أعلن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، اليوم الثلاثاء، عن مبادرة له لتحقيق "تسوية سياسية شاملة، عبر توحيد الكتلة الانتقالية في برنامج وطني يحافظ ويرعى المرحلة الانتقالية".
وذكر حمدوك، خلال إعلان مبادرته لوسائل الإعلام، والتي جاءت تحت عنوان "الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام"، أنّ المبادرة تشمل "إصلاح القطاع الأمني والعسكري للوصول لجيش مهني وقومي، وتوحيد مراكز القرار داخل الدولة، خاصة ما يلي السياسة الخارجية، إضافة إلى إنجاح عملية السلام واستكمال بقية مراحله بالتوافق مع حملة السلاح، ومعالجة قضية العدالة الانتقالية، بما يضمن عدم الإفلات من العقاب، وإنصاف الضحايا وأسرهم، والتوافق على معالجة المشكلات الاقتصادية، وتفكيك دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن".
وجدد رئيس الوزراء السوداني تحذيره من "مآلات الأوضاع في ظل التشظي داخل مكونات السلطة الانتقالية، خاصة الخلاف داخل المكون المدني وداخل المكون العسكري، والصعوبات في العلاقة بينهما"، مشيراً إلى أنه طرح مبادرته وعرضها على كل المكونات المجتمعية والقيادات السياسية، وأنه سيواصل التشاور مع كل القوى السياسية في كل السودان، لـ"خلق فرصة أوسع للتشاور العريض"، وسط توقعه بأن ينتهي ذلك بتكوين آلية توافق بين السودانيين لحماية الانتقال الديمقراطي.
إصلاح المؤسسة العسكرية
وأكد حمدوك أنه "لا يمكن حل قضايا الاقتصاد والعدالة الانتقالية وبناء الدولة المدنية إلا بإصلاح القطاعين الأمني والعسكري في البلاد"، مشدداً على أنّ ذلك الإصلاح "ليس مهمة العسكريين، ويجب مشاركة المجتمع السياسي والمدني فيه".
وأوضح حمدوك أنّ القوات المسلحة "يجب أن تكون الجيش الوطني الوحيد في البلاد، وذلك يتطلب إصلاحات هيكلية، وعقيدة عسكرية جديدة، وتمثيل التنوع السوداني في كافة مستوياته، وتنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية الوارد في اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح"، مضيفاً أنّ "قوات الدعم السريع ذات طبيعة خاصة وساهمت بدورإيجابي في التغيير، وأنّ دمجها في القوات المسلحة يتطلب توافقاً بين قيادة القوات المسلحة والدعم السريع والحكومة للوصول لخريطة طريق متفق عليها تخاطب القضية بكل أبعادها".
وأشار إلى أنّ جهاز المخابرات العامة والشرطة السودانية "يجب أن ينفذا ما ورد في الوثيقة الدستورية بشأنهما، وأن يخضعا لعملية إصلاحات عميقة وجذرية وعاجلة"، كما شدد على ضرورة أن "يضطلع الجهاز التنفيذي بدورأكبر في إدارة جهاز المخابرات، وتغيير كافة مدراء الإدارات بآخرين قادرين على إنجاح المرحلة الانتقالية، وإجراء إصلاحات جوهرية وسريعة في هيكله وطرق عمله".
كما نادى حمدوك بمراجعة النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وحصره في الصناعات ذات الطبيعة العسكرية، ومراجعة الشركات التي انتقلت لحوزته عقب التغيير، ودمج نشاط المؤسسة العسكرية الاقتصادي في الاقتصاد الوطني تحت ولاية وزارة المالية على المال العام، "على أن تبتعد القوى السياسية عن العمل داخل القوات المسلحة، وعدم استقطاب منسوبيها، وتطوير صيغة مجلس الأمن والدفاع لمجلس للأمن القومي يمثل فيه المدنيون والعسكريون بصورة متوازنة ويختص بوضع استراتيجية الأمن القومي ومتابعة تنفيذها".
وأشار إلى أنّ "مستقبل القوات المسلحة وتنظيم علاقتها بالحياة السياسية الديمقراطية، ستكون من قضايا المؤتمرالدستوري التي ستحسم قبل نهاية المرحلة الانتقالية".
مثول البشير أمام الجنائية الدولية
إلى ذلك، شدد حمدوك، ضمن نص مبادرته للتسوية السياسية، على ضرورة مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية، مذكّراً بأنّ ذلك المطلب "هو واحد من أركان العدالة الانتقالية التي رفعتها ثورة ديسمبر وشعاراتها".
ومنذ العام 2008، بدأت المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة رموز النظام السابق بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية، وسمت بداية أحمد هارون، وزير الدولة الأسبق بوزارة الداخلية، ثم أعلنت في 2009 عن اسم الرئيس عمر البشير ضمن المطلوبين، وبعد ذلك وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين، ومعهم الزعيم القبلي علي كوشيب، الذي سلم نفسه طواعية للمحكمة في العام الماضي.
وأوضح حمدوك في مبادرته أنّ "قضايا العدالة ممتدة طوال امتداد سنوات نظام الإنقاذ الثلاثين وصولاً لجريمة فض الاعتصام، ويجب حلها وفق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وإنصاف الضحايا وأسرهم، وضمان إصلاح المؤسسات العدلية والأمنية، وتحقيق الأهداف التي من أجلها استشهد الآلاف، وضمان عدم تكرارهذه الجرائم في المستقبل".
وأكد حمدوك أنّ كل ذلك "لن يتحقق إلا بتكوين لجنة وطنية للعدالة الانتقالية تتولى مهمة الاتفاق على القانون والمفوضية وتصميم عملية شاملة بمشاركة ذوي الضحايا، تضمن كشف الحقائق وإنصاف الضحايا، والمصالحة الشاملة، والإصلاح المؤسسي الذي يضمن عدم تكرار جرائم الماضي مجدداً، والفراغ من تحقيقات فض الاعتصام، وتحديد المسؤولين جنائياً عنها والإعلان عن إجراءات عملية بشأنها تنصف الضحايا، وتحقق أهداف الثورة وتضمن نجاح المرحلة الانتقالية، عدا إصلاح الأجهزة العدلية وإكمال بنيانها المؤسسي وتفكيك التمكين بداخلها".
وكان حمدوك قد حذّر، في وقت سابق، من مخاطر الفوضى والحرب الأهلية بسبب الأحداث التي يشهدها السودان، مشيراً إلى أن "البلاد مهددة بالدخول في حالة من التشظي والانقسام بسبب تدهور الأوضاع الأمنية".
وشدد، في خطاب له، على أنّ "الأمر تحول في بعض الحالات من تحركات للتعبير عن الرأي إلى أحداث سلب ونهب للممتلكات وترويع المواطنين في عدد من المناطق، واعتداءات مباشرة، سبقتها حوادث قتل، وتعد على عدد من الثوار، وأن هناك حالات عنف واعتداء على النساء بصورة غير معهودة".
وفيما يلي نص المبادرة التي طرحها رئيس الوزراء السوادني: