خريطة متوقعة لشكل البرلمان الأوروبي: يمين أكثر يسار أقل

04 يونيو 2024
المرشحة لانتخابات البرلمان الأوروبي ماري توسان، في أوبرفيلييه، 2 مايو (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حوالي 373 مليون ناخب في الاتحاد الأوروبي يصوتون لاختيار نواب البرلمان الجديد، مع زيادة عدد النواب من 705 إلى 720، في انتخابات تجرى كل خمس سنوات وتؤثر على قرارات مهمة داخل الاتحاد.
- استطلاعات الرأي تظهر تقدم اليمين المتطرف والمحافظين، مع تراجع متوقع للخضر والاشتراكيين، مما يعكس تغير التوجهات السياسية في أوروبا ويبرز التحديات الديناميكية داخل الاتحاد.
- اليمين المتطرف يواجه تحديات بسبب اختلافات في المبادئ، خاصة حول أوكرانيا وروسيا، مما قد يغير حدود التحالفات داخل البرلمان الأوروبي ويثير نقاشات حول مستقبل التعاون الأوروبي.

يتوجّه حوالي 373 مليون ناخب وناخبة من دول الاتحاد الأوروبي، بين 6 و9 يونيو/ حزيران المقبل، إلى صناديق الاقتراع في دولهم، للتصويت في انتخابات البرلمان الأوروبي التي تجرى كل خمسة أعوام. ويرتفع عدد نواب البرلمان الأوروبي الذي سيتشكل بعد انتخابات يونيو، من 705 نواب شكّلوا البرلمان الأوروبي المنبثق عن انتخابات عام 2019، إلى 720 نائباً، وذلك وفقاً لحصص الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والمحددة على أساس عدد السكان ونسبة المنتخبين. ويقترح نواب البرلمان الأوروبي مشاريع قوانين أوروبية، ويتخذون قرارات تؤثر على كل نواحي الحياة داخل الاتحاد الأوروبي، بحسب الموقع الرسمي للانتخابات الأوروبية، والتي من المتوقع أن يتقدم فيها اليمين المتطرف هذا العام، وسط منافسة حادة داخل تيارات اليمين المحافظ. وستكون أعلى نسبة تمثيل في البرلمان الأوروبي الذي يضم 27 دولة، هذا العام، من نصيب ألمانيا بـ96 مقعداً، تليها فرنسا بـ81 مقعداً، ثم إيطاليا بـ76 مقعداً، وإسبانيا بـ61، وبولندا بـ53 مقعداً، ثم رومانيا 33، وهولندا 31، ثم بلجيكا 22، واليونان 21، والتشيك 21، وصولاً إلى 6 مقاعد لأصغر الدول، وهي مالطا وقبرص ولوكسمبورغ. ويضم الاتحاد الأوروبي أيضاً: السويد والبرتغال والدنمارك والمجر والنمسا وبلغاريا وفنلندا وسلوفاكيا وإستونيا وكرواتيا وليتوانيا وأيرلندا وسلوفينيا ولاتفيا.

يقسم البرلمان الأوروبي على أساس تكتلات حزبية عابرة للحدود الوطنية والقوميات واللغات (تنشأ داخل البرلمان بعد تصويت الناخبين لأحزاب مرشحة من داخل دولهم). 24 لغة تعتمد داخل البرلمان الأوروبي حيث تسعى المعسكرات السياسية إلى التأثير على التشريعات التي تهم مصالح دولها والمشتركة على مستوى القارة، وبالطبع إلى جانب السعي وراء المناصب الكبيرة في المفوضيات الأوروبية المتعددة.

تقدم متوقع لليمين في انتخابات البرلمان الأوروبي

أدّت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي في 2019 إلى تشكل سبع كتل برلمانية داخله، وكتلة ثامنة تضمّ مستقلين ومنشقين عن الكتل. في أقصى اليسار، توجد المجموعة المشتركة لليسار الأوروبي واليسار الأخضر الشمالي، وتشمل 38 مقعداً. وعلى نقيض هذا اليسار، نجد في أقصى اليمين مجموعة الهوية والديمقراطية (آي دي)، وتملك 59 مقعداً. وفي الاتجاه اليميني ذاته، تأتي كتلة أحزاب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (إي سي آر) وهي مجموعة يمين قومي محافظ انفصلت في الأصل عن كتلة أحزاب الشعب الأوروبي (عن يمين الوسط، إي بي بي)، ولها اليوم 67 مقعداً. وهذه المجموعة تعتبر حزب الليكود الإسرائيلي ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو شركاء لها، إلى جانب أطراف يمينية أخرى في القارتين الأوروبية والأميركية. وتعدّ كتلة مجموعة أحزاب الشعب الأوروبية (إي بي بي)، وهي المجموعة المسيحية الديمقراطية والمحافظة، أكبر الكتل البرلمانية بـ177 مقعداً، تليها المجموعة الديمقراطية الاجتماعية (أس أند سي)، بـ140 مقعداً (كتلة الأحزاب الاشتراكية عموماً). أما الكتلة الثالثة بـ102 مقعد فهي كتلة "تجديد أوروبا"، وتضم خليطاً من الليبراليين والليبراليين الاجتماعيين، وفي هذه الكتلة، يجلس حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "النهضة" والحزب الديمقراطي الحرّ الألماني. وتأتي بعدها مجموعة الخضر، "التحالف الأوروبي الحر"، بـ71 مقعداً، وتضمّ بعض أحزاب اليسار التقليدي الأوروبي.

وقدّمت استطلاعات الرأي على المستوى الأوروبي، طوال الأسابيع الأخيرة الماضية، تصوّرات عن شكل البرلمان الأوروبي المقبل، أظهرت تحقيق اليمين القومي الأوروبي المتشدد نتائج جيّدة. وبصورة خاصة، أظهرت هذه الاستطلاعات تقدّماً لأحزاب كتلة "آي دي" (الهوية والديمقراطية) وكتلة المحافظين الإصلاحيين (إي سي آر)، كمؤشر على زيادة شعبية معسكرهم على مستوى القارة.


تتنبأ الاستطلاعات بتراجع الخضر والاشتراكيين

وتضمّ كتلة "آي دي"، حزب التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان، وتقول على موقعها إن أكثرية من نوابها هم من حزب "ليغا" (الرابطة) الإيطالي بزعامة ماتيو سالفيني، والحزب من أجل الحرية الهولندي بزعامة خيرت فيلدرز، إلى جانب أحزاب اليمين المتشدّد في بلجيكا والنمسا وإستونيا والبرتغال وجمهورية التشيك وسلوفاكيا، وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي. وبينما ضمّت الكتلة الأوروبية حزب البديل لأجل ألمانيا اليميني المتطرف، إلا أنها أعلنت الأسبوع الماضي طرده من الكتلة (بعد تصريحات صحافية للمرشح الرئيسي عن الحزب للانتخابات الأوروبية ماكسيميليان كراه دافع فيها عن القوات النازية الخاصة). وبحسب استطلاعات نشرها موقع "EUROPE ELECTS"، يبدو أن الحزب من أجل الحرية الهولندي (Partij voor de Vrijheid)، بزعامة السياسي الجدلي خيرت فيلدرز (المعادي للإسلام والمسلمين والمهاجرين ويدعو لإجراء استفتاء في هولندا للخروج من الاتحاد الأوروبي)، المنتمي إلى كتلة "آي دي" في البرلمان الأوروبي يواصل صعوده، بعد تحقيق نتائج جيدة في خريف العام الماضي على مستوى الانتخابات الوطنية، التي منحته نفوذاً هائلاً في توليفة الحكم الهولندي. وكان هذا الحزب قد فشل في عام 2019 في الحصول على أكثر من 3.9 في المائة من أصوات الناخبين في انتخابات البرلمان الأوروبي ما منحه مقعداً واحداً، بينما يتوقّع له هذه المرة القفز إلى أكثر من 27 في المائة من الأصوات، والحصول على عشرة مقاعد.

وفي النمسا، تتوقع استطلاعات الرأي أن يحقق حزب الحرية اليميني المتشدد "أف بي أو" تقدماً أيضاً، وصولاً إلى مضاعفة عدد مقاعده من 3 إلى 6، بزيادة نسبة المصوتين له بنحو 9 في المائة، من 17 إلى 26.4 في المائة. كما تتوقع هذه الاستطلاعات بروز حزب "شيغا" البرتغالي، المحسوب على معسكر اليمين المتطرف، مع أول مشاركة له في انتخابات البرلمان الأوروبي وتعطيه التوقعات 13 في المائة تقريباً من التصويت، وبما يمنحه أربعة مقاعد، وذلك مقابل تراجع يمين ويسار الوسط والاشتراكيين. وعلى ذات المنوال، من الممكن أن يحقق حزب تحالف رومانيا المحسوب على كتلة اليمين المحافظ الأوروبي (إي سي آر) قفزة بأكثر من 13 في المائة ونحو ستة مقاعد. أما في بولندا، ومن ذات الكتلة (إي سي آر)، فقد يفقد حزب "القانون والعدالة" البولندي سبعة من مقاعده الـ27 في البرلمان الأوروبي بحسب استطلاعات رأي نشرها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في يناير/ كانون الثاني ومارس/ آذار الماضيين. وقد يحقق حزب "الطريق الثالث" البولندي أكثر من 16 في المائة من الأصوات، وقد يحصل على عشرة مقاعد في أول ترشح إلى البرلمان الأوروبي معززاً صفوف اليمين الوسطي التقليدي في صفوف الأحزاب الشعبية المحافظة (إي بي بي). أما حزب اتحاد الحرية والاستقلال اليميني المتشدد، في بولندا، فمن المحتمل أن يدخل البرلمان الأوروبي بأربعة مقاعد ستكون محسوبة لكتلة "الهوية والديمقراطية".


يظهر حزب البديل لأجل ألمانيا رغم الخضّات ثابتاً في طريقه نحو تحقيق فوز إضافي

وفي إسبانيا، تتوقّع استطلاعات الرأي أن يتراجع حزب العمّال الاشتراكي بنحو 10 في المائة في انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في يونيو، وأن يخسر مقعدين من مقاعده الـ21 التي يملكها اليوم. في المقابل، يتقدّم حزب الشعب (يمين الوسط) بـ13 نقطة إلى أكثر من 33 في المائة، مضاعفاً مقاعده إلى 26 مقعداً. اللافت أيضاً أن حزب "فوكس" اليميني الشعبوي، المحسوب على كتلة المحافظين والإصلاحيين "إي سي آر"، سيحقق وفقاً للاستطلاعات زيادة بنحو 5 في المائة، رافعاً عدد مقاعده من أربعة إلى سبعة مقاعد. اليمين المتشدد السويدي، ممثلاً بالحزب القومي المحافظ "ديمقراطيو السويد"، سيحقق أيضاً قفزة من نحو 15 في المائة، إلى 21 في المائة من الأصوات، مضاعفاً عدد مقاعده من 3 إلى 6 مقاعد، وذلك يعكس أيضاً تقدم شعبية هذا الحزب على المستوى الوطني السويدي، ويفتح نقاشاً حول إمكانية انتقاله من كتلة "إي سي آر" إلى "الهوية والديمقراطية". وللسويد حصة من 21 مقعداً. وفي كرواتيا، قد يحقق الحزب اليميني المتشدد "حركة الوطن"، الذي تأسس في عام 2020، تصويتاً بـ10 في المائة في المرة الأولى هذا العام لترشحه إلى البرلمان الأوروبي. ويتهم بعض أعضاء الحزب بممارسة العنف الحدودي بحق المهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا.

"البديل" الألماني... تقدّم وتوجّس

في ألمانيا، تبدو الأمور أكثر إثارة في البلد الذي يحتل العدد الأكبر من مقاعد البرلمان الأوروبي. ويظهر حزب البديل لأجل ألمانيا ثابتاً قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في طريقه نحو تحقيق فوز إضافي عن ما حققه خلال انتخابات البرلمان الأوروبي في 2019. تمدّد موجة "البديل" (يملك 78 نائباً في البرلمان الاتحادي الألماني بوندستاغ)، وفق استطلاعات الرأي، تأخذه نحو مضاعفة نسبته المئوية من 11 في المائة إلى نحو 20 في المائة وسيكون له 20 مقعداً في البرلمان الأوروبي. في المقابل، تتنبّأ التوقعات بخسارة حزب "الخضر" الألماني سبعة من مقاعده الـ21 في البرلمان الأوروبي. كذلك من المتوقع أن يخسر حزب المستشار أولاف شولتز، الاجتماعي الديمقراطي، أربعة من مقاعده الـ16. هذا بينما يحقق تحالف ساره فاغنكنشت "من أجل العقل والعدالة" (تأسس في 8 يناير/ كانون الثاني الماضي ومنشق عن حزب اليسار الألماني) نحو ثمانية مقاعد من المرة الأولى للمشاركة في الانتخابات الأوروبية، وفي ذلك مؤشر على أن فاغنكنشت تُرسخ أقدامها في الساحة السياسية الألمانية، متجاوزة حتى حزب دي لينكه اليساري، الذي لا يحقق أكثر من ثلاثة مقاعد، فاقداً مقعدين عن 2019.

تقدم "البديل" المتوقع لا يعني أن أمور الحزب بخير. فعلى مستويي ألمانيا وأوروبا، يعيش هذا الحزب اليميني المتطرف مرحلة من الهزّات والمطبات مع تزايد تعبيره عن التطرف، بينما تحاول أحزاب أخرى من الجناح اليميني المتطرف في أوروبا تشذيب ما تقوله، مثلما تفعل رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني (حزب إخوة إيطاليا)، وتحاول مارين لوبان الإيحاء به أيضاً. وأعلنت المجموعة البرلمانية "آي دي" (الهوية والديمقراطية) التي تمثل أقصى اليمين المتشدد في البرلمان الأوروبي أخيراً، أنها لن تقبل "البديل" في كتلتها بعد التاسع من يونيو المقبل. جاء ذلك في أعقاب تصريح آخر مثير للجدل، صادر عن إحدى الشخصيات السياسية في الحزب الألماني اليميني المتشدد، حيث اعتبر أبرز مرشحيه إلى البرلمان الأوروبي ماكسيميليان كراه أنه "ليس كل القوات الخاصة إس إس الألمانية (النازية) مجرمين"، ما أثار جدلاً بشأن عمق التطرف اليميني في هذا الحزب الألماني، وخصوصاً بعد صعوده الصاروخي منذ تأسيسه في عام 2013، وعلى الرغم مما لحق به من شوائب وتصريحات عن الحقبة النازية واتهامات لبعض قياداته بعلاقات روسية صينية.

فاستطلاعات الرأي التي نشرتها الصحافة الألمانية أظهرت وجود أغلبية ألمانية بنحو 73 في المائة يعتقدون أن "البديل" يشكل تهديداً للديمقراطية الألمانية، بينما يؤيد نحو 44 في المائة حظر الحزب. واستبعاد ضمّ "البديل" إلى كتلة اليمين المتشدد الأوروبية، يعود إلى موقف زعيمة حزب التجمع الفرنسي، مارين لوبان، التي ساهمت في عام 2019 بتأسيس هذه الكتلة البرلمانية الأوروبية (الهوية والديمقراطية)، جنباً إلى جنب مع الإيطالي ماتيو سالفيني والهولندي فيلدرز وحزب "الفنلنديين الحقيقيين" الشعبوي. فعين مارين لوبان على كرسي الرئاسة في فرنسا في عام 2027 واستكمال سكّة تطبيع مكانتها كيمينية أقل تطرفاً، والحفاظ على تقدّمها في استطلاعات الرأي نحو البرلمان الأوروبي بزيادة مقاعدها من 23 إلى 25 مقعداً. بالطبع هذا إلى جانب أن زميلها في التطرف بحزب الاسترداد الفرنسي، إريك زامور، قد يحصل على خمسة مقاعد في البرلمان الأوروبي هذه المرة، وهي المرة الأولى التي يترشح فيها هذا الحزب في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا العام، معززاً معسكر التطرف في برلمان أوروبا المقبل.

والتوجّه نحو استثناء "البديل" من جبهة اليمين المتشدد لا يعني أن هذا المعسكر سيكون أقل تأثيراً في البرلمان الأوروبي المقبل. فالعملية الحسابية تقول إن كتلتي آي دي وإي سي آر ستحققان تقدماً بـ40 و18 مقعداً لكل منهما. وذلك يعني أن "الهوية والديمقراطية" قد يقفز إلى 98 مقعداً تقريباً. وحتى إذا ما أخرج "البديل" من الكتلة، فمن المحتمل أن يتجه البرلمان المقبل إلى تغيير حدود التحالفات، حيث يمكن أن يلعب "إخوة إيطاليا" بزعامة ميلوني دوراً في جمع الفريقين، وخصوصاً أن الاستطلاعات تمنحها قفزة كبيرة من نحو 6 في المائة (6 مقاعد) إلى نحو 27 في المائة و27 مقعداً، بينما يتراجع حزب رابطة سالفيني بشكل مثير، إذ تشير استطلاعات الرأي بحسب وكالة أسوشييتد برس في 30 إبريل/ نيسان الماضي، إلى أن حزب الرابطة الذي حصل على 34 في المائة من أصوات الناخبين في 2019، ربما لن يحصل هذا العام على أكثر من 8 في المائة. أما حزب "النجوم الخمس" فسيحافظ تقريباً على مستواه الحالي.


تختلف أحزاب اليمين المتطرف حول مبادئ عدة، منها دعم أوكرانيا والتشدد مع روسيا 

 

أحد السيناريوهات التي يطرحها تحليل لمركز المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن يذهب طرفا معادلة أقصى اليمين والشعبويون والمحافظون الإصلاحيون إلى ضم كتلة فيديز بزعامة رئيس وزراء المجر القومي المحافظ فيكتور أوربان، الذي تتوقع له استطلاعات الرأي أن يفوز بنحو 14 مقعداً، لتحويل كتلتيهما إلى حوالي ربع البرلمان الأوروبي. التجارب السابقة، منذ أول انتخابات للبرلمان الأوروبي في 1979، أظهرت قدرة مختلف المعسكرات اليمينية على الاستفادة مع الوقت من البراغماتية والتلون السياسي لتحقيق نفوذ وتأثير على المستويات الوطنية والأوروبية. ومع أن معسكر يمين الوسط التقليدي (إي بي بي) يتراجع بخمسة مقاعد، من 177 مقعداً إلى 172، كما تتنبأ له استطلاعات الرأي، فستبقى كتلته هي الكبرى في البرلمان الأوروبي المقبل، يليها معسكر الاجتماعيين الديمقراطيين (أس دي)، يسار الوسط، متراجعاً من 141 مقعداً إلى 131.

وإذا اندمج معسكرا آي دي، وإي سي آر، في كتلة واحدة، بعد انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة، فسيفوزان معاً بحوالي 181 مقعداً. لكن هذا الاندماج دونه عوائق، لعل أهمها ما يتعلق ببنية وتركيبة أحزابها وأيديولوجياتها. هذا بالإضافة إلى تغيير في حدة خطاب بعض أطرافها حيال المشروع الأوروبي برمته، من رفض مطلق، إلى إظهار مواقف شعبوية متماشية مع المراحل، وخصوصاً بعد مرحلة الحرب في أوكرانيا واعتبار بعض أقطابه أن الاتحاد الأوروبي منصة مهمة لمصالح القارة. أما على مستوى التعاون بين هاتين الكتلتين وكتلة اليمين الوسط التقليدي، في أحزاب الشعب الأوروبية المحافظة (إي بي بي)، فقد حددها زعيم كتلة المحافظين الألماني مانفريد فيبر (ويبر) بثلاثة مبادئ: أن يكون الشركاء مؤيدين لأوروبا ولأوكرانيا وسيادة القانون، وهي مبادئ تختلف حولها أحزاب اليمين المتطرف بأنفسهم. فمن بينهم من هم أقل ميلاً للتشدد مع روسيا وأقل حماسة لدعم أوكرانيا ويقفون في حالة صدام مع بروكسل واتهامات من الأخيرة لبعض قوى التشدد القومي بنسف أسس ومبادئ الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً لناحية فصل السلطات، كما في تجربتي بولندا والمجر، وتوعد قوى أخرى تحقق تقدماً على مستوياتها الوطنية بألا تستمر في دعم أوكرانيا، منادية بوقف العقوبات والتراجع عن مقاطعة روسيا.

المساهمون