دول الجوار الليبي غير مستعدة لاستقبال المرتزقة

02 نوفمبر 2021
اكتسب المرتزقة الأفارقة خبرات قتالية في ليبيا (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي أكدت فيه اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 (المؤلفة من ممثلين عن الحكومة الليبية وعن مليشيات خليفة حفتر)، في ختام اجتماعات لها في القاهرة، أمس الإثنين، إبداء ممثلي دول الجوار الليبي، السودان وتشاد والنيجر، استعدادهم التام للتنسيق والتعاون الذي يكفل خروج كافة المقاتلين الذين يتبعون لدولهم من الأراضي الليبية، كشفت مصادر ليبية مطلعة على مشاورات الاجتماعات التي استقبلتها العاصمة المصرية على مدار ثلاثة أيام، عن أن ممثلي هذه الدول الثلاث أعربوا عدم قدرة بلادهم في الوقت الراهن على استقبال هؤلاء المقاتلين. وكشفت مصادر مصرية وليبية في القاهرة، تفاصيل اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة الليبية 5+5، والتي عقدت في القاهرة برعاية البعثة الأممية إلى ليبيا وحضور المبعوث الأممي يان كوبيتش، ومشاركة دول الجوار الجنوبي لليبيا، السودان وتشاد والنيجر، لبحث خروج المرتزقة الأفارقة من ليبيا. وعلى الرغم من الروح الإيجابية التي خرج بها البيان الختامي للاجتماعات، إلا أن مصادر ليبية في القاهرة مطلعة على المباحثات، وتحدثت لـ"العربي الجديد"، أكدت أن ممثلي دول الجوار في الاجتماعات، وخصوصاً تشاد والنيجر، أعربوا عن صعوبة استقبال العناصر المسّلحة من مواطنيهم، الذين يوجدون على الأراضي الليبية في الوقت الراهن بالتنسيق مع مليشيات شرق ليبيا. وأوضحت المصادر أن هؤلاء أرجعوا موقفهم إلى "صعوبة الأوضاع الداخلية الراهنة في بلادهم، كما أن الاستعدادات اللازمة لاستعادة هؤلاء المقاتلين، تفوق قدرات بلادهم، خصوصاً في ظلّ طبيعة التسليح والخبرات القتالية التي اكتسبها هؤلاء المرتزقة منذ انخراطهم في العمليات العسكرية في ليبيا على مدار نحو أربع سنوات". 

طالبت الدول المعنية باتفاقيات وضمانات دولية لإعادة المرتزقة

وقالت المصادر إن ممثلي دول الجوار أكدوا أن الأمر يحتاج إلى اتفاقات دولية، تتشارك فيها القوى الدولية الكبرى، من أجل توقيع اتفاقيات مع قادة هذه المجموعات المسلحة الذين ينتمون إلى فصائل معارضة في دولهم. وفي هذا الإطار، لفتت المصادر إلى أنه في حال تمّ التوصل إلى اتفاقيات تتضمن جوانب عدة، على رأسها تمويل عمليات نقل هؤلاء المقاتلين وتوفير فرص عمل لهم لصرفهم عن الأعمال القتالية في بلادهم، فلا بد من الاتفاق بشكل واضح على خروج هؤلاء من ليبيا من دون أسلحتهم، أو تسليمهم للسلطات في دولهم.
وبحسب مصدر عسكري ليبي في القاهرة، فإنه "على الرغم من أن ملف المرتزقة الأفارقة هو أقل الملفات من حيث الخلاف بشأنه بين المكونات الليبية في الوقت الراهن، إلا أنه يعد الأكثر صعوبة وتعقيداً". وأوضح أنه "على سبيل المثال، هناك اتفاق واضح بين المكونات الليبية والقوى الدولية، بشأن المقاتلين السوريين الذين ينقسمون إلى مجموعتين، إحداهما توجد في غرب ليبيا، والأخرى إلى جانب مجموعة فاغنر الروسية ومليشيات حفتر في الشرق"، لافتاً إلى أن "تركيا لا تمانع في نقل المقاتلين السوريين الموجودين غرب ليبيا، والذين يقدر عددهم حالياً بنحو 5 آلاف مقاتل، إلى سورية في المناطق الخاضعة للإشراف التركي هناك، والأمر ذاته لا يلقى معارضة من جانب الروس وحفتر". أما في ما خصّ المرتزقة الأفارقة، فقال المصدر إنهم "باتوا خارج السيطرة، فعلى الرغم من رغبة الجانب العسكري في شرق ليبيا بإخراجهم بسبب حالة الفوضى والنهب التي تسببوا فيها في مدن الجنوب الليبي، إلا أن الأمر لم يعد متوقفاً على رغبة الجانب التركي، كونه يرتبط أيضاً بسلطات الدول التي ينتمي إليها هؤلاء، خصوصاً أنهم يتبعون فصائل معارضة مسلحة تناوئ الأنظمة الحاكمة في هذه الدول". 

في مقابل ذلك، قالت مصادر مصرية مطلعة على الملف الليبي، إن هناك مخاوف من أطروحات دولية لعلاج ملف المرتزقة الأفارقة، تطرح رؤى تتضمن توطين هؤلاء المقاتلين في بعض مناطق الجنوب الليبي بدعوى أنهم باتوا جزءاً من المكون الاجتماعي، بطبيعة تمدد القبائل الأفريقية والعربية بين ليبيا وتشاد والنيجر. وبحسب المصادر المصرية، فإن هذا الطرح مرفوض تماماً، مشيرة إلى أن مصر تقف مع خروج كامل للمقاتلين الأجانب وغير الليبيين من ليبيا، في ضوء ترتيبات محددة وواضحة، مؤكدة أن سيولة الوضع في المناطق الجنوبية في ليبيا، يسمح بعودة خطر تنظيم "داعش" مجدداً، حيث تسعى العناصر المتطرفة إلى إيجاد نقاط تمركز لها هناك في ظل حالة الفراغ الأمني هناك. 

في مقابل ذلك، أعلنت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، أمس الإثنين، في بيان مع اختتام الاجتماعات التي كانت بدأت السبت، أن السودان وتشاد والنيجر، أبدت استعدادها للتعاون في إخراج جميع المقاتلين الذين يتبعون دولهم من الأراضي الليبية. وقالت اللجنة، إنه استكمالا لمخرجات اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة في جنيف في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والذي تبنت فيه خطة عمل لخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية، وبناءً على طلبها، اجتمعت اللجنة العسكرية بممثلي دول السودان وتشاد والنيجر، لغرض التشاور ووضع آلية للتواصل والتنسيق لإيجاد أرضية مشتركة تمكن هذه الدول من أجل التعاون المشترك للبدء بخطوات عملية على الأرض لخروج كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب الذين ينتمون لتلك الدول وبشكل يضمن استقرار الدولة الليبية وكافة دول الجوار. وأضافت اللجنة في البيان الختامي: "سادت الاجتماعات أجواء إيجابية من حيث الطرح والكلمات ومحاور النقاش، حيث تم الاستماع إلى وجهات النظر من مختلف الأطراف، والتي أكدت بمجملها على ضرورة البدء بإنشاء قنوات اتصال دائمة وفعّالة بشأن هذا الموضوع التشاوري، كما أبدى ممثلو دول السودان وتشاد والنيجر استعدادهم التام للتنسيق والتعاون الذي يكفل خروج كافة المقاتلين الذين يتبعون لدولهم وبكافة تصنيفاتهم من الأراضي الليبية وضمان استقبال هذه الدول لمواطنيها والتنسيق لضمان عدم عودتهم مجددا إلى الأراضي الليبية وعدم زعزعة استقرار أي من دول الجوار"، مؤكدة أهمية التواصل والتنسيق مع كافة دول الجوار الليبي في هذا الشأن.

مصدر عسكري ليبي: المرتزقة الأفارقة في جنوب ليبيا باتوا خارج السيطرة

وفي يونيو/حزيران الماضي، نفذت مليشيات حفتر عملية عسكرية في الجنوب الليبي، في محاولة لتهدئة غضب القبائل الليبية في الجنوب جرّاء الانتهاكات وعمليات السرقة والنهب التي تقوم بها المليشيات التشادية والنيجرية المتحالفة معه. وبحسب تقرير لفريق الخبراء الأممي المعني بليبيا، صدر في مارس/آذار الماضي، تتمركز في جنوب ليبيا جماعات مسلحة تشادية أصبحت جزءاً من الحياة الاجتماعية فيها، كما أن مدناً مثل هون ومرزوق، تشهد إقامة عدد متزايد من المسلحين التشاديين فيها. وتتمركز "جبهة التغيير والوفاق في تشاد"، في منطقة الجفرة، فيما يتمركز "مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية" (تشاد) في المنطقة الحدودية بين ليبيا وتشاد (كوري بوغودي)، علماً أن المنطقة تشهد تمركزاً أيضاً لمجموعات تتبع تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، حيث تتخذ من جنوب ليبيا مجالاً لنشاطها، في ظل ضعف وحتى غياب الرقابة الأمنية فيها وامتدادها إلى الدول المجاورة. 

وكان رئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نغيسو، رئيس اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، قد أعرب في قوت سابق عن قلقه حيال تنفيذ القرار الأممي بشأن خروج جميع المرتزقة من الأراضي الليبية دون ضمانات أو وجود آلية إشرافية لذلك. وجاء تحذيره خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، مرافقاً لتنبيه رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، محمد إدريس ديبي، من الخطر المتوقع من المعارضة التشادية في ليبيا. وأعرب كل من ديبي وساسو نغيسو وقتها عن قلقهما من ضغط المجتمع الدولي لأجل انسحاب المقاتلين الأجانب من ليبيا، لا سيما قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الصادر في 29 إبريل/نيسان الماضي، حيث أكد رئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد أن رحيل المواطنين التشاديين الذين تم تجنيدهم وتدريبهم والإشراف عليهم وتسليحهم وتمويلهم لتلبية احتياجات الحرب في ليبيا، لا يخلو من عواقب على أمن بلاده، كما حثّ مجلس الأمن الدولي، على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لإنشاء آلية إشرافية، تضمن خروجاً مخططاً ومنسقاً لهذه العناصر.

 

المساهمون