خطوط حمر في تونس

31 مايو 2021
التزمت المؤسستان العسكرية والأمنية في تونس بالحياد السياسي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أثارت الرسالة التي وجهتها مجموعةٌ من القيادات العسكرية التونسية المتقاعدة إلى الرئيس التونسي، قيس سعيّد، جدلاً كبيراً في البلاد، ومخاوف أكبر من دخول قيادات سابقة في الجيش على خطّ الصراع السياسي الدائر في تونس، وإن كان من باب النصح وإبداء الرأي. وتوجه 6 من القيادات الكبرى العسكرية المتقاعدة، يوم الجمعة الماضي، برسالة إلى سعيّد، وصفها أصحابها بأنها "الأمل الأخير لإنقاذ البلاد". والموقعون على الرسالة هم: محمد المؤدب، أمير لواء متقاعد، والبشير مجذوب، رئيس جمعية قدماء معهد الدفاع الوطني، وبوبكر بنكريم، كاهية (وكيل) رئيس أركان جيش البر السابق، والعقيد المتقاعد في الجيش، علي السلامي، بالإضافة إلى العميدين المتقاعدين، مختار بالنصر وسهيل الشمنقي.
واعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، أن تدخل عسكريين في الشأن السياسي "نتيجة طبيعية لاستسهال الحديث عن الانقلابات والدعوة إلى إقحام المؤسسة العسكرية في حسم الخلافات، ولتنازع الصلاحيات حول المؤسسة الأمنية". كما اعتبر الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي، أن "استعمال القيادات العسكرية المتقاعدة لرتبهم للتوجيه والتأثير والضغط على مؤسسات الدولة ظاهرة غير صحّية وخطيرة، خصوصاً إذا علمنا أن هناك جهات سياسية متخفية تدفعهم لهذا الصنيع، لغايات لا علاقة لها بمصلحة البلاد واستقرارها".

وتضمنت رسالة الموقعين تأكيداً على "القواعد الديمقراطية، ومبدأ التحاور والعمل برأي الأغلبية، وقاعدة التداول على السلطة بحسب ما يفضي به صندوق الانتخابات، مع احترام المنافسين السياسيّين لبعضهم ومواصلة الحوار معهم في الأطر وبالوسائل القانونيّة". وشدّد كثيرون في تونس، على حق أي مواطن في ممارسة حقوقه الدستورية، وإن كان من قيادات الجيش السابقة التي لم تعد تربطها علاقة بالمؤسسة العسكرية. ولكن على الرغم من ذلك، فإن المخاوف التي أثيرت حول الرسالة، سببها إصرار المجموعة على صفاتها العسكرية في هذا البيان الذي لم يوقع من قبل القيادات بصفتهم كمواطنين، وهو ما يمكن أن يثير لبساً لدى التونسيين.

وعلى الرغم من أن الجيش التونسي كمؤسسة، يظل على الحياد في ما يتعلق بالسياسة، وليست له أطماع في السلطة، وهو ما بيّنته كل التجارب السابقة على مر عقود في تونس (مع استثناءات هامشية)، إلا أن بعض الشخصيات العسكرية كانت دائماً حاضرة، كوزراء أو مسؤولين كبار، في كل الأنظمة السابقة. ويصبح الخوف من أن يقحم المتصارعون اليوم، القوات العسكرية والأمنية، في الشأن السياسي، عنوة، ويدفعونها إلى ساحة السجال مكرهة. ولولا أن الوضع وصل إلى هذه المرحلة الخطيرة التي تهدد سلامة البلاد واستقرارها، لما أقدمت هذه المجموعة من العسكريين على مبادرتها. ويبقى الرؤساء الثلاثة (سعيّد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي) على إصرارهم في مواصلة المعركة إلى آخر رمق، وتجاوز كل الخطوط الحمر، والتلاعب بمصير بلد. ويتساءل التونسيون مرة أخرى: أليس فيكم رجل رشيد؟

المساهمون