لا تزال القوى العراقية التي قرّرت مقاطعة الانتخابات التشريعية المرتقبة في العراق في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، تُصر على موقفها الرافض للمشاركة في هذا الاستحقاق، والذي تعتقد أنه لن يكون نزيهاً، في ظلّ وجود عدد من المؤثرات المحيطة به، مثل المال السياسي وسلاح المليشيات والوسائل الأخرى التي تمتلكها أحزاب السلطة للتأثير في إرادة الناخبين. ويؤكد المقاطعون أن قرارهم لا يخرج عن مظلة الدستور العراقي، الذي اعتبر المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها حقا يمكن للعراقيين ممارسته من دون إجبار. وحتى الآن، لم تكشف القوى المقاطعة للانتخابات عن خطواتها المقبلة، بعد إجراء الانتخابات بخلاف إرادتها، إلا أن النزول إلى الشارع في موجة احتجاجات جديدة قد يكون الورقة الأقوى لدى هذه القوى لمرحلة ما بعد الانتخابات، بحسب قيادات وعناصر بارزة في الوسط المدني العراقي تحديداً.
العبادي: يملك المقاطعون استراتيجية كاملة لمرحلة ما بعد الانتخابات
وسبق أن أعلنت قوى سياسية عدة في العراق مقاطعة الانتخابات المقبلة، أبرزها الحزب "الشيوعي العراقي" و"المنبر العراقي" و"جبهة الحوار الوطني" وحزب "التجمع الجمهوري". كما أعلنت قوى مدنية نيتها عدم المشاركة في الانتخابات رداً على استمرار استهداف الناشطين المدنيين، ومنها "البيت الوطني"، حركة "نازل آخذ حقي"، "اتحاد العمل والحقوق المدنية" و"التيار المدني". ونهاية أغسطس/ آب الماضي، أعلن "التيار الصدري" التراجع عن قرار المقاطعة، موضحاً على لسان زعيم التيار مقتدى الصدر، أن مشاركته في الانتخابات المبكرة ستكون قوية.
وأكد الناشط المدني البارز علي العبادي، لـ"العربي الجديد"، أمس الجمعة، امتلاك المقاطعين ما وصفه بـ"استراتيجية كاملة لمرحلة ما بعد الانتخابات"، التي يعتقدون أنها (الانتخابات) "قد تكون عاملاً جديداً من عوامل تفاقم أزمات البلاد، وليس الحل لها، لانعدام الرؤى حول استراتيجية عملية لمعضلات العراق، وأولها استمرار المحاصصة الطائفية والحزبية وغياب الدولة المدنية ومفهوم المواطنة". ولفت العبادي، الذي انضم إلى باقي القوى المدنية المقاطعة للانتخابات، إلى أن "ورقة الشارع هي الورقة الأهم التي لا تزال مضمونة، عبر الخروج بتظاهرات جديدة لإجبار القوى الفاعلة على إحداث تغيير حقيقي، وأوله وقف دكاكين المحاصصة بين الطوائف والأحزاب، والنظر إلى العراق كدولة مواطنة مدنية لا دولة طوائف"، على حد قوله.
من جهته، توقع القيادي في "الشيوعي العراقي" جاسم الحلفي أن يكون هناك رفض واسع لنتائج الانتخابات، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنه "في اليوم الذي ستعلن فيه نتائج الانتخابات، سنسمع أصواتاً عن التزوير أكثر من الانتخابات السابقة، بسبب عدم وجود الثقة". وأشار الحلفي إلى أن انخفاض نسبة المشاركة بسبب المقاطعة، سيؤثر في الانتخابات المرتقبة، والدليل على ذلك "قيام مفوضية الانتخابات بإصدار تعليمات بأنها ستحتسب نسبة المشاركة وفقاً للذين يستلمون بطاقات الناخبين". ورأى أن "ذلك يسجّل على المفوضية، لأن الذي لا يستلم البطاقة الانتخابية هو أيضاً مواطن، والانتخابات تحسب على أساس المواطنة، وليس على أساس استلام البطاقة الانتخابية". ولفت إلى أن الانتخابات المقبلة لن تحقق تمثيلاً حقيقياً، ولن تكون هناك حكومة قوية"، متوقعاً الذهاب نحو إجراء انتخابات مبكرة أخرى في حال فشلت القوى السياسية في تشكيل الحكومة الجديدة.
انخفاض نسبة المشاركة بسبب المقاطعة سيؤثر في الانتخابات المرتقبة
أما علي المعلم، مسؤول العلاقات في حزب "البيت الوطني"، وهو حركة سياسية مدنية تشكلت حديثاً عقب التظاهرات الشعبية، فأكد أن قرار حزبه بمقاطعة الانتخابات المقبلة كان صائباً، مضيفاً في تصريح صحافي: "نحن أحد الاحزاب الناشئة التي انطلقت بعد تشرين (احتجاجات 2019)، وكنا نشترط تحقيق مطالب تشرين بحزمة واحدة، لا أن تكون على شكل دفعات". وأشار إلى أن الانتخابات المبكرة "كانت من أهم شروط احتجاجات تشرين، فضلاً عن عدم السماح بمشاركة القوى السياسية التي تمتلك فصائل عسكرية، وفقاً للدستور الذي لا يسمح بمشاركتها"، مضيفاً "إلا أن السلطات التفّت على تلك المطالب، ما نتج عنه الإفصاح عن موقفنا في عدم خوض الانتخابات مع أحزاب سياسية لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالدولة والمؤسسات". ورأى المعلم أنه "يوماً بعد آخر تثبت صحة القرار الذي اتخذناه، بأنه لا يمكن لهذه الانتخابات أن تأتي بجديد، وستكون شبيهة بانتخابات 2018 وما قبلها"، مضيفاً أنه "في هذه المرة، التزوير غير مستبعد، لأن الكتل السياسية هي المسيطرة على مفوضية الانتخابات، وعلى إدارة الماكينة الانتخابية، وهي ستتحكم حتى في آلية توزيع المقاعد".
وكان سكرتير اللجنة المركزية لـ"الشيوعي"، رائد فهمي، قد قال في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، إن قرار المقاطعة كان قراراً جماعياً لكل أعضاء الحزب بجميع فروعه، موضحاً أن هذا القرار يعكس أيضاً مزاجاً ورأياً شعبياً واسعاً. ولفت إلى أن "المؤشرات التي اعتمدنا عليها في اتخاذ قرار مقاطعة الانتخابات كانت موضوعية لأسباب عدة، منها وجود ظواهر معيّنة لا تضمن عدالة وحرية وشفافية الانتخابات، وأبرزها السلاح المنفلت، وعدم تطبيق قانون الأحزاب كما ينبغي، وكذلك المال السياسي الذي لم تتمكن المفوضية من ضبطه". واعتبر أن "مقاطعة الانتخابات تمثل شكلاً من أشكال الضغط لاستكمال متطلبات الانتخابات النزيهة"، موضحاً أن حزبه "غير نادم على عدم المشاركة".
تمتلك القوى المقاطعة أوراقاً أخرى لرفض نتائج الانتخابات، مثل الضغط السياسي من خلال التجمعات والمؤتمرات ووسائل الإعلام
على مقلب المشاركين في الانتخابات، توقع رئيس حزب "الخيار العربي"، عبد الكريم عبطان، خروج احتجاجات عارمة في حال حدوث خروقات، أو وجود تأثير للمال السياسي على نتائج الانتخابات، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن هذه الاحتجاجات قد تؤثر على مستقبل الحكومة والبرلمان المقبلين. وحذّر عبطان من احتمال قيام بعض الجهات باستغلال المقاطعة من أجل القيام بعمليات تزوير، مبيناً أن عدم المشاركة قد يبقي ذات الوجوه في السلطة. وتساءل عن البديل للانتخابات، معرباً عن خشيته من أن تكون الفوضى هي البديل للعملية الانتخابية.
وكانت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت قد أكدت في وقت سابق من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ضرورة المشاركة الواسعة في الانتخابات المبكرة، مشيرة إلى وجود إجراءات من شأنها الحد من عمليات التزوير.
وتعليقاً على ذلك، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حسان العيداني، أن القوى المقاطعة للانتخابات لم تكشف عن جميع أوراقها لمرحلة ما بعد الانتخابات، مضيفاً "إلا أنها بدأت منذ الآن بتحشيد الشارع ضد نتائج الانتخابات من خلال التلميح مسبقاً بأنها قد تتعرض للتزوير". ولفت العيداني في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن ذلك يعد مؤشراً واضحاً على أن بعضها بدأ يفكر بشكل جدي في العودة إلى ساحات الاحتجاج، مبيناً أن هذا الاحتمال وارد كون بعض القوى المقاطعة للانتخابات خرجت من رحم الاحتجاجات. وأشار إلى أن هذه القوى تمتلك أوراقاً أخرى لرفض نتائج الانتخابات، مثل الضغط السياسي من خلال التجمعات والمؤتمرات ووسائل الإعلام، فضلاً عن إجراء اتصالات بالمنظمات الدولية المعنية بالانتخابات العراقية.