تسعى روسيا لفرض التسوية السياسية والعسكرية في محافظة السويداء جنوبي سورية، على الرغم مما يعترض تلك التسوية من عوائق محلية في المحافظة تؤخر إبرامها وفق شروط محددة. وأخيراً أكد مركز المصالحة الروسي في سورية، الذي يقوده عسكريون روس، أنّ تلك التسوية باتت في طور الاكتمال لإدخالها حيز التنفيذ الفعلي في المحافظة، على غرار التسوية الأخيرة في درعا. بيد أنّ المعلومات الواردة من السويداء تشير إلى عكس ذلك، إذ لا يزال وجهاء المحافظة غير مقتنعين بانتفاء الأسباب التي تعيق التسوية، ولا سيما عودة أبناء المحافظة للالتحاق بالخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام. أمّا في درعا، فلا يزال المدنيون والعسكريون غير واثقين من التسوية الأخيرة التي رعاها الروس في المحافظة في بداية الشهر الحالي، فالعسكريون يدركون أن ذهابهم للانخراط في التسوية يعني إما اعتقالهم أو زجهم على جبهات القتال نظراً للأزمة التي تعانيها قوات النظام لناحية الحاجة للعنصر البشري لا سيما في البادية وإدلب.
لم تنجح الوفود الروسية التي زارت السويداء خلال الفترة الماضية، في الوصول إلى صيغة مُرضية لإنجاز التسوية
وفي مؤتمر صحافي مشترك عقد في دمشق أول من أمس الإثنين، بين مسؤولين عسكريين روس من مركز المصالحة الروسي، وآخرين من خارجية النظام للحديث عن عودة اللاجئين، دعا ممثل المركز، اللواء فياتشيسلاف سيتنيك، من وصفهم بـ"قادة التنظيمات غير الشرعية إلى التخلي عن الاستفزازات المسلحة والسير في طريق التسوية السلمية في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم". وقال سيتنيك إنّ "سكان درعا والمحافظات المجاورة ينظرون بإيجابية إلى عمل لجنة التسوية التي بدأت في الأول من الشهر الحالي في درعا"، مضيفاً أنه "من المتوقع أن تبدأ لجنة مشابهة العمل قريباً في السويداء".
وتنافي تلك التصريحات للضابط الروسي الواقع في محافظتي السويداء ودرعا، إذ لم تنجح الوفود الروسية التي زارت السويداء خلال الفترة الماضية، في الوصول إلى صيغة مُرضية لإنجاز التسوية ضمن شروط روسيا والنظام، ولا سيما مسألة إنهاء استنكاف أبناء المحافظة عن الالتحاق بالخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام.
وكانت قيادة القوات الروسية في سورية قد أرسلت إلى السويداء وفدين؛ الأول التقى بالأمير لؤي الأطرش أحد وجهاء السويداء وجبل العرب إلى جانب عدد من وجوه المحافظة في 14 ديسمبر/كانون الأول الحالي، فيما قصد الوفد الثاني في 17 ديسمبر المرجعيات الروحية والدينية، فالتقى بشيخ العقل الأول، حكمت الهجري، وشيخ العقل الثاني يوسف جربوع. وطرح الوفدان القضايا ذاتها لإنجاز التسوية، تتعلق بالفارين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية والمطلوبين بقضايا أمنية من أبناء المحافظة. غير أنّ الوفد الثاني توجه بعد لقائه المشايخ إلى فرع أمن الدولة، التابع للنظام، في السويداء للتنسيق في ترتيبات التسوية، حيث بدأ ينشط هذا الفرع في المحافظة لإنجاز التسوية، مع العلم أنّ الملف الأمني للمحافظة لا يزال بعهدة فرع الأمن العسكري.
في السياق، أشار مصدر من وجوه السويداء، فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه إلى الآن لم يتم افتتاح أي مكتب للتسوية في المحافظة، والذي من المفترض أن يضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية بالإضافة لتعيين قاضٍ عسكري لإجراء تسوية للمنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية.
اللقاء الأخير للوفد الروسي مع مشايخ العقل في السويداء، شهد نقاشاً واسعاً حول عدم انتفاء الأسباب التي دفعت الشباب للاستنكاف عن الخدمة العسكرية
ولفت المصدر إلى أنّ اللقاء الأخير للوفد الروسي مع مشايخ العقل، شهد نقاشاً واسعاً حول عدم انتفاء الأسباب التي دفعت الشباب للاستنكاف عن الخدمة العسكرية وحتى الفارين من الخدمة. وكشف المصدر عن "وعود ومغريات تم تقديمها من قبل الوفد الروسي لإنهاء هذه الحالة، إلا أن الوجهاء ومشايخ العقل أشاروا للوفد إلى أنّ الوضع في البلاد لا يزال غير مستقر وغير مشجع للشباب على الالتحاق بالخدمة، وأن مبادرة التسوية ستلقى مصير الفشل بسبب استمرار الوضع داخل قوات النظام على ما هو عليه، من فساد ومعاملة عنصرية وسرقة مخصصات الجنود من طعام ولباس، والأهم من ذلك المعارك غير المجدية والعبثية بين أبناء البلد الواحد".
وقال المصدر إنّ "هناك ما يشير إلى عدم توافق بين الأجهزة الأمنية للنظام حول مسألة التسوية في السويداء"، لافتاً إلى أنّ "الروس ينسّقون لإنجازها مع رئيس فرع أمن الدولة في السويداء، العميد سالم الحوش، الساعي لتحسين سيرته الوظيفية لدى قيادة النظام، في حين أنّ الجانب الأمني في المحافظة لا يزال بقبضة فرع الأمن العسكري، وهناك لجنة دائمة في الفرع لإجراء تسويات للراغبين من أبناء المحافظة ولا سيما العسكريين؛ المستنكفين والمنشقين". وأضاف المصدر أنّ هناك توجهاً من قبل الروس وفرع أمن الدولة للسير بهذه التسوية بعيداً عن رجال الدين وحركة "رجال الكرامة" ذات الحضور القوي في السويداء، وذلك بعد استشفاف نظرتهم السلبية حول التسوية. ونبّه المصدر إلى أنّ "عدم مباركة رجال الدين والوجهاء للتسوية في حال إقرارها، سيضعفها لجهة عدم التجاوب المجتمعي معها".
في درعا كذلك، لا تزال التسوية الجديدة التي انطلقت مطلع الشهر الحالي برعاية روسية لا تلقى صدى إيجابياً بين شبان المحافظة ولا سيما العسكريين منهم؛ المنشقين عن قوات النظام أو المتخلفين عن الخدمة العسكرية. وتقضي التسوية بشطب أسماء المطلوبين لفروع النظام الأمنية، أمّا المنشقون السابقون، فيُعطون مهلة للالتحاق بقطعاتهم العسكرية خلال مدة 6 أيام غير مُجبرين على ذلك، وفي حال التخلّف، يصدر بحق المنشق "بلاغ فرار".
حملة الاعتقالات لا تزال مستمرة في درعا حتى بعد الإعلان عن التسوية الأخيرة
ويدعي الروس والنظام أنّ التسوية الحالية هي تصحيح للتسوية القديمة التي جرت كذلك برعاية روسية في صيف عام 2018. إذ ستأخذ التسوية الحالية طابعاً قضائياً من خلال عرض الراغبين بالتسوية على قاضٍ عسكري وتسوية أوضاعهم، في حين أنها ستشمل الأفرع الأمنية كافة، بعد أن كانت التسوية السابقة بيد فرع أمني واحد وهو فرع الأمن العسكري. وفي حين تستمر الاعتقالات في المحافظة وحالة الفلتان الأمني منذ إبرام التسوية عام 2018، يدّعي النظام أنّ سبب الاعتقالات هو عدم اطلاع الأفرع الأمنية كافة على قوائم المطلوبين والراغبين بإجراء التسوية ما أدى لاعتقال الكثير منهم، في حين تشير مصادر ميدانية في درعا إلى أنّ الكثير من المنخرطين في تسوية عام 2018 تم اعتقالهم حتى من قبل الأفرع التي أجروا التسوية فيها.
إلى ذلك، قال المتحدث باسم تجمع "أحرار حوران" عامر الحوراني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك إقبالاً على التسوية الجديدة، ولكن من قبل المدنيين المطلوبين أمنياً". وأشار إلى أنّ العسكريين ولا سيما المنشقين، لا يزالون غير واثقين بتعامل قوات النظام معهم، إذ تقضي التسوية الحالية بأن يعود المنشقون إلى قطعاتهم العسكرية لإكمال مدة خدمتهم العسكرية، لافتاً إلى أنّ هذه الشريحة "لا تزال تخشى خطر الاعتقال والزج في السجون، ما جعلها حذرة من الإقدام على التسوية، على الأقل خلال الفترة الأولى من إطلاقها". وأشار الحوراني إلى أنّ "حملة الاعتقالات لا تزال مستمرة في درعا حتى بعد الإعلان عن التسوية الأخيرة"، لافتاً إلى "سوق الكثير من المنخرطين في التسوية للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية". وأوضح أنّ من أقدموا على التسوية من المطلوبين أمنياً، أبلغوا بشطب أسمائهم من السجلات الأمنية، من دون تقديم إي إثبات لهم على ذلك، في حين تم رفض تسوية وضع الكثير من الراغبين بالتسوية.