المتوقع والمستبعد من زيارة نتنياهو الأميركية

23 يوليو 2024
نتنياهو في خطاب بالقدس المحتلة، 16 يوليو 2024 (عبير سلطان/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **توترات مع بايدن**: زيارة نتنياهو لواشنطن تأتي في ظل خلافات مع بايدن حول صفقة مع حماس، حرب غزة، والاستيطان، وزادت التوترات بسبب انتقادات علنية من نتنياهو ووزرائه.

- **أهداف الزيارة**: يسعى نتنياهو لتأكيد دعم الحزبين لإسرائيل، التعاون ضد الإرهاب، وتعزيز صورته كزعيم قوي، واستعراض إنجازات الاحتلال في غزة، والحصول على دعم أميركي لمواصلة الحرب على حماس.

- **تأثير انسحاب بايدن**: انسحاب بايدن من السباق الرئاسي قد يؤثر على زخم زيارة نتنياهو، ويمنح بايدن حرية أكبر لممارسة ضغوط على نتنياهو بشأن قضايا مثل صفقة حماس والاستيطان.

يسرق انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي، الأضواء من الزيارة التي شرع بها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، أمس الاثنين، والمرتقب أن يلقي خلالها خطاباً في الكونغرس الأميركي غداً الأربعاء، كما من المتوقع أن يلتقي بايدن اليوم الثلاثاء، إن لم يحدث تغيير. وتعتبر زيارة نتنياهو الأميركية محطة أساسية في إطار تطورات الحرب في قطاع غزة، وسط ترقّب لما قد يرشح عن خطابه في الكونغرس.

ويزور نتنياهو واشنطن في ظل علاقة معقّدة وخلافات كثيرة مع بايدن، على خلفية قضايا عديدة، منها ما يتعلق في الأشهر الأخيرة بتجاهل نتنياهو وحكومته لتوجهات الإدارة الأميركية المطالبة بتسريع إبرام صفقة مع حركة حماس تعيد المحتجزين الإسرائيليين. كما تترافق زيارة نتنياهو الأميركية مع خلافات بين الرجلين حول  أمور أخرى تتعلق بتفاصيل حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة لا في مبدأ الحرب نفسها، في ظل المشاركة الأميركية فيها سياسياً وعسكرياً من خلال جسر جوي لدعم تل أبيب بالأسلحة، ونشر سفن حربية في المنطقة، وحتى مساهمتها في مهام استطلاع في القطاع وغيرها. يضاف إلى ذلك خلافات تتعلق بالاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وممارسات المستوطنين واعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين. ويدرس البيت الأبيض حالياً فرض عقوبات على الوزيرين الإسرائيليين المتطرفين، المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير، على خلفية توسيع النشاط الاستيطاني في الضفة.

وتلقي حقيقة أخرى بظلالها على زيارة نتنياهو الأميركية متمثلة بأنه هو وعدد من وزراء حكومته قلّلوا من احترام الرئيس الأميركي، ووجهوا انتقادات علنية وأخرى مبطّنة له ولإدارته، مثلما حدث في قضية شحنة السلاح التي أخّرتها واشنطن، في مايو/ أيار الماضي. بدورها تتهم إدارة بايدن شخصيات متطرفة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بعرقلة العديد من الخطوات التي كانت تتوقعها وتطلبها من إسرائيل خصوصاً ما يتعلق بالحرب والصفقة مع "حماس". مع كل ذلك، يدرك نتنياهو جيداً أن بايدن من أبرز الداعمين لإسرائيل، كما يرى الكثير من المسؤولين والمعلقين الإسرائيليين أنه قد يكون آخر رئيس داعم لإسرائيل على هذا النحو.

وقد يؤثر انشغال الأميركيين بالتطورات المتعلّقة بانتخاباتهم سلباً على الزخم الذي كان ستحظى به زيارة نتنياهو الأميركية لو لم يقرر بايدن الانسحاب من الترشّح للانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وقد يؤثر القرار في أن يكون نتنياهو أكثر وداً حيال بايدن إن اعتبر أن مهمة الرجل انتهت. لكنه في المقابل قد يأخذ نتنياهو في واشنطن بعين الاعتبار، خلال أي كلمة تخرج منه، غضب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، على الطريقة التي هنأ فيها نتنياهو بايدن، والذي تفوّق في الانتخابات الرئاسية السابقة على ترامب، واتهام الأخير لنتنياهو حينها "بعدم الولاء".

زيارة نتنياهو الأميركية لتأكيد الحلف

قبل صعوده إلى الطائرة أمس، قال نتنياهو: "أغادر الآن في زيارة مهمة للغاية للولايات المتحدة، في وقت تقاتل فيه إسرائيل على سبع جبهات، وفي وقت يشوبه قدر كبير من عدم اليقين السياسي في واشنطن". وأضاف: "خلال هذه الزيارة سألقي خطاباً للمرة الرابعة بصفتي رئيسا لوزراء إسرائيل، أمام مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ)". وسيؤكد نتنياهو في الخطابين "على دعم الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) وأُخبرهما أنه بغض النظر عمن سيتم اختياره لقيادة الشعب الأميركي بعد الانتخابات الرئاسية، فإن إسرائيل هي أهم حليف له في الشرق الأوسط".

نتنياهو: سأناقش مع بايدن التعاون ضد الإرهاب ومحور الشر الإيراني

وأتى نتنياهو على ذكر بايدن، لكنه لم يتطرق بشكل واضح إلى انسحابه من السباق الرئاسي، قائلاً: "من المفترض أن ألتقي الرئيس جو بايدن، الذي أعرفه منذ أكثر من 40 عاماً. وستكون هذه فرصة لأشكره على الأشياء التي قام بها، وأيضاً فرصة لمناقشة القضايا المهمة معه لبلدينا في الأشهر المقبلة". يأتي ذلك إلى جانب مناقشة نتنياهو في واشنطن مع بايدن "التعاون من أجل إطلاق سراح جميع مختطفينا (المحتجزين الإسرائيليين في القطاع)، والتعاون لتحقيق النصر على (حركة) حماس، والتعاون ضد الإرهاب والعدوان ومحور الشر الإيراني". وقال: "ليعلم أعداؤنا أن الولايات المتحدة وإسرائيل تقفان معاً اليوم، وغداً وإلى الأبد".

ليست صدفة ذكر نتنياهو أنه سيلقي خطاباً للمرة الرابعة أمام الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، فهذا سيمنحه نشوة كبيرة، كما أن الخطاب هو الأمر الأهم بالنسبة له، حتى من لقائه بايدن، ليمرر نتنياهو في واشنطن بخطابه رسائله ومواقفه. كذلك سيسوّق نتنياهو في الخطاب شخصيته قائدا وزعيما قويا وقادرا على تحقيق ما لم يحققه غيره، ليس فقط إسرائيلياً، إذ سيكون أول زعيم أجنبي يلقي خطاباً للمرة الرابعة أمام مجلسي الكونغرس، متجاوزاً رئيس الحكومة البريطانية الأسبق وينستون تشرشل الذي ألقى ثلاثة خطابات أمام الكونغرس.

ويرى معلقون وصحافيون إسرائيليون، منهم أريئيل كهانا، في صحيفة يسرائيل هيوم الإسرائيلية، أن زيارة نتنياهو الأميركية "شرف شخصي عظيم بلا شك لنتنياهو، خصوصاً بعد أن كانت إسرائيل في الأشهر التسعة الأخيرة، في عهده، في أسوأ حالاتها منذ عام 1948. الحرب وكل ما يتعلق بها ستكون في مركز خطاب" نتنياهو في واشنطن. واعتبر أن "الخطابات هي أهم شيء بالنسبة لنتنياهو، أهم من الأفعال واتخاذ القرارات، ولذلك فهو ورجاله يعملون منذ أسابيع على مضمونه".

مع هذا، تأتي زيارة نتنياهو الأميركية في توقيت بائس، على حد تعبير الصحافي والكاتب الإسرائيلي ناحوم برنيع، في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، إذ أوضح أنه "عندما سمع نتنياهو في الأخبار نبأ انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، تذكّر لقاءه مع (الرئيس الأميركي الأسبق) بيل كلينتون عام 1998". ولفت إلى أن "كلينتون أرسل حينها نتنياهو والوفد المرافق له إلى وجبة غداء خارج البيت الأبيض، من دون أن يشرح له الأسباب، وفي اليوم نفسه ظهرت قضية مونيكا لوينسكي، التي أقام كلينتون معها علاقة حميمة، وفي لحظة واحدة مُحيت إسرائيل من جدول الأعمال الأميركي". ورأى برنيع أن "هذه هي طبيعة واشنطن، عندما تحدث دراما سياسية، فإنها تستنزف كل الأكسجين الموجود في المدينة"، معتبراً أن إعلان بايدن هو إثارة من هذا النوع، إذ يمكن أن تُنسى مشاكل الشرق الأوسط لعدة أيام".

لا قرارات جديدة

يزور نتنياهو واشنطن من دون قرار جديد بشأن إبرام صفقة مع حركة حماس، باستثناء قراره إرسال فريق التفاوض إلى قطر يوم الخميس المقبل، وهو مشهد تكرر بين الدوحة والقاهرة على مر الشهور الماضية، كان يؤول دائماً إلى إفشال نتنياهو الصفقة كلما بدا أنها تقترب. وبالتالي فإن زيارة نتنياهو الأميركية لا تحمل أي "بُشرى" للإدارة الأميركية التي تحث على الصفقة، كما لا تحمل أي جديد بشأن "اليوم التالي" لحرب الإبادة على القطاع، ولا أي جديد بالطبع بقضية إقامة تحالف ضد إيران، والذي تسعى إليه واشنطن في الشرق الأوسط.

امتنعت عائلات محتجزين إسرائيليين عن مرافقة نتنياهو إلى واشنطن إذ سيستغلها من أجل مصالحه الضيقة

وبالإضافة إلى الضغط الأميركي الكبير على إسرائيل في قضية الصفقة، رغم الدعم غير المسبوق لحرب الإبادة الإسرائيلية، تأتي زيارة نتنياهو الأميركية تحت تأثير ضغوط كبيرة، تُمارس عليه أيضاً من قبل أهالي المحتجزين الإسرائيليين، وكذلك من قبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لإبرام صفقة، وسط توجيه اتهامات له بالمماطلة بمقترح الصفقة المطروح حالياً، والذي أبدت "حماس" موافقتها عليه.

ويُتهم نتنياهو بعدم الاكتراث بحياة المحتجزين الإسرائيليين وعرقلة الصفقة وإطالة أمد الحرب بسبب مصالح شخصية وحسابات سياسية. وفي حين ترافق نتنياهو في واشنطن بعض عائلات المحتجزين، إلا أن عائلات أخرى رفضت ذلك، معتبرة أن نتنياهو سيستغلها من أجل مصالحه السياسية الضيقة، ويوظف ذلك من خلال خطابه في الكونغرس، وكذلك في لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين. وربما يتراجع نتنياهو أيضاً عن تعهده للأميركيين بأنه سيمنح فريق المفاوضات تفويضاً أوسع (وفق ما أشارت إليه وسائل إعلام إسرائيلية)، ذلك أنه سيتحرر أكثر من ضغوط حلفائه في اليمين، مع اقتراب خروج الكنيست الإسرائيلي في عطلة بعد نحو أسبوع، ما يعني أنه لن يكون بالإمكان تهديده بفك الائتلاف خلالها، في حال اتخذ قراراً لا يعجبهم.

المتوقع في خطاب نتنياهو

من المتوقع أن يخصص نتنياهو في واشنطن جزءاً كبيراً من خطابه في الكونغرس، للحديث عن عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس في السابع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وبالتالي عن قضية المحتجزين الإسرائيليين، والصفقة، وربما يستعرض "إنجازات" الاحتلال في القطاع. والمرجّح أنه سيتحدّث عن "النصر المطلق"، وبطبيعة الحال عن إيران وتحميلها مسؤولية الحاصل في المنطقة من توترات، وعن القيم المشتركة بين واشنطن وتل أبيب، وتشكيلهما أهم حليفين في العالم.

وسيسعى من خلال خطابه للحصول على أكبر عدد من مرات التصفيق في ظهوره الرابع، وسيعتبر ذلك استعراضاً يحمل رسالة إلى الإسرائيليين في أسوأ فترات حكمه، خصوصاً أن هذا الحضور يأتي بعد الكثير من التوتر مع الإدارة الأميركية. كما يأتي وسط حديث نتنياهو الصريح غير مرة، بأنه الزعيم القوي القادر على اتخاذ القرارات المتعلقة بالحرب والصفقة، وفق ما يراه مناسباً، من دون تأثر بالضغوط التي تمارس عليه، حتى لو كانت من دول صديقة، وأهم حليف لإسرائيل، الولايات المتحدة الأميركية، وأنه يطل اليوم من معقلها في تحد لكل من فيها.

ويهدف نتنياهو لإعادة بناء صورته أمام الإسرائيليين، ليقول إنه لا يزال يحظى باحترام ومكانة لدى أهم حليف رغم الخلافات. وربما في ذلك رسالة أيضاً للعديد من المعلّقين الذين انتقدوا ممارسات نتنياهو وأعضاء ائتلافه الحاكم، وتصريحاتهم وتحدّيهم للولايات المتحدة، معتبرين أنه لا يمكن التعامل مع واشنطن على هذا النحو الذي سيترك ضرراً كبيراً على العلاقات.

قد ينتقد نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس التأخير بإرسال جزء من الأسلحة لإسرائيل

وليس مستبعداً أن ينتقد نتنياهو بطريقة ما، من خلال خطابه في الكونغرس، التأخير الذي كان في إرسال جزء من الأسلحة لإسرائيل ليرضي غروره، رغم أنه لولا الدعم الأميركي طيلة الفترة الماضية ومشاركة واشنطن في الحرب، ربما لما تمكنّت إسرائيل من مواصلة حربها على قطاع غزة حتى اليوم. وسيحاول نتنياهو من خلال خطابه الحصول على المزيد من الشرعية الأميركية بالأساس لمواصلة الحرب على قطاع غزة، حتى "القضاء على حركة حماس" وتحقيق "النصر المطلق"، وعدم تشكيل غزة تهديداً على إسرائيل وغيرها. وسيبذل كل ما في وسعه للتحذير من أن الأميركيين أيضاً في خطر بسبب إيران، ولإيصال رسالة مفادها أن حرب إسرائيل هي حرب أميركا ودول أخرى في العالم "المتحضّر" ضد "الشر" كما يردد دائماً.

أما الرئيس الأميركي جو بايدن، فلن يتوانى عن تأكيد دعم إسرائيل خلال الأشهر المتبقية له رئيسا. وبالمقابل قد يتحرر بعد انسحابه من السباق الرئاسي من بعض القيود، ويتحيّن الفرصة لتصفية حساباته مع نتنياهو الذي طالما وقف في وجهه منذ تشكيله في 2022 حكومته الحالية، في قضايا كثيرة، وبالتالي رد الاعتبار لنفسه، وممارسة مزيد عن الضغط على نتنياهو لإبرام صفقة أو الحد من الاستيطان أو تنفيذ بعض الرغبات الأميركية المتعلقة بقضايا فلسطين. قد يفعل بايدن ذلك من خلال خطوات عملية أو الامتناع عن معارضة قرارات ضد إسرائيل في المحافل والهيئات الدولية.

قد يتخذ بايدن قرارات أوسع وأكثر تأثيراً ضد الاستيطان والمستوطنين ويفرض فعلاً عقوبات على وزراء من قبيل سموتريتش وبن غفير، أو قد يحول دون تدخل واشنطن لمنع إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وربما بقضايا أخرى.

المساهمون