خلاف حول من سيستلم إعمار غزة... ورفض للشروط السياسية

19 سبتمبر 2014
طرح بإنشاء هيئة لإعمار غزة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
ما إن انتهى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حتى ظهرت بشاعة ما ارتكبه الاحتلال ضد أكثر من 20 ألف منزل غالبيتها متعددة الطوابق وقد سويت بالأرض، ومنازل أخرى أصبحت غير صالحة للسكن، وهو ما فتح الباب على مصراعيه للتساؤل عن ملف إعمار ما دمره الاحتلال خلال عدوان الـ51 يوماً.

لكن الواقع على الأرض فرض أسئلة أخرى عن التعويضات والأضرار، في ضوء تجارب سابقة مع الإعمار في القطاع والذي كان يتم بطريقة غير منظمة لم تُرضِ المتضررين، ولا الهيئات المحلية، إضافة إلى مشكلة برزت حديثاً تتمثل في رغبة السلطة الفلسطينية بالاستئثار بملف الإعمار كاملاً، مدعومة بالرغبة العربية والأوروبية والأميركية وحتى الإسرائيلية بتسلّمها هذا الملف.

وتقول حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، إن الاعمار لن يكون إلا عبر حكومة الوفاق الوطني والسلطة الفلسطينية.

وعلم "العربي الجديد" من مصادر واسعة الاطلاع في غزة ورام الله، أن أطرافاً أوروبية أبلغت الفلسطينيين بشكل مباشر، أن عملية إعمار القطاع يجب أن يكون لها مقابل، وهو على الأقل نزع سلاح الفصائل المسلحة في القطاع، وهو ما تعارضه الفصائل ومنها حركة "فتح".

في هذه الأثناء، طرحت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، وهي إطار فلسطيني يضم 133 منظمة مجتمع مدني وأهلي، فكرة إنشاء هيئة وطنية لإعمار القطاع، تتكوّن من وزراء ذوي علاقة بملف الاعمار وخبراء مختصين، وممثلين عن المتضررين، وممثلين عن المجتمع المدني الفلسطيني.

غير أن حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، دعتا إلى تشكيل هيئة وطنية عليا للإعمار، تضم الفصائل وكل جهات الاختصاص، وذلك لضمان تنفيذ عملية الإعمار بشكل دقيق ومن دون محسوبية، وضمان الإعمار بشكل تام.

ويؤكد القيادي في "حماس" صلاح البردويل لـ"العربي الجديد"، أن حركته مع سرعة الإعمار الذي "نعتبره حقاً طبيعياً لأبناء القطاع"، ومن ناحية وطنية هو رد جميل للذين ضحّوا من أجل وقف الهجمة البربرية على القطاع.

ويضيف: "نحن مع أن يتم الإعمار من دون شروط سياسية، ولن نقبل بأي شروط توضع علينا، فالإعمار عمل إنساني ووطني خالص"، مؤكداً أن "حماس" مع كل صيغة يمكن أن تنجز عملية إعادة الإعمار في أسرع وقت.

ويوضح البردويل أن "حماس" مع إيجاد هيئة وطنية فلسطينية تتعاون مع المؤسسات الدولية لإعمار وبناء ما دمره الاحتلال الذي يجب أن يتم تحميله مسؤولية الدمار، لا أن تُلام الضحية الفلسطينية، محذراً من إعاقة عملية الإعمار تحت ذرائع يحاول البعض اختلاقها.

ويشير القيادي في "حماس" إلى أن أطرافاً حرّضت أوروبا على فرض شروط سياسية مقابل الإعمار. كما يلفت إلى أن السلطة تعوق الإعمار لأنها تريد استثمار الوضع المأسوي لتحقيق إنجازات خاصة وازاحة "حماس" من المشهد ككل.

وفي السياق نفسه، يؤكد مسؤول المكتب الإعلامي لحركة "الجهاد" داود شهاب، لـ"العربي الجديد"، أن الحركة دعت إلى هيئة وطنية لإعادة الإعمار تشارك فيها الفصائل الفلسطينية والسلطة وحكومة الوفاق، وتقوم على مبدأ أن لا يستثنى أحد من الإعمار.

ويلفت شهاب إلى أن الشعب الفلسطيني يريد تبني شراكة وطنية من الكل على أسس جديدة تخدم الشعب ومصالحه، موضحاً أنهم في "الجهاد" يرغبون في أن تتكرر تجربة الوفد الفلسطيني الموحّد في مفاوضات التهدئة وتصبح أيقونة للعمل الوطني في كل الملفات.

ويشدد شهاب على أن حركته لن تكون "عقبة في طريق الإعمار"، داعياً حكومة الوفاق للتحرك وأخذ دورها في إعمار ما دمره الاحتلال خلال الحروب الثلاثة التي شُنت على القطاع، مؤكداً في ذات الوقت أن أي إشكالية في هذا السياق يمكن حلها بالحوار والنقاش الوطني.

في المقابل، لا ترى حركة "فتح" أهمية لإنشاء هيئة وطنية تتولى الإعمار. ويقول القيادي في الحركة فيصل أبو شهلا، لـ"العربي الجديد" إن حكومة الوفاق الوطني التي جاءت نتيجة مصالحة وطنية هي الجهة الرسمية الوحيدة المسؤولة عن ملف إعمار غزة.

ويؤكدّ أبو شهلا أهمية تدعيم عمل الحكومة في غزة وتفعيل السلطات الرقابية بما فيها المجلس التشريعي لكي يتولى مهمة متابعة عملية الإعمار بشكل نزيه.

على الطرف الآخر، يبدو المجتمع المدني الفلسطيني متوجساً من قضية الإعمار، ولا تعجبه التقديرات المتضاربة التي خرجت حتى الآن لجهة الأرقام والاحصاءات، وأرسل مذكرة للسلطة الفلسطينية يطالب فيها بتشكيل هيئة وطنية تتولى الإعمار، ولا يزال في انتظار موقفها.

ويقول مدير شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا لـ"العربي الجديد"، إن الهيئة التي يدعون لتشكيلها تضم في عضويتها مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني، من ممثلين عن الوزارات المختصة والمجالس المحلية والمنظمات الأهلية ومؤسسات القطاع الخاص وبعض الكفاءات وممثلين عن المتضررين.

وتقوم الهيئة، وفق الشوا، على وضع خطة إعادة إعمار قطاع غزة ضمن رؤية شمولية متكاملة وتعمل على التخطيط والإشراف والرقابة على عملية إعادة الإعمار في إطار من الشفافية والمصارحة على أن يكون مقرها القطاع وأن يرأسها وزير مفوّض.

ويرى الشوا أن الإعمار يجب أن يشمل كل ما دمره الاحتلال على مدار السنوات السابقة، مع عدم اغفال البنية التحتية المتهالكة في القطاع والتي باتت بحاجة ماسّة لإصلاحها وإنشاء بنى جديدة تفيد السكان الذين زادوا عدداً وزادت احتياجاتهم.

كما يشدد على ضرورة أن تكون عملية إعادة الاعمار من خلال شركات فلسطينية والعمل على إعادة إعمار وتأهيل شركات المقاولات والبناء في قطاع غزة، ولا سيما تلك التي تعرضت للتدمير جراء العدوان، مؤكداً كذلك ضرورة أن تركّز مشاريع الاعمار على تشغيل العاطلين من العمل بما يسهم في تخفيف نسب الفقر والبطالة.

ويخلص الشوا إلى أن أهمية تشكيل الهيئة الوطنية تنبع من التجارب السابقة التي جرى فيها طرح خطط لعمليات الإعمار من دون التشاور مع المتضررين في غزة، ولم يُكتب لها النجاح.

المساهمون