أثارت دعوات مناصرين للرئيس التونسي قيس سعيّد إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية المنتظرة خريف هذا العام جدلاً حول تبعات هذا الإرجاء، وما إذا كانت محاولة لتمهيد الطريق نحو تمديد ولايته الرئاسية حتى العام 2027.
وأعلن أمين عام حزب "مسار 25 يوليو" محمود بن مبروك، أول من أمس الأربعاء، أنّ "حزبه يدعو إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية التي يحلّ موعدها الدوري مع موفى العام الجاري"، وفق قوله، معتبراً أن "تنظيم الرئاسيات في موعدها "يعدّ اعترافاً ضمنياً بدستور 2014، في ظلّ عمل البلاد بدستور 25 يوليو (تموز) الجديد".
واعتبرت القيادية في حزب النهضة يمينة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد" اليوم الجمعة، أنّ "هذه الدعوات عبث وفوضى دستورية وقانونية، مشيرة إلى أن "قيس سعيّد، منذ انقلاب 25 يوليو، تمسّك برزنامة مضبوطة وواضحة، وعند كتابته دستوره لم ينصص في أحكام انتقالية أن الانتخابات ستجرى في آجال أخرى غير آجالها المضبوطة، وفقاً لدستور الثورة 2014، الذي أقسم عليه أمام مجلس نواب الشعب".
وبينت أن "من يقدم نفسه أنه مفسر أو على صلة بالرئيس أو لديه صلاحيات وممكن أن يستمع له قيس سعيّد، فهو إما واهم أو متزلف، والواضح أنّ سعيّد عندما يقرر مخاطبة الشعب، فذلك يكون إما عبر خطاب متلفز أو في أي زيارة يبدي فيها بعض الآراء ويبعث رسائل. فلا حزب له ولا ناطق رسمياً باسمه، ولا مجموعة ينتمي لها، ولا مفسّرين يسمح لهم بتفسير آرائه".
وتساءلت الزغلامي عن طبيعة المناخ السياسي الذي ستجرى فيه هذه الانتخابات "هل سيكون هناك مزيد من إطلاق للحريات والتنافس الشريف وفي إطار المساواة، وبآليات النزاهة، أم في مناخ إقصاء وتضييق أكثر على الحريات، وهل سيغير القانون الانتخابي المنظم لها ويحدث شروطاً أخرى".
وقالت الزغلامي: "شخصياً أرى أن الرئيس قيس سعيّد سيلتزم بموعد 2024، وسيعلن عن ذلك مباشرة للشعب من دون وسائط"، بحسب تقديرها.
تجاوز للدستور
وبين القيادي في ائتلاف الكرامة زياد الهاشمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هؤلاء هم بطانة سعيّد وسدنة الانقلاب، يزينون له كل خرق قانوني أو تجاوز دستوري، وهو ليس بجديد، فالمناشدون والموالون هم ديكور حاضر في كل حقبات الاستبداد في العالم الثالث، خصوصاً في المحيط المستفيد من الاستبداد".
وتابع: "تونس اليوم لم تعد دولة بالمفهوم السياسي والدستوري والأكاديمي، فكل مقومات الدولة سقطت تدريجياً منذ ليلة الانقلاب، وأصبحت البلاد تدار بالأهواء والترهات"، مضيفاً أن "هذه المحاولة مفضوحة لتعبيد الطريق أمام تمطيط الولاية، وتحضير خطاب الاستجابة لسردية (الشعب يريد). والشعب بريء مما يرددون".
وبيّن المحامي والناشط السياسي المساند للرئيس عبد الرزاق الخلولي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه القراءة مخالفة للقانون ومغايرة للدستور، فلا شيء في دستور 2022 يتحدث عن تأجيل الانتخابات، فبداية العد تنطلق من تاريخ آخر انتخابات في 2019، أي أن نهاية المدة بخمس سنوات تكون في 2024 لا في 2027".
واعتبر الخلولي أن "دستور 2022 لا يمكن تطبيقه بشكل رجعي على 2019 وأثره في المستقبل... هذه الدعوة متعمدة وتخفي سوء نية، وهي لا تستقيم لا دستورياً ولا واقعياً".
وقال المتحدث باسم حركة الشعب أسامة عويدات، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه وجهة نظر أصحابها، في المقابل، فإنّ انتخابات الرئاسة أجريت في 2019، أي أن التي تليها تكون في 2024، وهو ما يفسر إعلان هيئة الانتخابات استعداداتها"، مبيناً "أن المسار المؤسساتي لا يمكن التعامل معه بمنطق عاطفي وفق الأهواء، كأن ندعو لتأجيلها إلى موعد 2027 من منطلق حبنا لرئيس الجمهورية، وهذا قد يُضر برئيس الجمهورية ولا ينفعه، وبالتالي، يجب التعامل مع هذا الاستحقاق بشكل مؤسساتي صرف".
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، قال رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية أستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي إن "هذا ما كنا نقوله وقلناه دائماً، ولا يحدونا أي شك في أن الانتخابات لن تجرى في موعدها طبقاً لدستور 2014. وما دعا إليه حزب مسار 25 يوليو ليس إلا تعبيراً عن المواقف الرسمية لقيس سعيّد".
وتابع: "إجراء الانتخابات اليوم ليس له أي معنى في ظل استمرار سعيّد في بناء مشروعه السياسي الذي لم يكتمل بعد. حتى لو أجريت الانتخابات، فهي لن تغير من واقع الحال أي شيء، ولن تكون إلا شكلية ونتائجها معلومة مسبقاً، في ظل الأوضاع الحالية المحلية والدولية والإقليمية، ما زالت أمام قيس سعيّد سنوات أخرى في الحكم. اللهم إن وقع طارئ غير متوقع كما في أواخر 2010"، بحسب قوله.