هل يكون من المبالغة أن نشعر بشيء من التفاؤل إزاء الحالة التونسية، بعد أسابيع من التشاؤم المطبق الذي سيطر على محبي وأنصار الديمقراطية التونسية، الذين يتفرجون على سقوطها التدريجي وتراجعها يوماً بعد يوم بسبب تزايد الإجراءات التعسفية وتوسعها، خصوصاً بعدما أقر الرئيس التونسي قيس سعيّد تمديد الحالة الاستثنائية بعد انتهاء مهلة الشهر، إلى أجل غير محدد؟
على الرغم من كل ذلك ومن الصمت الكبير والخوف الظاهر والحسابات التي تنتظر تصفية الأعداء واستقرار الأوضاع على أي وجه لتستفيد منها، تبرز دوافع جدية للتفاؤل تؤكد أن للديمقراطية التونسية أنصاراً حقيقيين وتيارات لا ترضى بالتراجع عنها، وتستبسل أقلام وشخصيات وأحزاب في الدفاع عن حريتها وعن بلد يبدو أنه نجح طيلة عشرية من الزمن في تربية جيل حر يحب الحرية ويؤمن بالديمقراطية، ويبدو مما يظهر أنه مستعد للدفاع عنها.
قد يبدو الغموض كبيراً لمن يرى المشهد من بعيد بسبب تداخل أكثر من عنصر في الحالة التونسية الراهنة، من أهمها أن الناس التفت حول قرارات سعيّد لأنها يئست من إصلاح المنظومة السابقة وطال بها الانتظار، ولكن ذلك لا يعني مطلقاً أنها تقبل المراهنة على حريتها وحرية التعبير التي اكتسبتها. والأرجح أيضاً أن صبرها على سعيّد لن يطول كثيراً إذا تعكرت الأوضاع الاقتصادية ولم تُنتج تحسناً سريعاً، ولذلك تكبر التحديات أمام سعيّد، فهو مُطالب بتحقيق إنجازات ملموسة تؤثر في حياة الناس في وقت قياسي، وهذا صعب موضوعياً، وعليه أن يطمئن مناصريه ومعارضيه في الداخل والخارج بصدق نواياه وعدم ضرب الحقوق والمكتسبات، وهذا لا يحدث على الأرض. كما عليه أن يجمع التونسيين، أحزاباً ومنظمات وشخصيات وجمعيات، على مشروع سياسي وحضاري واضح يطمئن ويقنع أنه أحسن مما كان، وهذا لا يبدو متاحاً أمام هذا التردد والضبابية اللذين يميّزان تحركات الرئيس.
لذلك وبعد شهر طويل كانت فيه أغلب ردود الفعل باهتة، بدأت المنظمات والأحزاب تتحرك وتنتقد وتعارض هذا المشهد الذي لا يستند إلى شرعية دستورية، على الرغم من أن له شعبية أو مشروعية كما يقول سعيّد، لا ينكرها أحد، ولكن الخوف على ضياع أغلى ما حققه التونسيون في تاريخهم، الحرية والديمقراطية، بدأ يحرك عدداً من التونسيين ويخرجهم من سباتهم الطويل. لعلها فرصة أمام سعيّد نفسه، لينصت للناس جميعهم ويدرك أن هذا البلد غير مستعد لخسارة حريته، وقد يكون متاحاً الآن فتح قنوات حوار تنتج حداً أدنى من التوافق على مرحلة جديدة بتنازلات وتفاهمات لا تعود إلى الوراء ولكن لا تهدم الآتي أيضاً.