تشهد العاصمة الصومالية مقديشو حملات انتخابية مبكرة مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي في فبراير/ شباط المقبل. ويشهد مطار مقديشو والشوارع المؤدية إليه مراسم شعبية لاستقبال المرشحين للانتخابات الرئاسية بين الحين والآخر. ويفوق عدد الذين أعلنوا عن ترشحهم لمنصب الرئاسة الـ12 مرشحاً، من بينهم الرئيسان السابقان حسن شيخ محمود وشريف شيخ أحمد، ورئيس الحكومة الأسبق حسن علي خيري، بالإضافة إلى السياسي المعارض عبد الرحمن عبد الشكور، وسفير مقديشو السابق لدى الرياض طاهر محمود جيلي. وفيما يتطلع هؤلاء للوصول إلى كرسي الرئاسة، فإنّهم يبدون ملاحظات واعتراضات على الطريقة التي تنوي فيها الحكومة إدارة الانتخابات.
اعتراضات بشأن اللجنتين الفيدراليتين اللتين تم تشكيلهما لإدارة العملية الانتخابية
ويشير مراقبون صوماليون إلى أنّ نقطة الخلاف بين الحكومة الصومالية من جهة، والمعارضة السياسية والمرشحين للانتخابات الرئاسية من جهة أخرى، تتمثل في اللجنتين الفيدراليتين اللتين تم تشكيلهما وعيّن أعضاءهما رئيس الوزراء، محمد حسين روبلي، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لإدارة العملية الانتخابية وحلّ الخلافات في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة. وتقول المعارضة إنّ اللجنتين مشكلتان من موظفين حكوميين لا يتمتعون بالخبرة الكافية والاستقلالية الكاملة والمصداقية في ترتيب شؤون الانتخابات، بينما تصرّ الحكومة الصومالية على نزاهة اللجنتين.
في السياق، يقول المرشح للانتخابات الرئاسية، السفير طاهر محمود جيلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأمل معقود على إجراء انتخابات حرة، على عكس ما هو متوقع حالياً، وأن تقوم الحكومة الصومالية الفيدرالية بتعديل الإجراءات المتخذة بشأن الانتخابات المرتقبة"، مشيراً إلى أنّ "اللجنتين الانتخابيتين الفيدراليتين المشكلتان حالياً، لا تتمتعان بالنزاهة، والمعارضة طالبت بتغييرهما وتشكيل لجان أخرى تحظى بالمصداقية لدى المجتمع الصومالي". ويلفت جيلي إلى أنّ القيام بالإجراء الأخير "سيؤدي إلى انتخابات نزيهة، وستكون إرادة الشعب الصومالي قد تمّ التعبير عنها بصورة واضحة وجلية، وهو ما سيجلب الاستقرار للمجتمع".
وعن الخلافات مع الحكومة الصومالية، يقول جيلي إنّ "هناك قضايا جوهرية لا تزال مثار جدل في الصومال، منها الأمن والسياسة الخارجية، ناهيك عن سياسات الحكومة الصومالية تجاه الولايات الفيدرالية والشركاء السياسيين"، مشيراً إلى أنّها "وبدل أن تتعاون مع قيادات الولايات الفيدرالية تريد أن تدحر تلك القيادات".
وبشأن حظوظه بالفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، يرى جيلي أنه يتمتع بفرص واسعة وحظوظ مرتفعة نظراً للقواعد الشعبية الداعمة لحملته، مشيراً إلى أنّ سياساته "تتركز على بناء الثقة والأمل للمجتمع الصومالي، وتنطلق من تطلعات الشعب وآماله وأحلامه المستقبلية، إلى جانب التركيز على مقتضيات المرحلة الراهنة". ويلفت إلى أنه يتطلع في حال فوزه، "لتطبيق سياسات تحقّق آمال الشعب الصومالي، ولا سيما لناحية الأمن والاستقرار، وذلك من خلال سياسة داخلية رشيدة لإيجاد سياسة خارجية مستقرة".
يذكر أنّ جيلي عمل وزيراً في حكومة حسن علي خيري السابقة، إذ تسلم حقيبة وزارة الإعلام، قبل أن يستقيل نتيجة خلافات مع الرئاسة الصومالية. كما عمل سفيراً للصومال لدى الرياض منذ عهد الرئيس الأسبق حسن شيخ محمود (2012-2016).
جيلي: تشكيل لجان أخرى لإدارة الانتخابات سيؤدي إلى استحقاق نزيه
أما المرشح عبد الكريم حسين جوليد (رئيس ولاية غلمدغ الأسبق)، فهو من بين المرشحين الذين وصلوا إلى مقديشو الشهر الماضي لبدء حملته الانتخابية. فقد ألقى خطاباً أمام حشد من أنصاره في العاصمة، دعا فيه الحكومة الصومالية إلى إجراء انتخابات رئاسية شفافة، مثل انتخابات عام 2012 وكذلك انتخابات عام 2017 التي أوصلت الرئيس محمد عبد الله فرماجو إلى سدة الحكم.
ويقول جوليد في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ استراتيجية حملته الانتخابية تتمثل في مجموعة من النقاط، تتركّز حول الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها، وبناء جيش صومالي وطني وقوي يمثل أطياف المجتمع كافة وذلك من خلال مفاوضات حقيقة مع رؤساء الولايات الفيدرالية لتحديد أعداد وعناصر الجيش، إلى جانب إجراء محادثات مع الدول التي تهتم بالشأن الصومالي من أجل بناء الجيش كذلك. فضلاً عن القضاء على "حركة الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" وكل الجهات التي تقف ضد استقرار البلاد، على حد تعبيره.
ويشير جوليد إلى أنّ سياسته تتركز أيضاً على "بناء مؤسسات البلاد، واستكمال الفيدرالية كنظام سياسي في الصومال، وإجراء محادثات مع صوماليلند (منطقة حكم ذاتي تقع في القرن الأفريقي، وتَعتبِر نفسها دولة مستقلة رغم عدم حيازتها الاعتراف الرسمي من جانب الأمم المتحدة وأغلبية دول العالم، التي تعتبرها لا تزال تحت سيادة الصومال)، التي من الضروري إيجاد حوار شامل مع قياداتها لبناء الدولة واستكمال الدستور الصومالي". كما أنّ المصالحة بين القبائل الصومالية تعد ركيزة أساسية للبرنامج الانتخابي لجوليد، وذلك "لبناء الثقة بين المجتمعات، وخصوصاً بعد فترة النظام العسكري وما أعقبها من حرب أهلية طاحنة بعد عام 1991".
ويضيف جوليد أنّ تحريك عجلة الاقتصاد الصومالي الذي انهار بفعل الحرب الأهلية جزء من مخططاته السياسية، وذلك "لمكافحة الفقر عبر توفير فرص العمل لفئة الشباب، وتعزيز الجهود بشأن وضع أسس مالية دقيقة للاقتصاد الصومالي، من أجل توفير الخدمات الأساسية للمجتمع، وخصوصاً التعليم. إذ إنّ هذا القطاع يواجه مشاكل حادة، وأعداد الملتحقين بالمدارس لا تتجاوز 28 في المائة، في حين أنّ هناك أكثر من مليوني شخص بحاجة إلى التعليم، لكن نسبة كبيرة منهم لا تحظى بالفرصة لذلك، ما يجعل الكثير من هؤلاء عرضة للانضمام إلى الجماعات المتطرفة أو اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية. كذلك، فإنّ الوضع الصحي في البلاد مؤلم للغاية، لا سيما بالنسبة للنساء الحوامل في المناطق الريفية اللواتي لا يجدن الدعم الصحي من أجل ولادة آمنة، فبعضهن يواجهن خطر الموت بسبب انعدام مرافق صحية في القرى وبعض المدن في البلاد".
وبالنسبة للعلاقات الخارجية، يؤكد جوليد "ضرورة بناء سياسة صداقة مع دول الجوار والعالم، وذلك عبر اعتماد سياسة الحياد ومبدأ حسن العلاقات والدبلوماسية لكسب الجميع ولا سيما دول الجوار، لتبديد المخاوف بشأن التحديات الأمنية التي تواجهها. كما من المهم تعزيز التعاون مع دول الخليج، نظراً للعلاقات التاريخية المتينة بينها وبين الصومال".
وفي بيان لكتلة المرشحين الـ12 للانتخابات الرئاسية أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دعا المرشحون إلى وقف عمل اللجنتين الانتخابيتين، وتشكيل لجان جديدة يمكن الوثوق بها، من أجل انتخابات رئاسية عادلة. لكن مجلس الشيوخ لقبائل الهوية وقبائل البنادري (من أصول يمنية) عارض قرار كتلة المرشحين، وأيد الحكومة الصومالية في ترتيباتها الحالية بشأن الانتخابات، ودعا إلى عدم زج البلاد في أتون أزمات وفوضى سياسية.
وتجرى الانتخابات النيابية في الصومال في خمس دوائر في عموم البلاد خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، وذلك لاختيار أعضاء غرفة البرلمان البالغ عددهم 275 عضواً قبل حلول شهر يناير/ كانون الثاني المقبل، تمهيداً لتنظيم انتخابات رئيس البرلمان ونائبيه، وانتخاب رئيس البلاد بين 1 يناير و8 فبراير المقبلين.