خيارات أوكرانيا للردّ على روسيا محدودة: قطع العلاقات والترويج للعقوبات

23 فبراير 2022
سيّرت أوكرانيا دوريات على الحدود بعد تصاعد التوتر في المنطقة (الأناضول)
+ الخط -

بعد اعتراف روسيا باستقلال "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" المعلنتين من طرف واحد شرق أوكرانيا مطلع الأسبوع الجاري، تواجه السلطة المركزية في كييف واقعاً جيو-سياسياً مغايراً، على ضوء الإقرار النهائي بفشل اتفاقات "مينسك" للتسوية، وانتقال الأزمة في العلاقات مع موسكو إلى مرحلة المواجهة المباشرة.

ومن بين خيارات التعامل مع الأزمة، ذكر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس الثلاثاء، أنه عازم على النظر في طلب وزارة الخارجية الأوكرانية قطع العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، وفرض حالة الحرب في حال تعرّض بلاده لهجوم واسع النطاق، داعياً إلى التعطيل الكامل لمشروع "السيل الشمالي-2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا.

وفي تلك الأثناء، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من القوى الدولية الداعمة لأوكرانيا، بفرض عقوبات على شخصيات ومصارف روسية والدين العام الروسي، بينما قرّرت ألمانيا تعطيل عملية إصدار التراخيص اللازمة لتشغيل خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي-2" لنقل الغاز الروسي عبر قاع بحر البلطيق، من دون المرور بالأراضي الأوكرانية.

ومع ذلك، تبدو خيارات كييف والغرب في تشديد الخناق على موسكو محدودة، نظراً لدورها الحيوي في سوق الطاقة العالمية، مما يجعلها شريكاً اقتصادياً لا يمكن الاستغناء عنه بسهولة.

وفي هذا الإطار، يعتبر مدير المركز الأوكراني للتحليل وإدارة السياسات، رسلان بورتنيك، أن الخيار الرئيسي أمام أوكرانيا للردّ على الاعتراف الروسي باستقلال دونباس، هو الترويج لتشديد العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، مقراً في الوقت نفسه بضعف مفعول العقوبات على قطاع الطاقة الروسي.

حقائق تاريخية تدحض خطاب بوتين حول "وهم" الدولة الأوكرانية

ويقول بورتنيك في حديث لـ"العربي الجديد"، "على الأرجح، ستروّج أوكرانيا لفرض مزيد من العقوبات الجديدة على روسيا لزيادة عزلتها، وقد تقدم على قطع العلاقات الدبلوماسية مع موسكو".

ويقلّل من فاعلية العقوبات على قطاع الطاقة الروسي، مضيفاً: "سيؤدي تعطيل "السيل الشمالي-2" إلى ارتفاع أسعار الغاز بالسوق الأوروبية، ما يعني أن الجميع سيتضررون جراء هذا الوضع. لذلك لا يبدي الغرب حتى الآن استعداداً للانتقال إلى ما يسمّى "العقوبات الجهنمية"، بل يواصل ممارسة الضغوط على موسكو بصورة محدودة جداً، ربما خوفاً من حرمانه من موارد الطاقة الروسية، أو اندلاع حرب كبرى، أو الدفع بروسيا إلى حضن الصين".

من جهته، يعتبر الباحث الأكاديمي الأوكراني إيغور سيميفولوس، أن الاعتراف الروسي بـ"الكيانين الإرهابيَّين" شرق أوكرانيا كان متوقعاً وصادماً في آن معاً، مرجحاً أن موقف الولايات المتحدة سيكون له الدور الرئيسي في تحديد نطاق العقوبات الجديدة على موسكو.

ويقول سيميفولوس لـ"العربي الجديد"، "كان الاعتراف الروسي بالكيانين الإرهابيين أمراً متوقعاً، ولم يشكل اكتشافاً، ولكن ما جاء صادماً هو الكراهية التي تحدث بها بوتين، ونبرته الاستعمارية في الحديث عن أوكرانيا والأوكرانيين. وقبل الإعلان عن الاعتراف بالاستقلال، بث التلفزيون الروسي اجتماع مجلس الأمن الروسي الذي أعرب أعضاؤه عن تأييدهم للاعتراف، ويشبه هذا المشهد شعائر الربط بالدم المعتادة لدى عصابات المافيا".

وقبل الإعلان عن الاعتراف بـ"جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" بساعات، بث التلفزيون الروسي أول من أمس الاثنين، اجتماع مجلس الأمن الروسي برئاسة بوتين ومشاركة عدد من كبار المسؤولين الروس، بمن فيهم نائب رئيس مجلس الأمن دميتري مدفيديف، ورئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، ووزيرا الخارجية والدفاع سيرغي لافروف وسيرغي شويغو، ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية سيرغي ناريشكين، وأعربوا جميعهم عن دعمهم للاعتراف بدونباس، مع تباين مواقفهم من مسألة منح الغرب مهلة إضافية من عدمه.

وحول رؤيته لتعامل أوكرانيا مع الواقع الجيو-سياسي الجديد، يقول سيميفولوس: "انتهى الغموض، وباتت الحكومة الأوكرانية تواجه تحديات صعبة، ومنها الحصول على أكبر دعم عسكري - تقني وسياسي ممكن لمواجهة العدوان، وتعزيز الدفاع على خط التماس في دونباس، وبذل قصارى الجهود لمنع حالة الذعر بين السكان، ولذلك تمتنع القيادة الأوكرانية في الوقت الحالي عن إصدار تصريحات مثيرة للضجة".

وفي ما يتعلق بواقعية إقدام الغرب على فرض عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا، يشير إلى أن "الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيسي في الكتلة الغربية، وستعتمد أمور كثيرة على قرارها، ولذلك توجه وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إلى واشنطن، لحثها على أعمال أكثر حزماً. وحتى أبرز المروجين للتعاون الاقتصادي مع روسيا أمثال فرنسا وألمانيا، لم تعد لديهم براهين للامتناع عن تشديد العقوبات بعد فشل جميع الجهود الدبلوماسية".

ويعلق سيميفولوس على الرواية بأن أوكرانيا هي الطرف المستفيد من السباق الروسي للانسحاب من اتفاقات "مينسك" المتعثرة أصلاً، قائلاً: "هذا الاعتقاد شائع جداً، انطلاقاً من حقيقة خضوع دونباس للاحتلال حتى قبل الاعتراف باستقلالها، ولكن المشكلة تكمن في أن موسكو اعترفت بـ"الجمهوريتين" ضمن حدود مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك ما قبل النزاع، مما قد يشكل أرضية لشنها عملية عسكرية واسعة النطاق".

وكان بوتين قد أعلن أمس الثلاثاء، أن روسيا تعترف بـ"جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" ضمن حدود مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك عندما كانتا خاضعتين لسيطرة كييف، معرباً عن أمله في تسوية كافة القضايا الخلافية في إطار المفاوضات بين السلطات في كييف وقيادة الإقليمين.

المساهمون