تزامنت تصريحات وزير الدولة السعودي للشؤون الأفريقية أحمد قطان عن فترة توليه سفارة بلاده في القاهرة، وما حملته من اتهامات غير مسبوقة بتزوير انتخابات الرئاسة لعام 2012 التي فاز بها الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي على رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، فضلاً عن التغريدات التي أطلقها قطان نفسه وهاجمت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وإدارة الأمين العام الحالي، الممثل للسلطة المصرية بها، أحمد أبو الغيط، مع توجيه السعودية خطاباً إلى الجامعة تبدي فيه اعتراضات واسعة على نفس الأمور.
واللافت للنظر أن قطان، الذي منحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مارس/آذار 2018 وشاح النيل، وهو أرفع وسام مصري يمنح للدبلوماسيين الأجانب، أسهب خلال إطلالته المطولة على قناة "روتانا"، قبل أيام، في التأكيد على خصوصية علاقته بالسيسي. كما أشار إلى وجود ثقة متبادلة بينهما منذ كان السيسي وزيراً للدفاع في عهد مرسي، وأنه كان يثق في أن "القوات المسلحة المصرية لن تسمح باستمرار عهد الإخوان" وأن القيادة السعودية لم تكن مرتاحة لتولي "الإخوان" السلطة في مصر، مع الاستطراد في رواية كواليس صدور البيان السعودي المؤيد للإطاحة بمرسي وتصديها للرؤى الغربية التي اعتبرت ما حدث في 3 يوليو/تموز 2013 انقلاباً.
أسهب قطان في التأكيد على خصوصية علاقته بالسيسي ووجود ثقة متبادلة بينهما
وفتح قطان بتصريحاته باباً كان السيسي يحرص دائماً على إبقائه مغلقاً، منذ صعد إلى سدة الحكم، ومنذ ناصبه أحمد شفيق العداء قبيل الانتخابات الرئاسية 2014 مطالباً بما كان يزعم أنه حقه باعتبار أنه الفائز الشرعي بانتخابات 2012 وأنه المحرك الأول لما يوصف بـ"الثورة على الإخوان".
ولم يقدّم قطان أي دليل على حديثه الذي بلغ حد التشكيك في نزاهة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي كان يرأسه المشير حسين طنطاوي ويشغل السيسي عضويته، واللجنة القضائية العليا المشرفة على تلك الانتخابات، مستنداً إلى قول سبق أن ادعاه النائب مصطفى بكري المعروف بصلاته القوية بالسعوديين، بأن الحرس الجمهوري توجه إلى منزل شفيق كسند على تلقيه تأكيدات بفوزه، على الرغم من أن حقيقة ما حدث يومها أن الحرس الجمهوري توجّه إلى منزلي المرشحين تحسباً لفوز أحدهما.
ثم ادعى قطان في حديثه أن "السفيرة الأميركية (آن باترسون) تدخلت لتغيير نتيجة الانتخابات"، الأمر الذي يُعتبر اتهاماً مباشراً للمجلس العسكري الحاكم، وأنه "أُبلغ بشكل شخصي بأن شفيق هو الفائز بالانتخابات"، مغيراً من كلامه السابق المستند لتصريحات بكري، الذي امتدحه بصورة ملحوظة، ورافضاً الإجابة عن سؤال مقدّم البرنامج عن مصدر تلك المعلومة.
ويصعب تصور أن قطان لا يعلم مدى حساسية السيسي تجاه فتح هذا الموضوع، وهو الذي يعرف جيداً كيف عاقب السيسي شفيق على سعيه لإثبات ادعاءاته بتزوير الانتخابات، والترويج لمزاعم أحقيته في الرئاسة حتى بعد انقضاء ولاية السيسي الأولى. وبين عامي 2015 و2017 منعت أجهزة السيسي وسائل الإعلام من نشر تفاصيل التحقيقات التي أجريت في قضية تشكيك شفيق في الانتخابات، كما اتخذت السلطات القضائية في البلاد قرارات عدة ضد من سعوا لإثبات أن الانتخابات شابها التزوير، انتهاء بصدور حكم من محكمة جنايات الجيزة في إبريل/نيسان 2018 قبل انتخاب السيسي لفترة رئاسية جديدة، برفض الطعن الذي قدمه شفيق على قرار قاضي التحقيق في بلاغات تزوير الانتخابات بألا وجه لنظرها، وبحفظها نهائياً.
بيد أن قطان لم يضع في اعتباره أياً من هذه النقاط التي دحضت اتهامات التزوير، وعاد لينكأ موضوعاً أراد السيسي إغلاقه للأبد، في الوقت نفسه الذي هاجم فيه بالنيابة عن بلاده الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي اختاره السيسي وأقر وزراء الخارجية العرب تعيينه أمس الثلاثاء.
وانتقد قطان عدم تعيين نائب للأمين العام بحجة أنه أمر يرفضه لأسباب غير منطقية، وطالب بإلغاء القرار الذي أصدره الأمين العام عام 2017 بتعديل مسمى قطاع الأمن القومي العربي إلى قطاع الشؤون العربية والأمن القومي، باعتباره خرقاً لقرار مجلس الجامعة ولا ينسجم إطلاقاً مع اللوائح والنظم الداخلية، وتم الاعتراض عليه رسمياً من عدد كبير من الدول الأعضاء دون جدوى. وطالب قطان بإلغاء قرار المكافأة الخاصة بالأمين العام، قائلا إنه خُصص له مرة 5 ملايين دولار، ثم مليونا دولار، بخلاف المكافأة النظامية التي تُقدّر بـ300 ألف دولار عن كل 5 سنوات. وطالب بإعادة النظر في هيكل رواتب موظفي الجامعة. وانتقد قطان ما وصفه بـ"استنزاف أكثر من مليار ونصف المليار دولار على ميزانية الجامعة ومنظماتها خلال خمسة عشر عاماً"، مطالباً بإعادة النظر في بعثات ومكاتب الجامعة في الخارج التي بلغ عددها 25 بعثة.
وتعمدت مصر الرد بشكل غير مباشر على قطان والخطاب السعودي المنتقد للجامعة مساء أمس الأول، من خلال ظهور السفير حسام زكي، المتحدث باسم الجامعة والمقرب من أبو الغيط ووزير الخارجية المصري سامح شكري، على قناة dmc التابعة للمخابرات العامة، منتقداً تحميل الأمانة العامة ما يفوق قدرتها وميزانيتها وإيرادات الجامعة المالية، والتشكيك في نزاهة الأمين العام.
مصدر دبلوماسي: أصوات في السعودية تعتقد أن الوقت قد حان لتحصل المملكة على الأمانة العامة للجامعة العربية
مصدر دبلوماسي مصري قال لـ"العربي الجديد" بالتزامن مع جلسة إقرار تعيين أبو الغيط أمس إن "هناك أصواتاً في السعودية تعتقد أن الوقت قد حان لتحصل المملكة على الأمانة العامة للجامعة وتتولى هي تحديثها بصورة تناسب تطلعاتها ودورها، الذي تراه أكبر من مصر إقليمياً ودولياً في الوقت الحالي"، مشيراً إلى أن هذا الأمر نوقش من قبل خلال فترة سفارة قطان بالقاهرة أكثر من مرة. وأضاف المصدر أن "السعودية من خلال هجومها الحالي، وكذلك تدخلها في الشأن المصري، ترغب في التمهيد للمطالبة العلنية والرسمية بمثل هذا التغيير قريباً، ربما بعد انتهاء ولاية أبو الغيط الجديدة التي ستبدأ في مايو/أيار المقبل"، وتمتد لخمس سنوات.
وذكر المصدر المطلع أن حديث قطان في ملف انتخابات 2012 غير المرحب به من قبل السيسي شخصياً، فضلاً عن تناوله عدة مواضيع خاصة بالشأن المصري، يعبّر عن مساحة حركة استثنائية يتمتع بها قطان وكان يمارس نشاطه في مصر بإطارها، لا يتمتع بها غيره من المسؤولين الحاليين العرب أو السفراء في القاهرة، فهو يرى نفسه كواحد من صفوة المشاركين في صناعة القرار المصري وداعمي النظام الحالي منذ ولادته ومهندسي علاقاته بالخليج، وليس بالضرورة أن يكون هذا الحديث معبراً عن خلافات قائمة أو وشيكة بين القاهرة والرياض.