بدأت روسيا بالاشتراك مع القوات التي تدعمها في سورية، ومليشيات مدعومة من إيران، وقوات من جيش النظام، حملة عسكرية واسعة النطاق ضد تنظيم "داعش" في البادية السورية، هي الأكبر منذ ثلاث سنوات، وجهّزت من خلالها نحو ثمانية آلاف عنصر لتنفيذ العملية من سبعة محاور قتالية، وتمتد هذه المحاور من أرياف محافظة دير الزور، وصولاً إلى أرياف محافظة حمص في وسط سورية، بمشاركة طائرات حربية ومروحية تابعة للنظام وروسيا.
7 محاور للحملة الروسية بالبادية السورية
وقالت مصادر عاملة في وحدات الرصد والمتابعة التابعة للمعارضة، لـ"العربي الجديد"، إن "روسيا بدأت بالتخطيط لهذه العملية قبل شهر من الآن، وبدأت بالتنسيق مع قادة القوات التي تدعمها والمليشيات المدعومة من إيران، لتجهيز مقاتلين وعتاد عسكري كامل للسيطرة على منطقة البادية وكبح نشاط فلول خلايا تنظيم داعش".
وأكدت المصادر أن "المحاور التي سيتم العمل عليها خلال حملة التمشيط، هي: طريق مدينتي تدمر والسخنة بريف حمص الشرقي، وطريق أثريا وصفيان بريف حماة الشرقي، وطريق الرصافة باتجاه آبار الرجوم، والحلول، والزملة النفطية ومحيطها، وطريق صفيان البئر القديم حتى وادي عمشردي بريف الرقة الجنوبي الغربي، ومحيط مدينة معدان، شرق محافظة الرقة باتجاه جبل بشري، وطريق دير الزور باتجاه الشولا، وكباجب بريف دير الزور الجنوبي الغربي، وطريق تدمر وجبال العمور وصولاً إلى آبار حقل (شاعر) للغاز باتجاه مناجم الفوسفات في خنيفيس والصوانه بريف حمص الشرقي".
سيشارك في العملية نحو 8 آلاف عنصر من القوات الخاصة الروسية، ومرتزقة "فاغنر" ومن "حزب الله" ومليشيات أخرى
وأشارت المصادر إلى أن المعركة سيشارك فيها نحو ثمانية آلاف عنصر من القوات الخاصة الروسية، وعناصر مرتزقة "فاغنر" (الروسية) وقوات من "حزب الله" اللبناني متمثلة بـ"فوج الرضوان".
كما ستشارك، بحسب المصادر، مليشيات: "لواء القدس" (الفلسطينية)، "لواء فاطميون" (الأفغانية)، "حركة النجباء" (العراقية)، "لواء الحسن والحسين" (العراقية)، مليشيا "القاطرجي"، مليشيا "الدفاع الوطني"، وقوات "الفرقة 25 مهام خاصة"، وقوات من "الفرقة 11، والفرقة 17، والفرقة 18، والفرقة الرابعة، ولواء البعث - فرع البادية، واللواء 103، واللواء 104، واللواء 106 التابعة للحرس الجمهوري".
وتضاف إلى هؤلاء مشاركة مجموعات تابعة لمليشيات محلية مدعومة من النظام تتحدر من مدن حماة، السلمية، محردة، السقيلبية، في أرياف حماة، وريف حمص الشرقي، ومن محافظة دير الزور، والرقة، ومعدان بريفها الشرقي، وريف حلب الشرقي تحت قيادة وإشراف "الفيلق الخامس".
وأشارت المصادر إلى أن نحو 15 جنرالاً من قاعدة حميميم سوف يشرفون على المعركة من غرفة عمليات مطار تدمر العسكري بمشاركة طيران الاستطلاع الروسي، وطيران من طراز لام -39 (حربي الرشاش) من مطار حماة العسكري، والطيران الحربي الروسي من طرازات (سوخوي - 34، وسوخوي 25)، مع مروحيات روسية "مي 24" و"مي 28" و"52 كا" الروسية.
وأضافت أن "نحو مائة دبابة ستشارك في العملية من طراز "تي 62" و"تي 55" و"تي 72"، ودبابات حديثة من طراز "تي 90" سُلّمت فقط للقوات الخاصة الروسية، والفرقة 25 مهام خاصة، بالإضافة إلى مدافع ميدانية غالبيتها من طراز "غفوزديكا 2 أس 1" وراجمات صواريخ من نوع "غراد بي أم 21" وسيارات دفع رباعي مزودة برشاشات متوسطة.
تجديد الخطاب الموجه للغرب
وقال الكاتب والصحافي السوري حسن النيفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "يمكن الإشارة إلى ملاحظتين حيال الحملة الروسية الإيرانية على خلايا داعش في البادية السورية؛ الأولى تتمحور حول تجديد الخطاب الروسي الموجّه للغرب، الذي تسعى روسيا دوماً إلى تعزيزه، وفحواه أن أولوية (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين في سورية هي محاربة الإرهاب، خصوصاً في ظل المواقف الغربية الراهنة والمناهضة لروسيا بسبب حربها على أوكرانيا". وأضاف أنه "يمكن أن تكون هذه الحملة رداً على الخطاب الغربي، والأميركي خصوصاً، والذي يتهم روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا حالياً، وفي سورية سابقاً".
وأوضح النيفي أن "الملاحظة الثانية تتمحور حول رغبة روسية - إيرانية في السيطرة التامة على منطقة البادية التي تُعتبر الممر الرئيسي للمليشيات القادمة من العراق إلى سورية، وجعل منطقة البادية بعيدة عن نفوذ الأميركيين وحلفائهم في قوات سورية الديمقراطية (قسد)".
عباس شريفة: المليشيات التابعة لإيران تستغل الفرصة وتقوم بعملية تمشيط للبادية لأهميتها الاستراتيجية
وحول فشل العمليات العسكرية الروسية السابقة ضد خلايا تنظيم "داعش"، رأى النيفي أن "الحملات الجوية التي يشنها الروس بين وقت وآخر غير كافية لتطهير الأرض من تنظيم "داعش" الذي غالباً ما يلجأ إلى استراتيجية الكر والفر ونصب الكمائن وعدم الثبات أو التموضع في مكان واحد، فضلاً عن الطابع الاستعراضي والإعلامي للحملات الروسية الجوية التي لا تقوم بها روسيا إلا حين تريد توجيه رسائل إلى خصومها ومنافسيها على حيازة النفوذ في سورية".
وخسرت قوات النظام والمليشيات المدعومة من روسيا عشرات القتلى والجرحى من عناصر قواتها خلال هجمات مباغتة ومنظمة نفذتها خلايا "داعش" خلال الأعوام الثلاثة الماضية، واستهدفت من خلالها الأرتال العسكرية والقوافل النفطية والنقاط العسكرية الضعيفة التابعة لقوات النظام والمليشيات التابعة له في البادية السورية.
تكتيكات "داعش" والاستغلال الإيراني للحملة
من جهته، قال الباحث في مركز "مشارق ومغارب" عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش بدأ يسلك سلوكاً تكتيكياً مختلفاً، يتعلق بعدم التورط بحرب نظامية أو بالحروب التي تكون وجهاً لوجه"، وأضاف أن "التنظيم يعتمد على المجموعات المنتشرة خفيفة التسليح وعلى أسلوب الغارة والكمائن التي يستهدف فيها أهدافاً محددة ونوعية وينسحب بسرعة"، مشيراً إلى أن "التنظيم يهدف دائماً من خلال هذه العمليات ليس للسيطرة على الأرض وإنما يعتمد سياسة الإنهاك وجمع الغنائم من أجل ترميم ذاته وإنهاك العدو".
حسن النيفي: تسعى روسيا دوماً إلى تعزيز خطاب أنها تحارب الإرهاب
وأوضح شريفة أن "هذا التكتيك اتّبعه تنظيم داعش منذ سقوط بلدة الباغوز، آخر معاقله في ريف دير الزور، وكانت هناك أيضاً عمليات نوعية بهدف تحرير سجناء، مثل عملية سجن غويران في الحسكة، العام الماضي، لكن هذه العملية لم تتكرر كثيراً، لكنها أيضاً تأتي في إطار استراتيجية الغارة والكمين التي يعتمدها التنظيم".
وأعرب عن اعتقاده بأن "داعش سوف يستمر باعتماد هذا الأسلوب في المواجهة ولا يحاول أن يكون وجهاً لوجه ولا يحاول أن يستنزف قواه لمحدودية القدرة وعدم تطلعه حالياً للتمسك بالأرض أو الحفاظ عليها".
وأشار شريفة إلى أنه "بالنسبة للمعركة التي يُحضر لها الآن في البادية السورية، فإنها لا تأتي ضمن إطار الصراع أو التنافس الإيراني - الروسي، وإنما هي نوع من تبادل الأدوار بسبب الانشغال الروسي في أوكرانيا حالياً وانسحابها من بعض المناطق وتسليمها لإيران".
ولفت إلى أنه "من الممكن أن تستغل المليشيات التابعة لإيران الفرصة لتقوم بعملية تمشيط للبادية السورية كون البادية تشكل أهمية استراتيجية للمليشيات الإيرانية، فجميع طرق الإمداد تمر عبرها ومناطق نفوذها في دير الزور والبوكمال هي مناطق محاذية للبادية السورية"، وأشار إلى أن "إيران تلعب دور ملء الفراغ الذي تحاول روسيا أن تحدثه وتجميع قواتها من جديد وانشغالها في الحرب الأوكرانية".