"خريطة طريق" الرئيس الأميركي: غزة ضحية حسابات بايدن ونتنياهو

04 يونيو 2024
بايدن خلال اجتماعه مع هيئة الأركان المشتركة، 15 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الإدارة الأميركية تعبر عن ثقتها في التزام إسرائيل بخطة الخروج التدريجي من الحرب، التي تعتمد على موافقة "حماس" وتهدف لإنهاء الحرب، مع تحول في موقف الإدارة الأميركية نحو دعم وقف إطلاق النار.
- تصريحات متضاربة من نتنياهو تثير شكوك حول التزام إسرائيل بالخطة، مع إشارات إلى رغبته في تجزئة الخطة وعدم الالتزام بوقف دائم لإطلاق النار، مما دفع الإدارة الأميركية للتأكيد على ضرورة الالتزام بالخطة.
- الخلافات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية تعكس التحديات في تنفيذ خطة السلام وتهدد بتقويض جهود إنهاء الحرب، مع حراك دبلوماسي مكثف من الإدارة الأميركية لدعم الخطة ولكن مع نتيجة غير مؤكدة.

أكدت وزارة الخارجية الأميركية، أن الإدارة الأميركية "لديها كامل الثقة" بأن الحكومة الإسرائيلية ملتزمة بتطبيق خطة الخروج التدريجي من الحرب التي كشف عنها الرئيس بايدن يوم الجمعة الماضي. وشدد الناطق ماثيو ميلر أن ما كشفه الرئيس هو أصلاً "عرض قدمته إسرائيل". وعليه فإن الإدارة الأميركية لا ينتابها شك بشأن التزام إسرائيل بها لو وافقت عليها "حماس" التي يتوقف مصير الخطة على موقفها منها، كما قال. وكان المنسق الإعلامي في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، قد كرر مثل هذا التأكيد في اليومين الماضيين. وهي تصريحات جعلت الأمر يبدو وكأن فيه اختراقا مفاجئا، خاصة وأن الرئيس الأميركي جو بايدن تولى بنفسه على غير عادة الإعلان عن "الخريطة" نيابة عن إسرائيل مع عرض تفاصيلها ومراحلها الثلاث، وكأنه أراد ربط اسمه بالعملية بضمانة. ولأول وهلة بدا هذا التوجه وكأنه حصل نتيجة قناعة توصل إليها الجانبان، الأميركي والإسرائيلي، بأن الحرب وصلت إلى طريق مسدودة وبالتالي لا بدّ من مخرج لها، خصوصاً وأن الرئيس بايدن اعترف ولأول مرة بأنه قد "حان أوان نهايتها"، وهو الذي بقي لأشهر يرفض حتى فكرة الدعوة لوقف إطلاق النار ولو مؤقتاً. وهذا التحول رفع من درجة التفاؤل بحصول حلحلة على طريق الحل الذي كان ينتابه الجمود.

وأثارت الإشارات الملتبسة والمتلاحقة التي بدأت تصدر عن نتنياهو بعد أقل من 24 ساعة من إعلان بايدن، الكثير من الريبة والتساؤلات. إذ قفز من التأكيد أن "شروط إسرائيل لوقف الحرب لم تتغير"، إلى القول إن هذه الشروط "يمكن أن تتحقق بصورة تدريجية من خلال هذه الخطة"، تاركاً علامات استفهام. تلميحه إلى احتمال التنصل من موافقته على الخطة، ثم التمسك بها كأداة لتحقيق مطالب إسرائيل على دفعات، يشير إلى سعيه لتجزئة الخطة وفك الربط بين مراحلها الثلاث في ما يتعلق بوقف النار، بحيث لا ينتهي إلى وقف دائم. تعزز هذا التفسير بعد أن قال مسؤول إسرائيلي، في وقت متأخر من يوم الاثنين، إن توصيف بايدن لما تعنيه إسرائيل بكلمة وقف النار التي وردت في الخطة "مغلوط ". أي أنها لم توافق على ترتيب لوقف دائم لإطلاق النار. ترجمة ذلك أن حكومة نتنياهو تريد تطبيق المرحلة الأولى من "خريطة الطريق" ببنودها الستة (وقف القتال لستة أسابيع، إخلاء سبيل بعض المحتجزين، انسحاب إسرائيل من المناطق السكانية، الإفراج عن أسرى فلسطينيين، عودة أهالي شمال غزة إلى ديارهم، ضمان مرور 600 شاحنة مساعدات على الأقل يومياً إلى غزة)، على أن لا يصار بعدها الانتقال فوراً إلى المرحلة الثانية. وهو ما دفع الإدارة الأميركية إلى الرد على مغالطة إسرائيل لها في موضوع وقف النار، مؤكدة أن حكومة نتنياهو وافقت مسبقاً على الصيغة وتفصيلاتها، وبالتالي عليها الوفاء بالتزاماتها. وفي محاولة لاحتواء التباين وإنقاذ المشروع، قالت الإدارة الأميركية إنها تتفهم "معارضة بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية للخطة"، من غير إعفاء رئيسها من التزامه بما وافق عليه. ولتكثيف الضغوط عليه قامت واشنطن بحراك دبلوماسي مكثف شمل المنطقة والأوروبيين ومجموعة السبع، التي أصدرت الليلة بياناً تدعو فيه إلى وجوب دعم خطة بايدن الشاملة بكل مراحلها وعناصرها الأساسية ومنها وقف النار باتجاه طي صفحة الحرب.

وفي قراءة لردود الحكومة الإسرائيلية على الصيغة التي اعترفت بموافقتها المسبقة عليها، يُرجّح أن نتنياهو لجأ إلى الخطة كحيلة لتنفيس الضغوط المتزايدة الداخلية (التظاهرات وقضية المحتجزين) والدولية (الاعترافات الأوروبية ومحكمتي العدل والجنائية الدولية) وكذلك الضغوط العسكرية بعد قرابة 8 أشهر من الحرب والتعثر في رفح. وبحسب المتابعبن لسياسات نتنياهو المحلية، فإن الأخير سيتذرع باعتراضات وزراء أقصى اليمين ليحمل البيت الأبيض على الاكتفاء بالمرحلة الأولى مع ترك الباب مفتوحاً من غير التزام مسبق بالمرحلتين الأخريين. لكن حسابات بايدن الانتخابية لا تتفق مع اعتبارات نتنياهو. والإدارة الأميركية "اغتاظت" من مماطلة نتنياهو، وقد تضغط لتأجيل دعوته لإلقاء خطاب في الكونغرس تردد مساء اليوم أنه جرى تحديد موعده في الثالث عشر من الشهر الجاري، لكن سرعان ما تم نفي هذه المعلومة. فبعد التفاؤل الذي رافق إعلان الخطة يوم الجمعة، صارت محاولة وقف الحرب مهددة. وليس واضحاً من ورّط من في هذه الخطة المفخخة، لكن من الواضح أن قطاع غزة سيبقى ضحية حسابات الجانبين.