة والأمن الوطني، وعقد سلسلة من الاجتماعات.
أسبوعان لضبط الأمن في ديالى
وصدر بعدها بيان عن المكتب الحكومي، أشار إلى منح السوداني مهلة أسبوعين لقادة الجيش ومسؤولي المحافظة لإعادة ضبط الأمن فيها. وأكد أنه "لا أحد فوق القانون"، في إشارة ضمنية إلى أن جانباً من العنف الذي ضرب المحافظة ليس من صنيعة تنظيم "داعش"، وإنما جهات أخرى.
وتعد مدن وبلدات شمالي وشمال شرقي بعقوبة، مركز محافظة ديالى، والمحاذية للحدود مع إيران، الأكثر سخونة، وهي المقدادية ومندلي وشهربان وأبو صيدا وقرى حوض العظيم وحمرين، إلى جانب مدينة الخالص جنوبي المحافظة.
عضو في تحالف "النصر": السوداني أرجأ قرار إقالة محافظ ديالى بسبب ضغط العامري
وقال أهالي المحافظة إن جزءاً من الصراع يأتي في إطار التنافس على عمليات التهريب من العراق إلى إيران، سواء النفط أو المواد الممنوعة وخامات النحاس والألومنيوم.
وتنشط في المحافظة عدة فصائل أبرزها "بدر"، التي ينتمي إليها المحافظ الحالي لديالى مثنى التميمي، ومليشيا "عصائب أهل الحق"، و"لواء أئمة البقيع" الذي يرتبط بفضيحة التسريبات الصوتية الأخيرة لنوري المالكي، وتسريبات لاحقة أظهرت اعترافات خطيرة تتعلق بأنشطة الجماعة المسلحة، وفبركة إحباط عمليات انتحارية أو هجمات لـ"داعش"، من أجل الحصول على منافع، أو تقوية نفوذها داخل الحكومة والوسط السياسي وإظهار أهميتها أمام باقي الفصائل الأخرى.
وقال نائب قائد العمليات المشتركة الفريق قيس المحمداوي، في إيجاز أمني الأول من أمس الأحد، إنه جرى اعتقال 162 شخصاً متهمين بالوقوف وراء أعمال العنف في ديالى، مؤكداً مواصلة القوات العراقية حملتها من دون توقف لحين بسط الاستقرار في المحافظة.
وفي إطار الضغوط على السوداني، بدأت حملة تشهير ضد القوات الأمنية، بعد اعتقال عضو بارز في فصيل مسلح يدعى صباح زيني، وهو شقيق النائب عن تحالف "الفتح" صلاح زيني، بتهمة تنفيذ أعمال عنف وقتل وخطف في المحافظة. وبث محافظ ديالى مثنى التميمي، وهو من أقارب المعتقل، مقطع فيديو دان فيه عملية الاعتقال، مطالباً بمحاسبة القوة الأمنية التي اعتقلت الزيني. كما هاجم عدد من نواب كتلة "بدر" عملية الاعتقال، وعدوها منافية لحقوق الإنسان، مطالبين في بيان بإطلاق سراحه.
ضغوط لعدم إجراء تغييرات في ديالى
لكن عضواً بارزاً في تحالف "النصر"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، أكد تعرض الحكومة وقيادات أمنية كبيرة في بغداد إلى ضغوط حزبية وفصائلية متعددة، حالت دون إجراء السوداني تغييرات جذرية داخل المحافظة لاحتواء العنف المتصاعد.
ووفقاً للمصدر الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه، فإن رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري يعتبر أول الرافضين لإجراء تغييرات تمس بقيادات منظمة "بدر"، التي يرأسها، في ديالى، والأمر ذاته لزعيم جماعة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي.
وبيّن أن السوداني أرجأ قرار إقالة محافظ ديالى مثنى التميمي بسبب ضغط كبير من قبل العامري، إلى جانب قيادات أمنية أخرى عليها تهم فساد وتورط مع جماعات مسلحة بالمحافظة، عبر التواطؤ معها وعدم تنفيذ الأوامر القضائية الصادرة بحق متورطين في أعمال عنف.
وكشف أن مهلة الأسبوعين التي حددها السوداني (تنتهي في 21 الشهر الحالي) جاءت بهدف تلافي رئيس الحكومة فشل زيارته الأخيرة إلى ديالى، التي لم تسفر عن تغيير في قيادتها الأمنية أو الإدارية.
وطالب السوداني، وفقاً للمسؤول ذاته، قوى "الإطار التنسيقي" "بإطلاق يده لإجراء إصلاحات أمنية وإدارية في محافظة ديالى، كون الأحداث التي تحصل فيها سيكون لها تأثير كبير على استقرار الحكومة، وتهدد بآثار طائفية مباشرة على باقي العراق".
وتعتبر ديالى واحدة من أبرز المحافظات التي تحتوي على مناطق منزوعة السكان، والتي جرى تهجير أهلها من قبل الجماعات والمليشيات المسلحة أسوة بمناطق أخرى، مثل جرف الصخر في بابل والعويسات في الأنبار. ولا تزال بعض المناطق، مثل السعدية وقرى المقدادية وحوض العظيم وسد حمرين، خالية من سكانها وتنشط داخلها جماعات مسلحة، بعضها ينضوي ضمن "الحشد الشعبي".
النائب عن محافظة ديالى صلاح التميمي قال، لـ"العربي الجديد"، إن السوداني "يواجه ضغوطاً سياسية من أجل عدم إجراء أي تغيير حقيقي في المحافظة لضبط الأمن والاستقرار"، عازياً ذلك لوجود ما وصفه بـ"مافيات سياسية تقف خلف تلك الأحداث".
زيارة السوداني إلى ديالى بلا جديد
وبيّن التميمي أن "زيارة السوداني إلى محافظة ديالى لم تأتِ بأي جديد. أطلق وعوداً، وحتى اللحظة لا شيء ملموساً، فالغطاء السياسي والحزبي على بعض الجماعات المسلحة ما زال موجوداً وبقوة في ديالى، وهذا الأمر يشكل تهديداً حقيقياً لأمن واستقرار المحافظة، بل ويهدد السلم الأهلي فيها".
صلاح التميمي: الضغوط والحماية السياسية أقوى من أي إرادة حقيقية تهدف للإصلاح أو التغيير
ووصف التميمي رئيس الحكومة بأنه "مكبل بالضغوط السياسية من قبل الجهات المتنفذة السياسية والمسلحة، لمنعه من أي إصلاحات أمنية وإدارية، خصوصاً أن هناك ضرورة لتغيير المحافظ بسبب ما يحدث في ديالى من خروقات وأحداث تؤكد عدم قدرته على السيطرة على الأوضاع. لكن تبقى الضغوط والحماية السياسية أقوى من أي إرادة حقيقية تهدف للإصلاح أو التغيير".
صراع نفوذ في المحافظة
من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي والأمني العراقي نزار حيدر، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يجري من أحداث أمنية في ديالى تقف خلفها جهات سياسية ومسلحة متنفذة. وكل ما يحصل سببه صراع النفوذ والسيطرة على المحافظة لأهداف مختلفة".
ولفت حيدر إلى أن "السوداني يواجه ضغوطات كبيرة تمنعه من إجراء أي تغيير إداري أو أمني يعارض مصلحة الجهات السياسية والمسلحة المتنفذة في ديالى، والسوداني، بكل تأكيد، لا يريد خسارة دعم تلك الأطراف وهو في بداية مهامه الحكومية، ولهذا هو بكل تأكيد سيستجيب لتلك الضغوطات".
وأضاف أن "السوداني جاء لرئاسة الحكومة العراقية عبر كتل الإطار التنسيقي، ولهذا لن يستطيع القيام بأي شيء يضر بمصلحة ونفوذ تلك الكتل والأحزاب". وتابع: "كما هو معلوم، فإن ما يحصل في ديالى هو بسبب أطراف تنتمي إلى تلك الكتل والأحزاب، وهي متورطة في الكثير من القضايا، ولهذا، ربما ستعمل الحكومة على الاستعراض الإعلامي في ديالى، من خلال إلقاء القبض على بعض المجرمين من غير الذين لديهم حصانة وغطاء سياسي وحزبي".
في المقابل، قال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، في تصريح الأول من أمس الأحد، إن "السوداني وجه بإرسال تعزيزات عسكرية إلى المحافظة لمتابعة وملاحقة المطلوبين وفرض الأمن والنظام، وضرب كل من يحاول العبث بأمن وسلامة المواطن العراقي".
لا خطوط حمراء في ديالى
وأكد رسول أنه "لن تكون هناك خطوط حمراء على أي شخص يكون مطلوباً وعليه أوامر قضائية، ولن يكون هناك أحد فوق القانون، وسيتعزز العمل الأمني بإجراء حملة تفتيش ومتابعة، والأجهزة الأمنية، من الجيش وفرقة القوات الخاصة والرد السريع والداخلية وقيادة عمليات ديالى والوكالات الاستخبارية، تتعاون حالياً وتستنفر جهودها على مدار الساعة لتنفيذ هذه الأوامر، بتنسيق وإشراف مباشر من قيادة العمليات المشتركة".
وتتزايد المطالبات الشعبية للحكومة العراقية بإعلان ديالى منزوعة السلاح، وسحب القرار الأمني من المليشيات والجماعات المسلحة، والدفع بقوات أمنية إضافية إلى مدن المحافظة، بعد تسجيل هجوم جديد، الثلاثاء الماضي، أدّى إلى مقتل 8 مدنيين، وإصابة اثنين من أسرة واحدة، شرقي المحافظة.
من جهته، طالب الأمين العام للمشروع الوطني العراقي جمال الضاري، في بيان أخيراً، رئيس الوزراء بـ"إعلان حالة الطوارئ في المحافظة، وتسليم إدارة الملف الأمني لشخصية عسكرية مهنية، واجبها حفظ الأمن وضبط الحدود، وفرض هيبة الدولة وتعزيز سلطة القضاء لمحاكمة القتلة المجرمين". كما طالب "بعدم التستر على المتورطين أو على الجهات التي تقف خلفهم وتحاول إثارة الفتنة بين العراقيين".