استكمال مراسم دفن نافالني وسط إجراءات أمنية مشددة ولا آفاق لتوحيد المعارضة الروسية

01 مارس 2024
تودّع المعارضة اليوم زعيمها أليكسي نافالني (ألكسندر نيمينوف/أولغا مالتسيفا/فرانس برس)
+ الخط -

في مثل هذا اليوم قبل تسع سنوات، شارك أكثر من 50 ألف شخص في مسيرة حاشدة وسط موسكو، حداداً على روح أحد أبرز وجوه المعارضة الروسية حينها بوريس نيمتسوف، الذي قُتل على بعد أمتار من الكرملين في ساعة متأخرة من مساء 27 فبراير/ شباط من العام ذاته.

واليوم الجمعة، جرت مراسم دفن المعارض الروسي أليكسي نافالني في موسكو، في حضور الآلاف من أنصاره الذين خاطروا باحتمال تعرّضهم للتوقيف، هاتفين "لا للحرب"، "لن ننساك"، و"لن نغفر".

وسُجّي جثمان أبرز معارضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لفترة وجيزة في الكنيسة بحضور والديه، حيث عُرض في نعش مفتوح تماشياً مع الطقوس الأرثوذكسية، بينما غطّته زهور حمراء وبيضاء، وحمل الحاضرون شموعاً، قبل أن يدفن في مقبرة بوريسوفو في جنوب شرق العاصمة.

ولم يسمح بدخول الكنيسة إلا لذوي نافالني وأقرب الأشخاص إليه، فيما لم تستغرق مراسم إقامة القداس أكثر من 20 دقيقة، وسط إجراءات أمنية مشددة، وحالة من التعتيم الإعلامي، وغياب جميع المعارضين "غير النظاميين" عن المشهد السياسي الروسي، بعدما باتوا إما في المنفى أو يقبعون خلف القضبان.

ونقل أنصار نافالني عن عالم الأديان، ومدير التحرير المسؤول السابق بـ"مجلة بطريركية موسكو"، سيرغي تشابنين، قوله إن عميد كنيسة أيقونة والدة الرب، أناتولي روديونوف، تعرض لضغوط للإسراع في إكمال القداس على روح نافالني.

ومنذ صباح اليوم، احتشد في محيط الكنيسة أشخاص أرادوا توديع نافالني إلى مثواه الأخير، فيما امتد الطابور إلى الكنيسة لبضع مئات من الأمتار. وعند إحضار نعش نافالني إلى الكنيسة، بدأ المحتشدون بترديد هتافات من قبيل: "نافالني"، و"لن نسامح".

وبعد القداس، توجه الراغبون في توديع نافالني إلى المدفن، رافعين باقات من الزهور، ومرددين هتافات "روسيا ستكون حرة"، و"الحب أقوى من الخوف" وغيرهما، فيما بدأت تتوارد أنباء متفرقة عن وقوع بضعة اعتقالات حتى الآن.

وبموازاة إقامة مراسم توديع نافالني، جدد الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، تأكيده أن التظاهرات "غير المصرح بها" تخالف القوانين الروسية، قائلا: "لا تعليقات لدينا. على الأرجح، لدينا تذكير بأن هناك قوانين يجب الالتزام بها. أي تظاهرات غير مصرح بها ستشكل انتهاكا للقانون. وبالتالي، من يشارك فيها سيتحمل المسؤولية بموجب القانون الساري".

وواجه أنصار نافالني مجموعة من العقبات أثناء ترتيب مراسم توديعه، إذ أفاد مدير "صندوق مكافحة الفساد"، إيفان جدانوف، بأنّه كان من المخطط توديع نافالني أمس الخميس، ولكنه "سرعان ما تبين" أنّه لا يتوفر أي عامل يمكنه حفر مقبرة. وأرجع جدانوف ذلك إلى توجيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالته السنوية إلى الجمعية الفدرالية الروسية أمس.

وكانت الهيئة الفدرالية الروسية لتنفيذ العقوبات قد أعلنت في 16 فبراير/شباط الماضي، عن وفاة نافالني في إصلاحية "الذئب القطبي" ذات نظام خاص (الأكثر صرامة بين نظم أداء العقوبات في روسيا) في أقصى شمالي البلاد.

ومع ذلك، لم يتم تسليم جثمانه لوالدته، ليودميلا نافالنايا، إلا بعد مرور تسعة أيام. وكشفت نافالنايا (الأم) أنها تُطَالَب بدفن نجلها سرا من دون توديع جماهيري، ولكنها رفضت الامتثال لهذه المطالب.

ويرى عضو المجلس الإقليمي لحزب "يابلوكو" (تفاحة) الليبرالي المعارض في موسكو أليكسي كرابوخين، أنّ الوضع مع جنازة نافالني يختلف عنه مع مسيرة نيمتسوف، مشككاً في إمكانية توحيد مهم للمعارضة الروسية في الظروف الراهنة.

ويقول كرابوخين في حديث لـ"العربي الجديد": "قد تصبح جنازة نافالني حدثاً يوحّد المعارضة الروسية، ولكن جزئياً وظرفياً فقط، لأن المعارضة اليوم مشتتة، في ظل إقامة أغلب رموزها وأبرز أنصار نافالني في الخارج، مما يصعّب عملية التواصل. وهناك آخرون يقبعون في السجون، ومنهم المعارضان إيليا ياشين وفلاديمير كارا-مورزا".

تقارير دولية
التحديثات الحية

من يخلف نافالني؟

في غياب أي زعيم مؤثر للمعارضة الروسية بعد وفاة نافالني، ثمة تساؤلات حول اسم الخليفة المحتمل له في زعامة المعارضة "غير النظامية"، وسط بروز اسم أرملة نافالني، يوليا نافالنايا، وإدلائها بتصريحات حادة تجاه الكرملين وبوتين في محافل دولية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.

إلا أن كرابوخين يشكك في واقعية تولي نافالنايا زعامة المعارضة، قائلاً: "يمكن لنافالنيا أن تصبح خليفة لزوجها في قيادة "صندوق مكافحة الفساد"، لا المعارضة "غير النظامية" ككلّ، نظراً لمجموعة من العوامل، مثل وجودها خارج روسيا، وافتقادها لأي خبرة سياسية مستقلة عن زوجها، وإن كان ذلك يوفر لها ماضياً سياسياً نقياً".

ويعتبر أنه من شبه المستحيل إنشاء هيئات للمعارضة من خارج البلاد، جازماً أن نافالنايا ستعتقل فوراً في حال عودتها إلى روسيا، بتهمة المشاركة في "جماعة متطرفة"، كما تصنّف الجهات الأمنية الروسية صندوق زوجها.

وبعد وفاة زوجها، أعلنت نافالنايا، عبر قناته هو على "يوتيوب"، عن عزمها مواصلة عمله، مذكرة في فيديو حظي بنحو 6 ملايين مشاهدة حتى الآن بأنها كانت إلى جانبه طوال السنوات الأخيرة، سواء أثناء الانتخابات، أو التظاهرات، أو الاعتقالات، أو تسميمه، فسجنه بعد عودته من رحلة علاج في ألمانيا.

ونافالنايا من مواليد عام 1976، تخرجت من جامعة "بليخانوف" الاقتصادية الروسية، ثم واصلت تعليمها في الخارج، وتعرّفت إلى زوجها المستقبلي، المحامي الشاب أليكسي نافالني، أثناء رحلة استجمام إلى تركيا في عام 1999، ولهما ابنة تدعى داريا وابن يدعى زاخار.

وبدأ اسمها يبرز على الساحة السياحة الروسية بقوة بعد أن رافقت زوجها في رحلة علاج إلى ألمانيا في عام 2020، لتلقّي العلاج من غاز أعصاب يشتبه في أنه ينتمي إلى مجموعة "نوفيتشوك" سوفييتية المنشأ.

وبعد اعتقال زوجها بعد عودته إلى روسيا في بداية عام 2021، بدأ يتردد اسم نافالنايا كزعيمة محتملة للمعارضة "غير النظامية" الروسية، بعد تجربة المعارضة البيلاروسية سفيتلانا تيخانوفسكايا، التي خاضت سباق الانتخابات الرئاسية لمواجهة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو في عام 2020، بعد اعتقال زوجها؛ المدوّن المعارض سيرغي تيخانوفسكي.

المساهمون