أعلن النظام السوري عن بدء "التسوية" في حي الوعر في مدينة حمص، والذي كانت قوات هذا النظام قد فرضت حصاراً كاملاً عليه لأكثر من أربع سنوات (2013 - 2017)، ما أدى إلى انهيار الأوضاع الإنسانية داخله، قبل أن تهجّر على مراحل عدداً كبيراً من أهله إلى الشمال السوري.
افتتاح أول مركز للتسوية في حمص
ونقلت صحيفة "الوطن" ووكالة "سانا" التابعتان للنظام، أول من أمس الإثنين، عن محافظ حمص نمير مخلوف تأكيده افتتاح مركز لـ"التسوية" في حي الوعر في مدينة حمص (وسط البلاد)، بدءاً من يوم الأحد المقبل، وتشمل العسكريين المنشقين عن قوات النظام خلال سنوات الثورة والمطلوبين للخدمتين الإلزامية والاحتياطية في هذه القوات.
ودرج النظام السوري على فتح مراكز لما يُسميها بـ"التسوية" خلال العامين الماضي والحالي في مناطق سيطرته، لغايات إعلامية بحتة، حيث لم تشهد هذه المراكز الإقبال الذي يريده للتأكيد على سطوته وسيطرته على مناطقه.
حي الوعر تعرض لحصار طويل من قبل قوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة له
وتكاد تخلو المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام من معارضين له، حيث اعتقل أو هجّر كل معارضيه، فضلاً عن هجرة العدد الأكبر من الشبان إلى خارج سورية هرباً من الخدمة في قواته وبحثاً عن حياة أفضل.
ويعد المركز المقرر افتتاحه يوم الأحد في حي الوعر، الأول من نوعه في مدينة حمص التي دمّر النظام عدداً كبيراً من أحيائها وخصوصاً أحياء المدينة القديمة، للقضاء على الثورة في هذه المدينة التي بقيت لسنوات بمثابة المركز الرئيسي للحراك الثوري.
من حصار حي الوعر إلى التهجير
وحي الوعر من أحياء حمص التي تعرضت لحصار طويل من قبل قوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة له، حيث كان هذا الحي من أوائل الأحياء الحمصية التي أعلنت الثورة على النظام السوري في عام 2011.
وشهد الحي في عام 2012 تشكيل أول فصيل عسكري معارض للدفاع عن سكّانه، مع اشتداد الحملة العسكرية على مدينة حمص من قبل قوات النظام التي دمّرت في ذلك العام بشكل كامل حي بابا عمرو المجاور.
وابتداء من عام 2013، فرضت قوات النظام حصاراً على حي الوعر لإخضاع سكّانه، إلا أن فصائل المعارضة حالت دون اقتحامه من قبل هذه القوات التي هجّرت سكان أحياء حمص القديمة في مايو/ أيار من عام 2014 بعد حصار طويل، ما أدى إلى نزوح عدد كبير منهم إلى حي الوعر.
ارتكب النظام مجازر عدة في حي الوعر أثناء حصاره، لعل أبرزها المجزرة التي ارتكبت في سبتمبر/ أيلول 2015 حين قُتل أكثر من 20 طفلاً، وأصيب حوالي 50 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، بقصف على ساحة ألعاب للأطفال، في ثالث أيام عيد الأضحى. وفي فبراير/ شباط من عام 2017، قتل وأصيب العشرات من سكان حي الوعر بغارات جوية استهدفت الأبنية السكنية في الحي الذي كان محاصراً، بالتزامن مع بقصف مدفعي وصاروخي وبقذائف الهاون والأسطوانات المتفجرة، مصدرها مواقع قوات النظام في الكلية الحربية.
وكان الحي قد تعرض للقصف بالطيران الحربي للمرة الأولى في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2013 عقب تقدم فصائل الحي المعارضة على حساب قوات النظام والمليشيات التابعة لها في العديد من المواقع القريبة من الحي.
وبالإضافة إلى ارتكابه المجازر، منع النظام دخول الأغذية إلى سكان حي الوعر، ما أدى إلى انهيار الأوضاع الإنسانية ودفع الأمم المتحدة في أواخر عام 2015 إلى التدخل لتفادي كارثة إنسانية كبيرة، فأبرم اتفاق هدنة خرج بموجبه ألفا مقاتل ومدني من الحي، مقابل فكّ الحصار وإدخال المساعدات الإغاثية، وإطلاق سراح معتقلين لدى النظام من سكان الحي.
خالد تركاوي: أغلب سكان الحي من النساء والمسنين ويعانون من تردي الخدمات
ولم يلتزم النظام بالاتفاق، حيث لم يطلق سراح أحد من المعتقلين لديه وزاد من وطأة الحصار والقصف على الحي وصولاً إلى مارس/ آذار 2017 حيث تمّ التوصل لاتفاق آخر برعاية من الجانب الروسي، نصّ على خروج من بقي من المقاتلين المعارضين من الحي على دفعات مع أسلحتهم الفردية والخفيفة إلى الشمال السوري، وخروج من يرغب من السكان، مقابل فك الحصار. وبذلك فرض النظام السيطرة على المعقل الأخير للمعارضة في مدينة حمص، بعد نحو ست سنوات من الصراع، اعتمد فيه النظام على سياسة حصار المدنيين لتجويعهم من أجل دفع فصائل المعارضة إلى الخروج من المدينة.
وأكدت مصادر محلية في مدينة حمص، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا وجود لأي معارض للنظام في المدينة"، مضيفة أنه "في حي الوعر، أغلب السكان هم في أعمار متقدمة"، واستدركت بالقول: "هناك بعض الشبان الذين باتوا في سن الخدمة الإلزامية في قوات النظام، وهؤلاء مجبرون على الالتحاق بالخدمة، فالأمر لا يحتاج إلى تسوية". وأشارت المصادر التي فضّلت عدم كشف اسمها، إلى أن الغاية من افتتاح مركز للتسوية في حي الوعر "إعلامية لا أكثر ولا أقل"، مضيفة أن "المنطقة خاضعة للنظام والأجهزة الأمنية بشكل كامل".
وبيّنت المصادر أن أغلب المهجّرين من مدينة حمص "ليسوا في وارد التفكير بالعودة إلى مدينتهم لخشيتهم من عمليات انتقامية في حقهم من الأجهزة الأمنية"، وأضافت أن "الأوضاع في مناطق النظام كلّها لا تشجع أحداً على العودة، فالسطوة الأمنية والاعتقالات لم تتوقف".
ويقع حي الوعر على أطراف مدينة حمص الشمالية الغربية، وهو من الأحياء الحديثة في المدينة. ويقع الحي على الضفة الغربية لنهر العاصي، بالقرب من منطقة عسكرية تضم بعض أهم ثكنات القوات النظامية داخل حمص، وأبرزها الكلية الحربية التي كانت من أبرز مراكز العمليات العسكرية لقوات النظام في مدينة حمص.
وفي السياق، أوضح الباحث في مركز "جسور" للدراسات خالد تركاوي، والذي عاش في حي الوعر أثناء فترة حصاره قبل أن يخرج إلى الشمال السوري في عام 2017، أنه "بقي في الحي من كان حيادياً أثناء الثورة ضد النظام، أما المعارضون للنظام أو من كانوا مؤيدين للثورة، فقد خرجوا جميعهم من الحي خشية الاعتقال والتصفية من النظام".
وشرح الباحث أن "الحي محاط بثكنات عسكرية ومداخله مغلقة حالياً بشكل كامل من حواجز الأجهزة الأمنية، فضلاً عن أن مقرات هذه الأجهزة في مدينة حمص قريبة جداً من الوعر".
وأشار تركاوي إلى أن "هناك منطقة قريبة من الحي اسمها المزرعة، سكّانها من الموالين للنظام، والذين لطالما خطفوا أشخاصاً من حي الوعر خلال سنوات الثورة لترهيب الناس"، ولفت إلى أن "أغلب سكان الوعر اليوم هم من النساء والمسنين، فالشباب قليلون".
وبيّن تركاوي أيضاً أن سكّان حي الوعر "يعانون من تردي الخدمات"، مشيراً إلى أن "بعض الجمعيات الأهلية تقدم مساعدات للناس وفق الإمكانيات"، ولافتاً إلى أن "نسبة الدمار في حي الوعر هي الأقل مقارنة بالأحياء الأخرى في مدينة حمص القديمة".