انتقد قانونيون قانون الانتخابات الجديد الذي كشف عنه الرئيس التونسي قيس سعيّد أمس الخميس، معتبرين أن هذا النظام "سيفرز مشهدا نيابيا مشتتا، وبرلمانا خاضعا وغير مستقر".
وفرض الرئيس سعيّد نظاما انتخابيا جديدا يقوم على التصويت على الأفراد بدل القوائم، وهو نظام يُطبق لأول مرة في تاريخ تونس، سيُلغي به نظام الاقتراع النسبي على القائمات الحزبية والمستقلة.
ويقضي النظام الانتخابي الجديد بأن يترشح الأفراد عن الدائرة الانتخابية بحسب تقسيم جديد حدده الرئيس سعيّد، ويستوجب أن يجمع المترشحون 400 تزكية من الدائرة الانتخابية معرفة قانونيا لدى الضابطة العدلية، أو في الهيئة الانتخابية، منهم 200 رجل و200 امرأة، ونحو 125 شخصا منهم من الشباب أقل من 35 سنة. وذكر القانون أن "التصويت في الانتخابات التشريعية على الأفراد في دورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء، وذلك في دوائر انتخابية ذات مقعد واحد".
وحدد المرسوم عدد الدوائر الانتخابية بـ151 دائرة انتخابية في الداخل (حسب المعتمديات مع دمج بعضها مع بعض)، و10 دوائر في الخارج، ليكون العدد الإجمالي 161 دائرة انتخابية.
ونص المرسوم على شروط للترشح للبرلمان الجديد، منها الخلو من السوابق العدلية، وتقديم الإقرار الضريبي، ومنع ازدواج الجنسية، مع منع ممارسة أي نشاط بمقابل حتى في القطاع الخاص، كالأطباء والمحامين والمحاسبين، بعد الانتخاب.
وبيّنت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة الشأن البرلماني منى كريم الديريدي، لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال فترة حكم الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، كان نظام الاقتراع على القائمات الحزبية، ويجرى تنظيم الانتخابات وفق مجلة انتخابية يصدرها النظام، وتشرف وزارة الداخلية على الانتخابات، وقد تميزت تلك الفترة بانحراف النظام في حكم رئاسوي غلّب الحزب الحاكم على الدولة وعلى الأحزاب".
وبينت كريم الديريدي أن "فلسفة نظام الاقتراع بعد الثورة تقوم على ضمان التنوع ومشاركة أكبر قدر من المترشحين من أحزاب ومستقلين، لتتم صياغة مرسوم الانتخابات في هيئة تحقيق أهداف الثورة بمختلف مكوناتها الحزبية والمدنية، وأصدره الرئيس المؤقت فؤاد المبزع في 2011، ثم تم تعديل القانون الانتخابي في المجلس الوطني التأسيسي، وفي مجلس نواب الشعب بعد المصادقة على الدستور 2014".
وأضافت: "أفرز نظام الاقتراع القائم على النسبية مع نظام أكبر البقايا صعود برلمان بتركيبة متنوعة فيها مترشحون من مختلف التيارات الفكرية والسياسية، ولكن هذا النظام لم يمكّن أي حزب من الحصول على أغلبية مريحة للحكم بمفرده، وهو ما يستوجب التحالف في جبهات حكم من أجل تكوين حكومات وتمرير القوانين".
وأوضحت أستاذة القانون الدستوري أن "النظام الانتخابي الجديد سيفرز برلمانا مشتتا غير مستقر، وسينعكس هذا التشتت بعدم استقرار المشهد وتفكيك العمل البرلماني، وسيفرز صعوبات في إيجاد أغلبية منسجمة َومريحة لتمرير القوانين وتزكية الحكومات، وهذا الخيار مفهوم بالعودة إلى طبيعة النظام الرئاسوي الذي تم تكريسه في دستور 2022".
وبينت المتحدثة ذاتها أن "الملفت في هذا المرسوم هو تكريس وكالة آمرة، أي أن النائب خاضع للناخبين يأتمر لهم، وحسب طريقة سحب الوكالة، لم يعد النائب ممثلا للشعب بأسره ونائبا للأمة، بل أصبح نائبا ممثلا لمن انتخبه وتحت إمرته، ولن نرى مجددا الحرية التي كانت عند نواب البرلمان سابقا، فلن يعبّر النائب مستقبلا أو يتصرف بنفس الحرية، وسيصبح تحت الضغط وتحت رحمة سيف سحب الوكالة المسلط على رقبته، ولن يعمل في أريحية كاملة".
وأشارت إلى أن "شرط التزكية الذي تم إقراره ليس واقعيا لصعوبة تطبيقه، واستحالة التثبت من تكرار تزكية نفس الناخب لمترشحين مختلفين".
وتابعت كريم الديريدي: "هناك بعض المزايا في المرسوم الجديد، والتي لم تكن في القانون الانتخابي، ونأمل أن تطبق، وتتعلق بنزاهة النائب كشرط الخلو من السوابق العدلية، وتقديم الإقرار الضريبي، وإبراء الذمة البلدي، ومنع الترشح على مزدوجي الجنسية".
من جانبه، بين أستاذ القانون الدستوري ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية شاكر الحوكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "نظام الاقتراع الذي شرّع له سعيّد لم يسبق لتونس أن جربته، كما أنه محدود الاعتماد في العالم، في ولاية فقط على مستوى الولايات المتحدة الأميركية، وفي سويسرا".
وتابع أن "قيس سعيّد يعتبر أن هذا يمثل حلا عبر الديمقراطية المباشرة، وأنه سيتم إصلاح الوضع من خلال علاقة جديدة بينهما". واستدرك الحوكي قائلا: "هذه الفرضيات غير سليمة، وهي فرضيات حالمة لا علاقة لها بالواقع وغير عملية تدمر الحياة السياسية والحزبية، لأنها تقوم على فرضيات وهمية وزائفة لا أساس لها".
وبين أن "هناك مغالطات كبرى يقوم عليها نظام قيس سعيّد الانتخابي، حيث لا تؤمّن هذه العلاقة حياة سياسية سليمة وديمقراطية حقيقية، لأنه جرت تجربة الانتخاب على المستقلين في التشريعية وفي البلديات، وهو ما أنتج شتاتا على مستوى البرلمان، وكذلك المجالس البلدية".
وبين الحوكي أن "المستقلين الذين صعدوا خلال الانتخابات السابقة مثلوا تجربة فاشلة من خلال أدائهم وممارساتهم"، مضيفاً: "المفروض أنه لا يجب أن نعود إلى تجربة المستقلين التي فشلت، وأن يتم اختزال الحياة السياسية في أربعة أحزاب، كما في الديمقراطيات العريقة".
وأفاد بأن "الانتخابات في تونس تقوم على المزاج الانتخابي، وليس على العلاقة المباشرة بين الناخب والمنتخب، وهو ما بينته التجارب الانتخابية"، وشدد على أن "الاقتراع على الأفراد سيخلق حالة من التشتت والانقسام، وسيخلق استقطابا لصالح رجال الأعمال والفاسدين والعشائر والقبائل والجمعيات الرياضية واللوبيات الاقتصادية والاجتماعية، حيث ستعمل هذه اللوبيات لترشيح أفراد للحصول على خدماتهم مستقبلا وهم مجرد ألعوبة في أيديهم".
ولفت رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية إلى أن "هؤلاء سيكون دورهم محدودا في البرلمان المقبل، على فرض أن سعيّد سيسمح للبرلمان بالعمل، بعد أن دمر الحياة السياسية والحزبية"، مشدداً على أن "هذا المرسوم سيقضي على الحياة الحزبية وسينهيها تماما".
ودوّن أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، على صفحته في فيسبوك، قائلا "هذا ما وضعه الانقلاب لإفراغ السلطة التشريعية من محتواها، وما دعوة الناخبين إلّا لانتخابات مزوّرة بلا مضمون. المنقلب يطلب من الشعب أداء مناسك البيعة وتمكينه من السطو المنظّم على السلطة، وتنصيب مجلسين يسجّلان قرارات المستبدّ".
وعدد مبارك سلبيات النظام الانتخابي الجديد في "تشتيت الناخبين في دوائر صغيرة، وتشتيت المترشحين بنظام الترشّح الفردي، وتشتيت الأصوات بنظام الاقتراع على الأفراد، وتشتيت السلطة التشريعية على مجلسين، وتشتيت التشريع بين القوانين والمراسيم، وتجاوز البرلمان بالاستفتاء المباشر، وإضعاف الاختصاص السياسي، وإفراغ تصويت الثقة من محتواه وتحويله إلى عملية ابتزاز للبرلمان، وإضعاف وضع النائب وابتزازه بنظام سحب الوكالة".