في ظل وقف المحادثات بين موسكو وكييف لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، وتبادل الاتهامات بين البلدين حول سبب فشل المباحثات السابقة في التوصل لاتفاقات نهائية، برزت في الفترة الأخيرة خطة قدّمتها إيطاليا لتسوية تقوم على العمل خطوة بخطوة، بدءاً بوقف لإطلاق النار وصولاً إلى سلام دائم وفق اتفاقية متعددة الأطراف. وفيما لم تُنشر التفاصيل الكاملة للخطة، إلا أن روما أكدت تقديم المقترح للأمم المتحدة ومجموعة السبع.
كما أعلن نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو، في تصريحات للصحافيين أمس الإثنين، أن موسكو تدرس خطة روما، وسيتم تقييم هذه المقترحات بعد تحليلها، وقال "الخطة لا تجري مناقشتها بين روسيا وإيطاليا. تلقيناها أخيراً وندرسها، وعندما ننتهي من تحليلها، سنقدم تقييماً".
كما نقلت وكالة "تاس" الروسية عن مصدر دبلوماسي إيطالي لم تسمه، أن هذا الاقتراح في مرحلته الأولية للمناقشة وقد يضع الأساس لعملية التفاوض.
العمل خطوة بخطوة لوقف إطلاق النار في أوكرانيا
وكان وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو قد كشف أن بلاده اقترحت على الأمم المتحدة تشكيل "مجموعة تيسير دولية" لمحاولة التوصل "خطوة إثر خطوة" إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا.
وقال خلال مؤتمر صحافي لوزراء مجلس أوروبا، قرب تورينو، يوم الجمعة الماضي، إن "خطة السلام الإيطالية هي اقتراح بحثته مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في نيويورك، الأربعاء الماضي، بخصوص إنشاء مجموعة تيسير دولية تضم منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا".
كشف دي مايو أن بلاده اقترحت على الأمم المتحدة تشكيل "مجموعة تيسير دولية" لمحاولة التوصل "خطوة إثر خطوة" لوقف لإطلاق النار
وأضاف أن "الهدف هو العمل خطوة بخطوة، البدء على سبيل المثال بهدنات محلية وإجلاء مدنيين واحتمال فتح ممرات إنسانية آمنة، ومن ثم تكثيف العمل من أجل التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار ثم سلام دائم مع اتفاق سلام حقيقي". وقال دي مايو إن "مجموعة التيسير" التي اقترحتها الأمم المتحدة يجب أن تحاول "إعادة بناء الحوار بين طرفين في حالة حرب حالياً". وتابع: "لقد وزعنا هذا الاقتراح على مجموعة السبع في الأيام التي سبقت زيارتي لنيويورك. وسنواصل تعزيز المبادرات التي يمكن أن تسهل الحوار".
ورأى دي مايو أن بلاده "تتمتع بالمصداقية في التقدم باقتراح خطة سلام" بين موسكو وكييف، وأضاف "ترتبط هذه المصداقية بحقيقة أننا قدمنا الدعم المالي الكامل للدفاع المشروع عن أوكرانيا بكل إمكانياتنا"، وهذا "يعطينا المصداقية في الحديث عن الحوار، لأننا لم نتهرب مطلقاً عندما كان من الضروري دعم الشعب الأوكراني من الغزاة الذين لا يزالون يستهدفون المدنيين".
كما أعلن ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، يوم الجمعة الماضي، خلال مؤتمر صحافي في بروكسل، أنه أحيط علماً بالخطة التي أعلن عنها دي مايو، مؤكداً أن الاتحاد الأوروبي "يدعم جميع الجهود المبذولة لمحاولة إنهاء الصراع الجاري في أوكرانيا"، لكن "هذا من المنظور الأوروبي يمر عبر الوقف الفوري لأعمال العنف والانسحاب غير المشروط للقوات الروسية من الأراضي الأوكرانية".
وتابع بوريل "يجب أن تقرر أوكرانيا شروط وقف إطلاق النار، ونحن في الاتحاد الأوروبي نحاول الآن دعم كييف. إننا نبذل كل الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لكننا نريد أيضاً أن تقودنا أوكرانيا إلى موقف القوة عندما تجري المفاوضات".
أربع نقاط لوقف الغزو الروسي
ولم تُنشر تفاصيل هذه الخطة، لكن بحسب صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، فإن الوثيقة المفصلة التي سلّمت للأمم المتحدة وأعدها دبلوماسيون من وزارة الخارجية الإيطالية تركز على أربع نقاط، أولاها وقف إطلاق النار في أوكرانيا ونزع الأسلحة من الجبهات بإشراف الأمم المتحدة.
وبحسب الصحيفة، يتم التفاوض على وقف إطلاق النار أثناء القتال، ويجب أن يقترن، وفق الاقتراح الإيطالي، بآليات رقابية ونزع السلاح عند خط المواجهة لتمهيد الطريق لوقف نهائي للأعمال العدائية. وذكرت الصحيفة أن هذه الخطوة هي الأكثر تعقيداً بالنظر إلى الوضع على الأرض، وإذا تحققت فستوفر مساحة كبيرة من السلام.
أولى خطوات الخطة وقف إطلاق النار في أوكرانيا ونزع الأسلحة من الجبهات بإشراف الأمم المتحدة
أما النقطة الثانية في الخطة، فهي مفاوضات حول وضع أوكرانيا، التي ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي لكن ليس حلف شمال الأطلسي. ووفق الخطة، سيتم الاتفاق على حياد نهائي لكييف، مكفول بـ"ضمان" سياسي دولي. وسينظم مؤتمر سلام لمناقشة هذا الحياد، على أن يكون هذا الوضع متوافقاً تماماً مع نيّة أوكرانيا في أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي.
وتُعتبر النقطة الثالثة، "الأكثر سخونة" من وجهة النظر الدبلوماسية، وفق "لا ريبوبليكا"، تلك المتعلقة باتفاقية ثنائية بين روسيا وأوكرانيا حول القضايا الإقليمية، ولا سيما وضع شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس. ستتمتع هذه الأراضي المتنازع عليها بالحكم الذاتي الكامل مع الحق في ضمان أمنها، ولكنها ستكون تحت السيادة الأوكرانية.
تقترح الخطة إعطاء حكم ذاتي للقرم ودونباس تحت السيادة الأوكرانية
وتقترح الخطة أنه في الاتفاقية، يجب حل الخلافات حول الحدود، والسيادة، والسيطرة الإقليمية، والأحكام التشريعية والدستورية لهذه المناطق، والإجراءات السياسية للحكم الذاتي، بما في ذلك الحقوق اللغوية والثقافية، وحرية تنقّل الأشخاص، والسلع، ورأس المال، والخدمات. وتقترح الخطة استقلالية كاملة عملياً للمناطق المتنازع عليها مع إدارة أمنية مستقلة.
أما النقطة الأخيرة، فتتمحور حول إبرام اتفاق متعدد الأطراف للسلام والأمن في أوروبا هدفه بشكل خاص نزع الأسلحة ومنع النزاعات. وفي هذا البند، سيتم بحث إعادة تنظيم التوازنات الدولية، بدءاً بالعلاقة بين الاتحاد الأوروبي وموسكو. وضمن هذا الإطار، هناك عدد من الأولويات التي يتعيّن تحديدها: الاستقرار الاستراتيجي، نزع السلاح، منع تجدد الصراع، وتدابير بناء الثقة.
علاوة على ذلك، فإن الهدف هو انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، وعلى الأقل إعادتها إلى الوضع الراهن قبل 24 فبراير/ شباط الماضي، تاريخ بدء الغزو الروسي، على أن يكون هذا الانسحاب تدريجياً.
ولإدارة هذه العملية الدبلوماسية، اقترحت إيطاليا تشكيل مجموعة تيسير دولية، تكون بعض الدول والمنظمات الدولية، ولا سيما الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، جزءاً منها.
وبحسب "لا ريبوبليكا"، لم يتم تحديد قائمة كاملة بالعواصم التي ستكون ضمن المجموعة، لأن الفكرة هي تقديم اقتراح يمكن تعديله. لكن يمكن أن تضم: فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، تركيا، الولايات المتحدة، الصين، كندا، بريطانيا، بولندا، وإسرائيل. ووفق الاقتراح الإيطالي، من المفترض أيضاً التوافق بين هذه الدول على أنشطة المراقبة ونشر قوات حفظ السلام وإنشاء بعثات مراقبة من أجل ضمان تنفيذ الاتفاقات المختلفة التي تم التوصل إليها.
(العربي الجديد، فرانس برس)