تسعى أطراف في المعارضة السورية إلى تشكيل تحالفات سياسية جديدة يمكن أن تفضي إلى تبدّل في مشهد هذه المعارضة المزدحم بالأحزاب والهيئات والمجالس التي تتباين مبادئها وأهدافها، والتي لم تستطع حتى اللحظة تشكيل مرجعية سياسية جامعة لقوى الثورة والمعارضة السورية، على الرغم من مرور نحو 10 سنوات على انطلاق الثورة.
وفي أحدث التطورات في المشهد السوري المعارض، أوضح حسن عبد العظيم، وهو المنسق العام لـ"هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي"، والتي يُنظر إليها باعتبارها تمثل معارضة الداخل السوري، في تصريحات صحافية نُشرت أول من أمس الأربعاء، أنّ هناك "حواراً" مع "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، وهو الجناح السياسي لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد). وأضاف عبد العظيم أن الحوار "يتمحور حول إعلان مبادئ مشتركة وخطوات تنفيذية ولجنة مشتركة تحرص على إنجاز الاتفاق قريباً، والوصول إلى عمل مشترك ورؤية مشتركة لتعزيز العملية السياسية، والمعارضة الوطنية الديمقراطية، وإنقاذ الشعب السوري".
درار: الحوار بين المجلس وهيئة التنسيق الوطنية بدأ منذ أشهر عدة
من جهته، أشار الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية" رياض درار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ الحوار بين المجلس وهيئة التنسيق الوطنية "بدأ منذ أشهر عدة"، مضيفاً: "نحاول أن نصل إلى تفاهم ووثيقة مشتركة لهذا التفاهم، ولم ننته بعد من إنجازها". وتابع: "ننتظر أن يأتي هذا الحوار بنتائج مقبولة ومناسبة لمصلحة الحل السياسي للقضية السورية من خلال تفاهمات قوى المعارضة في ما بينها".
وكان حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي، الذي يعد أبرز الأحزاب التي تشكل "مسد"، جزءاً من "هيئة التنسيق الوطنية" التي تأسست أواخر عام 2011 في ذروة الثورة السلمية في البلاد، قبل أن ينفصل عن الهيئة عام 2015، بسبب اختلاف في الرؤى السياسية. وتضم "هيئة التنسيق الوطنية" مجموعة من الأحزاب والحركات ذات التوجهات القومية العربية، إضافة إلى أحزاب ذات أبعاد يسارية. وتعرضت الهيئة للكثير من الهزات السياسية، إذ انشقت شخصيات قيادية عدة عنها، خلال السنوات الماضية، فضلاً عن تغييب اثنين من أبرز قادتها المؤسسين لها في سجون النظام السوري، وهما: عبد العزيز الخيّر، ورجاء الناصر.
وتُصنّف "هيئة التنسيق الوطنية" ضمن "المعارضة الناعمة" التي عارضت "عسكرة الثورة"، على الرغم من أنّ النظام السوري يُخرج الحلول السياسية للقضية السورية من حساباته. وفي السياق، رأى الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يوجد أي وزن لهيئة التنسيق الوطنية لا داخلياً ولا خارجياً"، معرباً عن اعتقاده بأنّ حوارها مع "مجلس سورية الديمقراطية" "لن يحدث أي تغيير في المشهد السياسي السوري المعارض". وأبدى زيادة استغرابه من قيام "هيئة التنسيق" بهذه الخطوة من دون العودة لهيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، والتي تشكل "هيئة التنسيق" مكوناً رئيساً فيها. وقال: "هذا الأمر يعكس حجم الفوضى في هيئة المفاوضات". وعن هدف "مسد" من الحوار مع الهيئة، أعرب زيادة عن اعتقاده بأنه "إثبات حضور لا أكثر"، مضيفاً: "كل هذه المبادرات لا قيمة لها".
زيادة: الحوار لن يحدث أي تغيير في المشهد السياسي السوري المعارض
وانضمت "هيئة التنسيق" إلى هيئة التفاوض منذ تأسيس الأخيرة في العاصمة السعودية الرياض في ديسمبر/ كانون الأول 2015، ومهمتها الإشراف المباشر على العملية التفاوضية مع النظام، ضمن مسارات ترعاها الأمم المتحدة. وبقيت هيئة التنسيق مكوناً رئيساً من مكونات هيئة التفاوض في النسخة الثانية التي انبثقت عن اجتماع ثانٍ للمعارضة السورية في الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، إلى جانب "الائتلاف الوطني السوري" ومنصتي "القاهرة" و"موسكو"، ومستقلين.
ويبدو أنّ الخلافات التي تعصف بهيئة التفاوض هي التي دفعت "هيئة التنسيق الوطنية" للبحث عن تحالفات سياسية داخل المشهد السوري المعارض، كما أنّ إغلاق الباب من قبل "الائتلاف الوطني السوري" أمام "مسد"، والذي حاول أكثر من مرة فتحه لإجراء حوار مشترك، كان الدافع الرئيسي أمام هذا المجلس الذي تهيمن عليه أحزاب كردية للبدء بحوار مع هيئة التنسيق لتشكيل تحالف عريض، ربما يمكّن المجلس من دخول هيئة التفاوض. وكان أكثر من قيادي في "مسد" قد أبدى استعداد المجلس للتفاوض مع "الائتلاف الوطني السوري"، إلا أنّ الأخير وضع فك ارتباط "الاتحاد الديمقراطي" و"قسد" عن حزب "العمال الكردستاني"، المصنف من دول عدة في خانة التنظيمات الإرهابية، شرطاً قبل الدخول في هذه المفاوضات.
وفي السياق، ذكر مصدر في "مسد"، لـ"العربي الجديد"، أنّ المجلس يحاول إقامة تفاهمات مع منصات وهيئات سورية معارضة إضافة إلى "هيئة التنسيق الوطنية"، منها منصتا "القاهرة" و"موسكو"، مضيفاً: "نحن مع وحدة القوى الديمقراطية في المعارضة السورية".
المجلس يحاول إقامة تفاهمات مع منصات وهيئات سورية معارضة
وفي الإطار ذاته، أكد بهزاد عمو، وهو من إدارة مكتب الإعلام في "مسد"، لـ"العربي الجديد"، أنّ المجلس "منفتح للحوار مع الجميع، وبادر لذلك في أكثر من مناسبة". وعن الغاية من الحوار مع منصات وهيئات المعارضة السورية، قال عمو إنه لأجل "بناء توافقات وطنية على صورة تفاهمات ومشتركات تجمع بين القوى المعارضة الديمقراطية، وصولاً لاتفاق بين جميع الأطراف لحل الأزمة السورية".
وكان "مجلس سورية الديمقراطية" قد وقّع، أواخر العام الماضي، في العاصمة الروسية موسكو، "مذكرة تفاهم" مع حزب "الإرادة الشعبية" بزعامة قدري جميل، الذي يدور في فلك السياسة الروسية. واتفق الطرفان على أنّ الأزمة في سورية "بنيوية أضيفت إليها تعقيدات التدخل الخارجي والمراهنة عليه، وأنّ كل الخيارات الأمنية والعسكرية كان مصيرها الفشل". كما اتفقا على أنّ "سورية الجديدة، هي سورية موحّدة أرضاً وشعباً، وهي دولة ديمقراطية تحقق المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية"، وأنّ "الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة". كذلك، طالبا بـ"حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية"، مع الإبقاء على "الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سورية"، وتطوير التجربة على المستوى الوطني العام، ودمج "قسد" ضمن "الجيش السوري" على أساس صيغ وآليات يتم التوافق عليها، وإشراك "مسد" في العملية السياسية بكافة تفاصيلها وعلى رأسها اللجنة الدستورية السورية، وفق "مذكرة التفاهم".