يبدو أنه كلما طالت الأزمة السورية ازداد عجز النظام المشغول بالتشبث بكرسي الحكم، مقابل ازدياد شعور مكونات المجتمع السوري، ومن ضمنها طائفة "الموحدين الدروز"، التي تتمركز غالبيتها في محافظة السويداء جنوب سورية، بحاجتها إلى طوق نجاة، بدءًا من تحقيق أمنها الذاتي، في ظل الانهيار المتسارع للاقتصاد، الذي زاد من نسبة الجريمة.
وأصدرت مجموعة تطلق على نفسها "قوات الحماية الدرزية"، أمس الأربعاء، ما عنونته بـ"بلاغ رقم 1"، كتبت فيه: "بعد أن بلغ السيل الزبى، وتم تقسيم سورية وبيعها العلني لكل صنوف الاحتلال والاضطهاد المتواصل والمستمر بحق أبناء الأقليات، وبالأخص الدروز، الذين تحولوا إلى مشردين ومرتزقة، وبعد أن قدموا آلاف الشهداء لأجل تحرير سورية، فإننا نحذر من دفع طلبتنا والموظفين في السويداء وابتزازهم لأجل المشاركة بفعاليات حملة الترشيح الصورية التي يقودها أنذال حزب البعث".
وأضافت المجموعة: "وعليه، يمنع العرس الانتخابي واستخدام الأماكن العامة واستغلال مؤسسات الدولة خدمة للطواغيت.. وسنضرب بيد من حديد شبيحة ودواعش الربطة الحمراء في حال تعديهم على الإرادة الشعبية الحرة".
ولم يتسن لـ"العربي الجديد" معرفة من يقف وراء هذا البلاغ.
وكانت السويداء شهدت، بداية الشهر الماضي، ظهور مجموعة مسلحة يتزعمها شخص يدعى سامر الحكيم، دعت إلى مشروع "الإدارة الذاتية"، في ظل عدم قيام المؤسسات الرسمية بحماية المواطنين، واستندوا في ظهورهم في بلدة الحكيم خازمة، التي تقع في الجنوب الشرقي من المحافظة، والقريبة على الحدود الأردنية، إلى ضرورة وقف خط تهريب المخدرات، المتهم برعايته "حزب الله" اللبناني والأجهزة الأمنية التابعة للنظام، إلا أن الأمر فشل.
مسألة الحماية الذاتية أصبحت تطرح داخل المجتمع في السويداء، لغياب أحد حاجات المجتمعات الأساسية وهي الأمان، في وقت تتهم فيه الأجهزة الأمنية، وخاصة أمن الدولة والأمن العسكري، برعاية الخارجين عن القانون
من جانبه، أرجع الناشط أبو جمال معروف (وهو اسم مستعار لأسباب أمنية) سبب فشل سامر الحكيم إلى "إطلاق فرع أمن الدولة في السويداء إشاعة مفادها أن هناك مدربات كرديات مع هذه المجموعة، وهي مقدمة لوصول قيادات كردية هي من تمول هذا المشروع، وستحكم الجبل، الأمر الذي ولد رد فعل سلبيا لطبيعة المجتمع الرافضة للتبعية".
ورأى أن "مسألة الحماية الذاتية أصبحت تطرح داخل المجتمع في السويداء، لغياب إحدى حاجات المجتمعات الأساسية، المتمثلة بالأمان، في وقت تتهم فيه الأجهزة الأمنية، وخاصة أمن الدولة والأمن العسكري، برعاية الخارجين عن القانون، ومنحهم بطاقات ومهمات أمنية تسهل حركتهم، وتقديمهم للمجتمع على أنهم أزلام الأمن، الذي، وإن كان لا يمارس الاعتقالات التعسفية، ما زال يدير الفتن ويغذي الحساسيات العائلية والمناطقية والنزاعات بين المكونات المختلفة، وخاصة بين الدروز والبدو وأهل درعا".
وعلم "العربي الجديد"، من مصادر مطلعة طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن "مشايخ العقل والوجهاء طرحوا منذ أشهر تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم حركة رجال الكرامة، وعددا من الفصائل المحلية، مهمتها الدفاع عن الجبل، في حين طرح الروس تشكيل قوة عسكرية تتبع الفيلق الخامس المدعوم روسيا، تكون قيادته من أحد أبناء الجبل، ويشرف عليه ضابط من القوات النظامية، في حين تمول روسيا الرواتب، حيث يتقاضى كل عنصر 100 دولار أميركي شهريا، إلا أن خلافا وقع على تزعم هذه التشكيل بعد أن حاول الأمن زج أشخاص مرتبطين به عطل المشروع إلى اليوم".
المشكلة الأساسية هو عدم وضوح مستقبل الجنوب السوري وخاصة السويداء، ما يجعله ساحة صراع بين مختلف الأقطاب
ويرى أبو جمال معروف أن "المشكلة الأساسية هي عدم وضوح مستقبل الجنوب السوري، وخاصة السويداء، ما يجعله ساحة صراع بين مختلف الأقطاب، فهي مرتبطة من جانب بملف الجنوب، ولكن بسبب تركيبتها الديمغرافية لديها خصوصية واستقلالية تتم مراعاتها، في حين يمكن تلمس محاولات الإيرانيين والروس والنظام الحضور على الساحة الداخلية، ما جعل موقف المدينة من هذه القوى ملتبسا للاعبين آخرين، وخاصة الأميركيين".
وتابع: "من جهتها، تعيش القوى المحلية حالة ترقب لما قد تحمله الأشهر القليلة المقبلة من تغير أو انفراج بالأزمة السورية، لكن يبقى القاسم المشترك لمختلف شرائح المجتمع رفضها عودة سطوة النظام إلى سابق عهده، مقابل وجود حاجة تتزايد يوميا لتحقيق الأمان، إضافة إلى التخفيف من الأعباء المعيشية في ظل انتشار البطالة بين الشباب، وخاصة أن عشرات الآلاف منهم مستنكفون عن الخدمة العسكرية في القوات النظامية".
يشار إلى أن الروس فعّلوا في السويداء عملية التسويات للمستنكفين والفارين من القوات النظامية، وأعطوهم فرصة لمدة 6 أشهر حتى يلتحقوا بالفيلق الأول المنتشر في المنطقة الجنوبية، وغالبا هذه الفترة الطويلة تهدف لتمرير الانتخابات الرئيسية التي يحضر لها النظام لإعادة انتخاب رئيسه بشار الأسد في شهر يونيو/حزيران المقبل، في حين تبقى السويداء قنبلة موقوته قابلة للانفجار بأي شرارة.