حوار إثيوبي جديد في تنزانيا: الحكومة تفاوض "جيش تحرير أورومو"

25 ابريل 2023
أبي أحمد في أوروميا، يونيو 2021 (آرون سيمينيه/Getty)
+ الخط -

بعد طيّ صفحة الحرب بين الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، منذ أشهر، جرّاء مفاوضات بين الطرفين وانطلاق مسار تطبيع الحياة في إقليم تيغراي، خرج رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد بإعلان جديد متعلق ببدء مفاوضات مع فصيل مسلح آخر وهو "جيش تحرير أورومو" في ظل الوضع المتدهور في إقليم أوروميا.

وكشف أبي، مساء أول من أمس الأحد، أن المفاوضات ستبدأ اليوم الثلاثاء في تنزانيا. وأضاف: "الحكومة الإثيوبية والشعب الإثيوبي يحتاجان بشدة إلى هذه المفاوضات. أدعو الجميع لتأدية دورهم".

وجاءت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي في حفل جمع المشاركين ورعاة عملية السلام في منطقة تيغراي (شمال إثيوبيا)، حيث أنهى اتفاق سلام أبرم في 2 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي نزاعاً مسلحاً استمر سنتين بين الحكومة و "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".

وجرت المفاوضات حينها في دولة أفريقية أخرى، وهي جنوب أفريقيا، وذلك بعد مساعٍ بذلها المبعوث الأفريقي لإثيوبيا، الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، والرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا، والمبعوث الأميركي للقرن الأفريقي مايك هامر، ونائب الرئيس السابق لجنوب أفريقيا، فومزيلي ملامبو ـ أنغسوكا.

شكل المفاوضات بين الحكومة و"الجيش"

وعند النظر إلى المعلن حتى الآن حول التفاوض بين الحكومة و"جيش تحرير أورومو" يختلف الأمر في الشكل هذه المرة من خلال غياب أي حضور، علني على الأقل، لمسؤولين إقليميين ودوليين، وعدم صدور أي بيان رسمي، حتى يوم أمس، من الحكومة التنزانية.

وهي المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة الإثيوبية رسمياً إجراء مفاوضات مع "جيش تحرير أورومو". ولم يذكر أبي ولا "جيش تحرير أورومو" أي تفاصيل عن شكل المحادثات الجديدة.

وأكد "جيش التحرير" في بيان، أن "النظام الإثيوبي قبِل شروطنا لمفاوضات السلام، والتي تشمل إشراك وسيط مستقل من طرف ثالث والالتزام بالحفاظ على الشفافية طوال العملية" التفاوضية. وأضاف: "هذه خطوة حاسمة وإيجابية نحو إقامة سلام دائم في المنطقة"، مشيراً إلى أنه "منذ بداية هذا الصراع، دعا جيش تحرير أورومو باستمرار إلى الحوار السلمي، باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق... ومن المشجع أن نرى النظام يصل أخيراً إلى نفس الإدراك".

أعلن أبي عن المفاوضات الجديدة مساء الأحد من دون تفاصيل
 

ومن المفترض أن الوضع المتدهور في إقليم أوروميا، التي تقع العاصمة أديس أبابا فيه، هو ما دفع إلى الإعلان عن المفاوضات. ويتبادل "جيش تحرير أورومو" والحكومة الاتهامات بالمسؤولية عن هجمات وقعت في الإقليم، وهو أكثر أقاليم إثيوبيا اكتظاظا بالسكان (يضمّ أكثر من 36 مليون شخص من أصل 114 مليون إثيوبي)، وأدت لمقتل عشرات المدنيين.

وفي فبراير/شباط الماضي، قالت لجنة حقوق الإنسان التي عينتها الدولة إن 50 شخصاً على الأقل قُتلوا في هجوم ألقت بالمسؤولية فيه على "جيش تحرير أورومو". وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ألقى "جيش تحرير أورومو" وجماعة أخرى للأورومو بالمسؤولية على الحكومة الإثيوبية في ضربات جوية قالوا إنها تسببت في مقتل عدد من المدنيين.

ووقعت في أوروميا مجازر إثنية في السنوات الأخيرة ولم يتم التعرف إلى مرتكبيها بوضوح، لا سيما في منطقة ووليغاس النائية في أقصى الغرب، حيث استُهدفت أساساً إثنية الأمهرة التي تمثّل أقلية في المنطقة. وألقت حكومة أبي أحمد مراراً على "جيش تحرير أورومو" المسؤولية عن تلك المذابح، وهو ما ينفيه "الجيش". وفي المقابل، تُتهم الحكومة بتبني سياسة قمع شديد تغذي استياء الأورومو ضد السلطة في أديس أبابا.

ويطالب الأورومو (34.4 في المائة من سكان إثيوبيا) والأمهرة (27 في المائة)، وهما أكثر إثنيّات إثيوبيا عدداً، بأراضٍ تقع عند الحدود بين إقليميهما.

و"جيش تحرير أورومو" فصيل انشق في عام 2018 عن "جبهة تحرير أورومو"، التي تأسست في عام 1973، بغرض حماية الشعب الأورومي. وخاضت "الجبهة" حروباً في الداخل الإثيوبي ضد السلطة في أديس أبابا، خصوصاً ضد الحكم العسكري (نظام الدرغ) المدعوم من الاتحاد السوفييتي بين عامي 1974 و1991.

ونجحت "الجبهة" في الحصول على دعم غربي لها، وحصلت على اعتراف شرعي مع إنشائها مكاتب في العاصمتين الأميركية واشنطن، والألمانية برلين.

وفي عام 2002، أوقفت "الجبهة" عملياتها العسكرية، بعد فرار قيادييها إلى خارج البلاد، ونجاح "الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية" في جمع العديد من إثنيات البلاد تحت ظلالها، وهو ما دفعها إلى محاولة إعادة ترتيب نفسها للعودة عسكرياً إلى البلاد. فسعت "الجبهة" إلى الحصول على دعم من إريتريا، ثم من كينيا، لكن كل مساعيها فشلت، بفعل وصول أبي إلى السلطة، وعمله على إتمام مصالحات إقليمية مع دول الجوار الإثيوبي.

"جيش تحرير أورومو" فصيل انشق في عام 2018 عن "جبهة تحرير أورومو"

 

وأفضى ذلك إلى انخراط "جبهة تحرير أورومو" في مفاوضات مع حكومة أبي، توصلت فيها إلى اتفاق سلام في أغسطس/آب 2018، لكن "جيش تحرير أورومو" أعلن الانشقاق عن "الجبهة" بسبب عدم رضاه على نتائج المفاوضات، التي أدت إلى اعتراف الحكومة بـ"الجبهة" والسماح لها بممارسة أنشطتها السياسية سلمياً.

عرقيات إثيوبيا

وعاد قياديو "الجبهة" من المنفى في إريتريا. غير أنّ "الجيش" يسعى إلى مكاسب أكثر، متعلقة خصوصاً بالحصول على أراضٍ أكثر في البلاد، فضلاً عن حصص أكبر في الحكومة في أديس أبابا. وتضم إثيوبيا 90 مجموعة عرقية، و80 لغة، بحسب إحصائيات مجموعة حقوق الأقليات العالمية، المنشورة ضمن "الدليل العالمي للأقليات والشعوب الأصلية"، الذي نشرته "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين"، بتاريخ يناير/ كانون الثاني 2018.

وقاد هذا التمايز إلى الصراع العرقي، حتى سقوط نظام منغستو هيلا مريام في عام 1991، بعد تمرد طويل ضد حكومته، وبوصول الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا (ائتلاف يضم 4 كيانات عرقية، هي المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو، الحركة الديمقراطية لشعب الأمهرة، الحركة الديمقراطية لشعوب وقوميات جنوب إثيوبيا، وجبهة تحرير شعب تيغراي) إلى الحكم، طُبّق نظام جديد للحكم في إثيوبيا عُرف بـ"الفيدرالية الإثنية"، أعقبه وضع الدستور الإثيوبي في العام 1994، وقسم الدستور إثيوبيا إلى 9 ولايات عرقية ولغوية ومدينتين فيدراليتين.

وكانت الحكومة قد أعلنت نيتها في 6 إبريل/نيسان الحالي، دمج جميع القوات الخاصة الإقليمية، إما في الجيش الوطني أو في الشرطة الاتحادية أو الإقليمية، في محاولة لسحب السلاح من المجموعات الإثنية.

(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس)