خيارات نتنياهو تتقلص أمام تفسير بايدن لاقتراح هدنة غزة

05 يونيو 2024
نتنياهو بالقدس المحتلة، مايو الماضي (جيل كوهين ـ ماغن/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن حول هدنة غزة وصفقة التبادل مع حماس لم يلق قبولاً واضحاً من الحكومة الإسرائيلية، مع ردود فعل أولية ترفض مضمون الخطاب وتؤكد على استمرار الحرب، بينما نتنياهو يشير لاحقاً إلى استعداد لوقف الحرب لتنفيذ صفقة تبادل إنسانية.
- الأزمة بين قبول أو رفض اقتراح الهدنة تعمق الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية وتهدد بتفككها، مع إمكانية خروج حزب المعسكر الرسمي أو أحزاب اليمين المتطرف من التحالف الحكومي.
- نتنياهو قد يتجه نحو انتخابات مبكرة للتغلب على الأزمات الداخلية والخارجية، محاولاً الحفاظ على تحالفه مع اليمين المتطرف وتجنب النقاش حول الإخفاقات الأخيرة.

بعد أيام من خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي عرض فيه علناً تفسير الإدارة الأميركية لاقتراح الحكومة الإسرائيلية حول هدنة غزة وصفقة التبادل مع حركة حماس، لم يصدر أي تعليق أو رد رسمي علني من الحكومة الإسرائيلية على مضمون الخطاب. فقد كان الرد الأولي على الخطاب من قبل مصدر إسرائيلي رفيع بعد الخطاب مباشرة، أي مساء السبت الماضي، في خطوة نادرة في إسرائيل بسبب قدسية السبت لدى اليهود. ولم يتنكر الرد لمضمون الخطاب ولم يقبله، لكنه ادعى أن اقتراح هدنة غزة ليس دقيقاً، وبعد ساعات جاء رد إضافي للتوضيح أن إسرائيل لن توقف الحرب على غزة، وأنها مستمرة لغاية تحقيق كافة أهداف الحرب. ومساء الأحد الماضي، اجتمع مجلس الحرب لمناقشة خطاب بايدن، أي نقاش مقترح هدنة غزة الذي عرضه المجلس ذاته على الإدارة الأميركية، وقدمه بايدن على العلن للجمهور والمنظومة الحزبية في إسرائيل.

لكن مجلس الحرب لم يصدر بياناً أو موقفاً رسمياً بعد الاجتماع، فقد حاولت إسرائيل الرسمية الحفاظ على ضبابية موقفها لعد الإيحاء بأنها قبلت مضمون الخطاب أو رفضته. هذا الصمت بدأ بالتآكل أول من أمس الاثنين، مع مشاركة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في اجتماع للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، موضحاً، وفقاً لتسريبات إعلامية، أنه لم يقبل بإيقاف الحرب على غزة، وأن ما عرضه الرئيس الأميركي لم يكن دقيقاً، وأن هناك تفاصيل لم يتم عرضها بعد. وأبدى نتنياهو استعداده لوقف الحرب لمدة 42 يوماً بغية تنفيذ صفقة تبادل إنسانية، مضيفاً أنه "لن يقبل سوى بتحقيق أهداف الحرب والقضاء على حماس". بعد ذلك بساعات خرج نتنياهو بفيديو قصير أكد فيه موقفه الذي أدلى به في الكنيست، بشكل علني هذه المرة، لكنه لم يوضح بشكل قاطع وعلني رفضه أو قبوله لما جاء في خطاب بايدن.


نتنياهو غير قادر على قبول أو رفض اقتراح هدنة غزة

نتنياهو وأزمة هدنة غزة

نتنياهو في أزمة، فهو لا يستطيع، من جهة، إبداء رفض كلي لما جاء من تفسيرات للمقترح الإسرائيلي بشأن هدنة غزة في خطاب بايدن، ولا يستطيع قبولها كلها، من جهة أخرى. رفض الاقتراح يمكن أن يؤدي إلى تعميق الأزمة بين نتنياهو والإدارة الأميركية، وإلى خروج حزب المعسكر الرسمي بقيادة بني غانتس من حكومة الحرب، وإلى تصعيد الاحتجاجات ضده المطالبة بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة، حتى لو كان بثمن وقف الحرب بشكل مؤقت أو نهائي، وإلى تعميق عزلة إسرائيل الدولية. كما أن نتنياهو غير قادر على قبول تفسيرات بايدن لجهة احتمال وقف الحرب في نهاية تنفيذ مراحل الاتفاق المقترح، ولو كان الانتقال بين المراحل مقبولا للحكومة الإسرائيلية. قبول الاتفاق مناقض لموقف نتنياهو وشركائه من أحزاب اليمين المتطرف الداعين لاستمرار الحرب وحسمها. قبول تفسيرات بايدن يعني خروج حزب "عوتسما يهوديت" (العظمة اليهودية) بزعامة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وحزب "الصهيونية الدينية" بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش من التحالف الحكومي. هذا التهديد ليس نظرية، فأول من أمس الاثنين، عبّر بن غفير وسموتريتش، بفارق ساعات قليلة، عن موقف رافض للتقدم في اقتراح بايدن كونه "اقتراح مهين وخطير ويمنع الانتصار عن إسرائيل" وفقاً لهما. وأوضحا أن "قبول الاقتراح سيؤدي إلى تفكيك الحكومة"، بل إنهما "سيعملان على إسقاط نتنياهو". كما كان هناك بعض الأصوات من داخل معسكر نتنياهو في حزب الليكود ذاته، رافضة للاقتراح.

في المقابل لم يعبّر غانتس عن أي موقف علني أو تهديد في شأن تفسير بايدن لاقتراح هدنة غزة رغم إعلانه قبل أكثر من أسبوعين بأن عدم التقدم في ملف الأسرى والمحتجزين أو مناقشة اليوم التالي للحرب، من ضمن أمور أخرى، سيؤدي إلى انسحاب حزب "المعسكر الرسمي" من الحكومة، محدداً الثامن من يونيو/حزيران الحالي موعداً لحصوله على أجوبة، وعلى أساسها يعلن بقاءه أو خروجه من حكومة الحرب. في كلتا الحالتين، أي موقف الحكومة الإسرائيلية بشأن هدنة غزة من الوارد تحوله إلى كرة ثلج متدحرجة، قد تؤدي إلى تفكيك التحالف الحكومي. خروج أحزاب اليمين المتطرف من التحالف يعني تفككاً فورياً للتحالف وخسارة نتنياهو دعم شركائه في هذه الأحزاب. أما خروج المعسكر الرسمي، نتيجة لضغط الشارع وضغط الإدارة الأميركية، فيؤدي إلى تفكك التحالف.

وجاء اقتراح بايدن بشأن هدنة غزة في توقيت سيئ لنتنياهو، الذي يواجه احتمال صدور قرار من المحكمة العليا حول التماس مقدّم ضد تمديد إعفاء الشبّان اليهود المتشدّدين دينياً من الخدمة العسكرية، في الأيام القريبة. في السياق، ناقشت المحكمة العليا الأحد الماضي، رد الحكومة على الالتماس المقدم ضد قرار تمديد الإعفاء من دون سن قانون خاص لذلك في الكنيست. مواقف قضاة المحكمة العليا، ومنهم من هو محسوب على الشق المحافظ، وملاحظاتهم خلال الجلسة، أوحت أن المحكمة متجهة إلى قبول الالتماس ورفض الإعفاء الممنوح، واستمرار منع تحويل الميزانيات للمعاهد الدينية. قضية إعفاء الشبّان اليهود المتشدّدين دينياً من الخدمة العسكرية، سبّبت أزمة جدية إضافية وانقساما داخل التحالف الحكومي. فقد خلقت معضلة جدية لنتنياهو مع حلفائه الطبيعيين من الأحزاب الحريدية المعارضين لأي تغيير في الوضع القائم، والرافضين لأي صيغة مساهمة في تجنيد الشباب المتشدّدين دينياً. في المقابل، طالب غانتس بتغيير الوضع القائم وتحديد أعداد جديدة من الشباب المتشدّدين دينيّاً للتجنيد في الجيش. كما اشترط وزير الأمن يوآف غالانت تقديم قانون جديد لترتيب الإعفاء وتحديد أعداد المجندين بموافقة كافة مركبات التحالف. في الظروف الحالية، لا مخرج لهذه الأزمة ولا حل وسطا لتجسير الهوة بين أطراف التحالف، في ظلّ عدم امتلاك نتنياهو إمكانية التأجيل والمماطلة.

لم يتمكن نتنياهو من اتخاذ قرار واضح برفض مقترحات بايدن بشأن هدنة غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وحركة حماس. ولم يتمكن نتنياهو من الاستمرار في تأجيل الحسم في قضية ترتيب إعفاء الشبّان اليهود المتشدّدين دينياً من الخدمة العسكرية، فضلاً عن عدم امتلاكه معادلة مقبولة حول كل ذلك مع كل مركبات التحالف الحكومة الحالي. وبذلك دخل نتنياهو في أزمات صعبة مع كافة مركبات التحالف الحكومي، مع أحزاب اليمين المتطرف، ومع المعسكر الرسمي بسبب خطاب بايدن، ومع الأحزاب الحريدية بسبب موضوع الإعفاء. كما أن بايدن غير قادر على تأجيل محاولات حسم وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى وربما إنهاء الحرب، مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وكذلك المحكمة غير القادرة على تأجيل اتخاذ القرار بشأن الإعفاء وفقاً لأجندات نتنياهو.


يريد نتنياهو اختيار عناوين أي انتخابات مقبلة

الهروب إلى الأمام

في هذه المعطيات لم يعد مستبعداً هروب نتنياهو إلى الأمام، رغم خياراته المحدودة. وأسوأ سيناريو من وجهة نظر نتنياهو هو تفكيك الحكومة من قبل أحزاب اليمين المتطرف بسبب التقدم بمقترح بايدن والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. مع أن هذا السيناريو مستبعد حالياً، لأن من شأن ذلك خسارة نتنياهو ليس فقط أحزاب اليمين المتطرف، بل دعم قواعد اليمين واليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة، حتى أنه من الممكن لليمين المتطرف اختيار شخص من صفوفه مكان نتنياهو في رئاسة الحكومة. بالتالي فإن الأفضل بالنسبة لنتنياهو هو المحافظة على تحالفه مع اليمين المتطرف وقواعد اليمين واليمين المتطرف، والتوجه إلى انتخابات مبكرة بعناوينه الخاصة، في مخرج لتراكم الأزمات. والمناسب لنتنياهو تمحور الانتخابات المقبلة حول مواضيع مثل رفض أو قبول تفسيرات بايدن لاقتراح هدنة غزة وصفقة التبادل، ورفض أو قبول إنهاء الحرب على غزة من دون حسم، وحول هوية المرشح القادر على الصمود أمام الضغوطات الخارجية، والقابل ببقاء سيطرة حركة حماس على غزة أو لا، فضلاً عن هوية الموافق على إقامة دولة فلسطينية أو رفضها.

ومن المقرر بدء نتنياهو تحريضاً على المحكمة العليا وقرارها حول إعفاء الشبّان المتشدّدين دينياً من الخدمة العسكرية، والادعاء بأنه لولا تدخل المحكمة لما تفكك التحالف الحكومي، وأنه لو نجحت الخطة الحكومية لتقييد القضاء لما تمكنت المحكمة العليا من التدخل. هذه العناوين والمضامين أسهل لنتنياهو لإبعاد النقاش والحملات الانتخابية عن موضوع الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعن دور نتنياهو وحكومته في هذا الإخفاق، ودور الخطة الحكومية لتقييد القضاء في تفتيت المجتمع الإسرائيلي وإضعاف قدرة الردع. وفق هذا السيناريو، فإن نتنياهو قادر على اختيار موعد إجراء الانتخابات بقراره هو، لا الانتظار ليفرض عليه هذا الخيار، خصوصاً أن خيارات توسيع الحرب في غزة لم تضمن أي إنجازات للحكومة لاستغلالها من قبل نتنياهو، بل زادت من عزلة إسرائيل وقياداتها الدولية، ومن الأزمة مع الإدارة الأميركية، كما أن توسيع جبهة الشمال، مع لبنان، له مخاطرات جمة رغم محاولات المؤسسة العسكرية تفاديها حالياً على الأقل.

المساهمون